مواضيع اليوم

الأخلاق بين الميتافيزيقا و العلم.

محمد مغوتي

2010-09-12 14:00:27

0

           الأخلاق بين الميتافيزيقا و العلم.
   نعيش في العالم الإسلامي تمزقا هائلا بين الفكر و القول و الفعل. و تكاد الأفعال عندنا تختزل في الأقوال. لذلك ندور في حلقة مفرغة تعيد فيها الوقائع إنتاج نفسها. و هو ما يضع المسؤولية الأخلاقية موضع سؤال في ظل مقاربة واقع الحال في الممارسة السلوكية اليومية.
   إن مناقشة الفعل الأخلاقي في ظل التربة الدينية التي تحكم الوعي الإجتماعي لا تقدم البدائل التي من شأنها تجاوز السلبيات، و ذلك لأنها تستند إلى خطاب الوعظ و الإرشاد الذي ثبت إفلاسه و آن الأوان لتجاوزه. ويبدو أن سؤال المسؤولية الأخلاقية الذي يطرح نفسه بإلحاح في واقعنا الإجتماعي لا ينفصل عن أزمة العقل التي تلازمنا منذ عدة قرون. و لا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق التغيير المنشود إلا من خلال بديل حقيقي يتحدد في الخطاب العلمي. و قد أثبتت تجارب الغرب أن ترسيخ الفكر العلمي في العقول هو الكفيل ببث الفكر الأخلاقي في السلوكات و الأفعال. و التاريخ البشري شاهد على تلازم مفهومي الفكر و السلوك. لكن الأمر يتعلق بطبيعة الحضور الأخلاقي في وجدان الناس. لذلك تتداخل في هذا الشأن الميتافيزيقا بالأخلاق، وتساهم لعبة تبادل المواقع بينهما في تحديد ملامح الفعل الأخلاقي عمليا.
    يتعلق الأمر هنا بالتمييز بين الأساس الميتافيزيقي للأخلاق من جهة و الأساس الأخلاقي للميتافيزيقا من جهة ثانية. و لسنا هنا بصدد خداع لغوي كما قد يتبادر إلى الأذهان. ففي المستوى الأول ( الأساس الميتافيزيقي للأخلاق) نكون إزاء تبعية الإنسان باعتباره كائنا أخلاقيا للعالم الذي ينتمي إليه. و هذا يعني أن الكائن البشري محكوم بنظام العالم. و هذا يعني أيضا أن معنى الإنسان يتحدد في ما يحيط به لا في ذاته. و النتيجة المترتبة عن ذلك هي انعدام المسؤولية الأخلاقية و الإلقاء بها لنظام الكون بمفردات مختلفة لكنها تؤدي نفس المعنى : الأبراج و النحس و التطير و البركة و الجن... و كلها مفردات تمنح المادة الفيزيائية أو الغيبية قوة و قدرة على الفعل و التأثير على اختياراتنا السلوكية. و هكذا نشهد عددا من الممارسات التي تكرس هذه الحقيقة مثل الربط بين الظواهر الطبيعية و العقاب الإلاهي أو التماس الحظوة و الخير من الموتى و الأولياء الصالحين... أما في المستوى الثاني( الأساس الأخلاقي للميتافيزيقا ) فإن القاعدة تتغير كلية. فالأسبقية للإنسان الذي لم يعد يبحث عن دلالته في العالم بل أصبح يلتمسها في ذاته. و قد بدأ هذا التفكير الجديد في أوربا يفرض نفسه مع الفيلسوف الإنجليزي دافيد هيوم الذي أكد في شرحه مبدأ السببية أن المادة ليس لها فعل و لا قوة، وبالتالي فهي لا تمتلك أي تأثير على الإنسان. وهكذا عاد الفعل إلى الإنسان كاملا، و هو ما سمح بظهور مفاهيم لم يكن من الممكن الحديث عنها قبل ذلك مثل: الواجب و المسؤولية و الإلتزام... و هي مفاهيم فرضت نفسها بقوة في الفلسفة الحديثة. و النتيجة أن الأخلاق لا تتأسس على معايير غيبية أو إشراطات أخروية بحمولتها الجزائية، لكنها في الوقت ذاته تتقاطع مع الإيمان الديني و تتحقق عمليا في السلوك اليومي، لكنها تصبح ثقافة التزام مجتمعي حر و مسؤول و ليست إلزاما ميتافيزيقيا. 
   واضح إذن أننا مازلنا في المجتمعات الإسلامية محكومين بالمستوى الأول الذي تتأسس فيه الأخلاق على الميتافيزيقا، و لم نجد بعد الطريق إلى إدراك التغيير الذي حدث في الغرب. و من تم لا يمكن لهذا الواقع إلا أن يفسح المجال واسعا أمام خطاب النصح الذي يلوذ بالوعد و الوعيد. وهو خطاب لا يقدم الحل الناجع لأزمة الأخلاق لأنه يخاطب القلوب و لا يتغلغل في العقول. ولا بد أن تخلفنا على المستوى العلمي هو سبب تخلفنا على المستوى الأخلاقي لأننا لم نكتسب آليات التفكير العلمي، واكتسابنا للعلم هو في أحسن الحالات مجرد ترديد ببغائي لما سبق إليه الآخرون.
            محمد مغوتي.12/09/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !