لعل في الممارسة الانتخابية العربية في دولنا القطرية مع بداياتها ، أي ليس قبل أقل من تسعين عاما ، تعصب وانتماء وغياب الروح الديمقراطية ، التي هي عصب الانتخابات الرئيس . ولعلها تفتقر إلى أدنى مقومات الروح الديمقراطية التي تتيح الحرية الشخصية لاختيار من هو مناسب وكفؤ ، لتمثيل الناس ، فالنائب عني يمثلني ، وينوب عني في اتخاذ القرارات وإصدار الأحكام والموافقات والرفض ، فهو بالمنطق أنا ولكن بشكل آخر .
ترى هل يمثل النائب العربي ممثليه أو ما يسمى بقاعدته الانتخابية ، وبالأصل هل له قاعدة انتخابية ، وهل وصل إلى منصبه بالصورة التي تجري بها الانتخابات في العالم المتقدم .. وهل الممارسة الانتخابية في عالمنا العربي ممارسة انتخابية ديمقراطية بالمعنى الحق للانتخابات والديمقراطية .. وهل تمارس فيها الحرية .. وهل تتساوى فيها الفرق والأحزاب والتكتلات العشائرية ، والعائلية ، والمناطق الانتخابية ، في اخذ كل حق حقه على قدم المساواة .
وهل النظام والقانون المعد لمثل هذه الانتخابات قانون عصري يمكن من فرز نواب منتخبين قادرين على تمثيل قواعدهم الانتخابية ..وهل المرشحين لهذه النيابة يمتلكون القدرة الكافية للقيام بما هو مطلوب منهم بالفعل .. أم أنهم ينظرون إلى العملية برمتها على أنها منافسة وتشريف ووجاهة ومشيخة ..
ثم من هم الذي يتقدمون لتمثيل الناس ليكونوا نوابا عنهم .. هل هم أصحاب الفكر والقيادة في المجتمع .. هل هم من أصحاب الشهادات .. هل هم من أصحاب الفكر التقدمي أو الحزبي .. هل هم من الناشطين في خدمة المجتمع والناس .. عبر معرفة المجتمع لهم في مؤسسات المجتمع المدني التي تقدم الخدمة العامة .. هكذا رغبة في العمل وبروح تطوعية غير ذات أهداف وأجندات خاصة رخيصة ...
ستفاجأ وبشكل سافر أن الإجابات على جميع تلك الأسئلة هي لا بكل تأكيد إلا القلة القليلة ... اذا من هم المرشحين للنيابة ...
هم ثلة من التجار وأصحاب رؤوس الأموال ..أو احد وجهاء العشائر ..أو أبناء العائلات الكبيرة .. ربما الغنية بالتأكيد ... أو من أصحاب المناصب الكبيرة في الدولة سابقا ... فمن كان من أصحاب المال والتجارة يفهم الأمر على انه منافسة وحرب ضروس مع أمثاله ممن يملكون الأموال والتجارة والتوكيلات .. وهو سيدفع بمبالغ ربما تعد بميزان الطبقة الكادحة وكأنها ميزانية دولة ... فيما يسمى الحملة الانتخابية التي ليس قوامها المناظرة والحوار والفكر والرأي والرأي الآخر وحرية الحوار وديمقراطية الاختيار ... بل سيكون مقوم الحملة الانتخابية على الأعم الأغلب .. الحلويات .. وموائد الطعام .. والأكل والشرب وحملات توزيع الأعطيات والهدايا والمساعدات .. وزيارة القرية مهبط الرأس بعد أكثر من خمسين عاما من مغادرتها . . وطلب النصرة من الكادحين فيها ..
أما أذا كان من الفئة الأخرى ( من أبناء العشائر .. أو العائلات الكبيرة المتنفذة .. فأنه سيؤلب الناس حوله برابطة القربى والدم واسم العشيرة الذي لا يهمه اكسر من انه سلم يرتقي به إلى المنصب .
أما إذا كان من أصحاب المناصب الحكومية السابقة .. فهذا موضوع طويل شائك .. لكن باختصار سيكون هذا المرشح مدعوما بقوة ذلك المنصب وما كان قد عمل فيه من خير ... وما قدم للناس من خدمات وطبعا كل ذلك ربما يكون على حساب الغالبية العظمى من الناس البسطاء الذين لا يمتلكون وسيلة الوصل إليه .. لا بالطرق القانونية والقنوات الصحيحة ولا بالوساطة عبر وسيط متنفذ.. ومن المؤكد أن سلطته القديمة وجاهه وهيلمانه سيكون لهما المفعول الأكبر في العملية الانتخابية إلى جانب جمع الأقارب والناس والعشيرة حوله على أساس عشائري وقبلي وعائلي وديني وعرقي ..وهذا أمر مؤكد ليس من شك فيه على الإطلاق ..
