-استراحات-
مقاطع من استراحة لم تأت ..
هنا..!
أين هنا..؟ في هذا الحيز من الاستراحة المجازية، تحدث مشادات عنيفة بين الورقة والقلم، بين الإنسان وفكرته وذلك ما ينبع عن رغبتنا العميقة لمصالحة القارئ واستدرار كرمه العاطفي نحو المقروء.
وحين تسأل صغيرتي (يا بابا لا تسترح) على طريقة الوعظ المروري (يا بابا لا تسرع) حينذاك أهَّم بالتوقف عن الكتابة النزيف. وتكون ابنتي قد عدلت عن موقفها السابق فتلح عليَّ إلا الكتابة شريطة البعد عن السياسة، وعن الأمة المقتولة بخنجر التيه، وعن الشريط الإخباري لآخر ما توصلت إليه زعامات الهزيع الأخير من الزمن الرديء.
لذلك نستريح مع حبيبات العرق التي تتسلق جبهة وجبين الفلاح البسيط والعامل المتواضع..
نستريح معه..
يده المتشققة.. وجهه المتجعد بكبرياء القرون...
ونبدأ المشوار مع زجلته المفضلة وهجلة عَلاّن، إنها رحلتنا في أسفار (علي ولد زايد) الصوت المنصهر بالأرض وأحلام البسطاء.. أو (علي ولد زايد) الصوت المحدث والامتداد المعايش لهموم وآمال الطيبين:.
(يقول علي ولد زايد..
ما شي مع الناس راحة..
إلا المرور والجوازات
ولا عمل في الجمارك) وفي رواية أخرى الضرائب.
هنا نجد لوناً للحديث.. الحديث بلون القمح، لون السنابل التي تعانق الشمس وتناغي القمر. وتشمخ ثم تشمخ.. تنادي في عالم البطالة العربية..
هل من مناجز؟ أما من مبارز..!؟
أكرر لا سياسة هنا في هذا الحيز هنا أنما نستريح وتستريح اليد المضرجة بدموع المراعي..
عيناها تكتبان سؤال الموسم..
مَن هذا الممتشق غصن الزيتون من غمد الأرض..؟
مَن هذا الذي يرسل الدفء ولا دثار له..؟
أليس غير الفلاح من ينتصر لقضيته.. ويلملم أشلاءها.. ويتقن لغتها العاشقة المعشوقة..؟
الفلاح الذي يسهر لقضيته ويصبح بها.. لكن الضرورات لا تتمكن من بخس أشياءه ولا تستطيع إرغامه على دخول الحلبة كما لا تقدر على انتزاع اعترافه كعربي بسوق (البورصة) والشكل الفني الآخر للعرض والطلب..
من جديد تستيقظ ابنتي فزعة لتقول لي: (يا بابا لا تسترح) أليس لديك حديثاً غير الذي تكتب؟! قلت: بلى، ولكنه حديث سمج عن الإنسان. قالت الصغيرة.. أليست استراحتك أنت فما دخل الإنسان فيها. قلت: كذلك هي، ولكن أروع ما فيها أنها تعب لذيذ،أما إذا كان (للإسقاط) نصيب الأسد منها فإنها ولا شك تكون أكثر متعة وروعة.. فليس لدينا من يملك أدنى سبب للتهرب من (الإسقاط) لأن ارتباطتنا بهذه العاهة لا تعبر بالضرورة عن مظنة سوء.. قدر دلالتها على تجسيد المعترك الحياتي الذي يخوضه إنسان العالم الثالث بشكل عام.
الإسقاط وهو يعبر عن طموحاتنا العربية المدفونة في الرمال.. وعن آمالنا التي لا نتكشفها إلا من خلال المعاجم اللغوية.. وعن (زيد) الذي لم تحل مشكلته مع خصمه اللدود (عمرواً)
يا ابنتي!!
ليس في الأمة العربية من لا يعرف أن زيداً ضرب عمرواً.. وأن الأخير فعل فعلته الشنعاء في أخينا زيد. والقضية منظورة أمام التاريخ العربي منذ أمد بعيد.. فلا النيابة ولا القضاء ولا حتى الزعماء العرب أمكنوا من حلها.
قالت صغيرتي: شكراً على هذه المعلومات التاريخية ولكن قل لي هل على شاكلة الخلاف بين (عمرو.. وزيد) تكون الحرب العراقية الإيرانية..
في موضع آخر أفتيك في الأمر لأني عند التزامي بالإمساك عن السياسة في هذه الزاوية.
قالت:
أو تظن أنك الوحيد الذي يمكن له تعاطي الإفتاء السياسي، ألم تعلم بعد أن السياسة باتت جزءاً من اهتماماتنا المطبخية أننا نغمس أقراص الخبز التي تقدم إلى موائد الرجال، بالسخرية المريرة من سياساتهم الهوجاء من حماقاتهم المتواترة وحروبهم نيابة عن الآخرين!
أما بعد فبعلمي أن ينسى الرجل نفسه وليس من أمر يعيده إليها إلا للوطن.
وللوطن كلمة ندفع ثمنها غالياً ثم نستريح كوننا في حجم من نحب.
الصحيفة: 26 سبتمبر
العدد:
التاريخ:
التعليقات (0)