سترى الناس البسطاء يتوهمون أن هذا المسؤول السابق يملك مفتاحا سحريا لجميع مشاكلهم .. وانه بما يملك من خبرة في المنصب .. وبما يملك من شبكة معارف قوية كبيرة متشعبة .. وبما قدم ن خدمات للناس في شتى الأماكن يستطيع مالا يستطيع غيره أن يفعل .. بهذا يكون المنصب القديم قد لعب دورا كبيرا في العملية الانتخابية .. وكان هو بذاته دعاية انتخابية ما بعدها دعاية ... وبهذا تفقد العملية الانتخابية الكثير من مستوى عدالة الترشح والانتخاب ..
فكيف لحزبي صاحب فكر ربما يكون مدعوما من قبل حزبه وما يمثله من قاعدة اجتماعية على الأغلب بسيطة جدا ( بسبب ضعف الإقبال على التحزب والتجمع في عالمنا العربي – لأسباب أكثر من أن نخوض بها في هذا المقال البسيط ) هل سيكون لهذا المرشح الفرصة ذاتها أمام صاحب المنصب السابق .. الإجابة حتما لا .
أما بالنسبة للناخبين في عالمنا العربي ، هل ينتخبون بحرية مطلقة ، هل ينتخبون من يرقى إلى مستوى قناعاتهم ... هل ينتخبون نائبا يمكن أن يقوم بدوره الرقابي والتشريعي كما يجب أن يقوم به وكما هو مناط به .. هل وصلت العملية الانتخابية بهم إلى مستوى ديمقراطي ( حرية الرأي وديمقراطية الحوار والاختيار ) هل تشكلت عبر السنوات ثقافة الانتخابات الحرة النزيهة .. هل تبلور لدى الناخب العربي فكر ديمقراطي حر يختار بموجه بعيدا عن كل إشكال التمييز والعنصرية بكل أنواعها ..هل ينتخب المواطن العربي نائبا ليكون نائبا عن الوطن .. بدل أن يكون نائبا عن عائلة أو حارة في حي كبير ... الإجابات جميعها للأسف الشديد . لا ..
الموروث العربي في مجال الاختيار وحرية التعبير والديمقراطية والانتخاب والعقل الجمعي العربي في هذا المجال .. لا يحتفظ إلا بسنة التوريث والإنابة والتعيين ... ولم تمارس العملية الانتخابية بمعناها الحق إلا على نطاق ضيق محدود في بعض الأقطار العربية .. ربما تكون في مجالات النقابات والجمعيات والاتحادات الطلابية ... أما على المستوى السياسي فلم تجرى انتخابات حقه ... على الرغم من كل ما يقال عن الشفافية وحرية الاختيار والنزاهة ...
الانتخابات العربية على الأغلب هي تكريس للفكر الواحد الأوحد ، وهي تكريس للعشائرية والقبلية ، وهي التحيز والانحياز لرابطة الدم ، والمصالح الفردية الآنية ، ويدعم هذا قوانين الانتخابات المصممة بطريقة تؤدي إلى نتائج محددة ، ولن تفرز نائبا قويا ممثلا للوطن ، بل سيكون ممثلا لعشيرة أو عائلة .. أو فئة محدودة .. وبهذا تفقد العملية الانتخابية الكثير من أهدافها التي كان يجب أن تناط بها .
لماذا لا نسمع الانتخابات في أمريكا وإسرائيل .. واو ربا يقال عنها .. ستجرى الانتخابات بشافية ونزاهة وحرية مطلقة .. طبعا الإجابة لان الأصل فيها أن تكون كذلك فلا داع لان نقول أنها شفافة ونزيهة وحيادية وديمقراطية .. أما عندنا فقد تكونت عبر السنين مجموعة من التجارب التي صبت في خانة عدم الثقة بكل العمليات الانتخابية ...
وقلما تجد انتخابات عربية على مستوى النقابات والاتحادات الطلابية والجمعيات .. وقد خبرت ذلك بنفسي أكثر من مرة ... قلما تجد من يشكك بنزاهتها ومصداقيتها ...
ربما نجد الحكومات العربية قد تفوقت على الشعب في مجال الديمقراطية .. وتفوقت على الأحزاب في الحرية .. وتفوقت على الكتل السياسية في إتاحة الفرصة للجميع المشاركة .. ولكن المواطن العربي لا زال مسكونا بفكرة التجسس والأمن والمخابرات . و فاقدا لثقته بنفسه فضلا عن ثقته بالآخرين .. مسكونا بالحاجة والفقر والخوف من الغد .بالإضافة إلى انعدام روح المبادرة والمغامرة والتغيير.. مصرا على ( قديمك قديمك ولو جديدك أغناك ) .
التعليقات (0)