مواضيع اليوم

-استراحات- قيل لي

أحمد الشرعبي

2009-12-30 08:26:27

0

-استراحات-

قيل لي –وأنا حينها لما أبلغ الحلم- أن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة"..
ولقد وقعت هذه العبارة في نفسي موقع التصديق والتسليم الكامل، وكلفني ذلك من الثمن مالا يطاق.. وباءت تجاربي بالفشل الذريع، فأنا كل ما قطعت مسافة الألف ميل مشياً على الأقدام أو حبواً على الورق، أو قفزاً على السلالم و"الأكتاف" كلما أحسست بأن الخطوة الأولى هي التي مسافة الألف ميل.
وهكذا تحولت إلى ما يشبه ساعي البريد الذي يتمتع بفقدان الذاكرة.
وكنت في مقتبل العمر قد وقعت في حب ليلى وكدت أشرف على الهلاك عند منتصف المسافة، حتى إذا ما بلغت الخطوة الأخيرة من الألف ميل قيل لي توجد ليلاك في الاتجاه الآخر، وكان علي أن أقطع الخطوة الأولى من الألف ميل "الثانية" وما كدت أوشك على النهاية حتى أسمعني هذا الزمن صوت ليلى يتناهى على مسمعي ببعد ألف ميل باتجاه الوراء.. وعندما هممت بالمتابعة أسرَّ الزمن إلي عن كثيرين مثلي عشوا ليلى وانتهى المطاف بهم عند سلمى أمة الله المخلوقة من ضلع أعوج.
وكنت في اليفاع قد راقتني هواية القراءة والإطلاع، ولقد وقعت يدي على كتاب "من السجن إلى الرئاسة" للزعيم الهندي "جواهر لال نهرو" أذكر أنني غافلت زميل لي فأخفيت الكتاب على حين غرة منه وراء قميصي وتعجلت الانصراف من شقة الزميل معتقداً أنني على مدخل تجربة سهلة بدايتها السجن ونهايتها سدة الحكم.
وخوفاً من أن يتنبه صديقي اختفائي فجأة فيلحق بي فقد قدت سيارتي بسرعة فائقة ونتيجة لذلك إذا بي أقع في حادث صدام عنيف يقودني إلى السجن ومن السجن إلى البنك اليمني لأوقع طلب قرض بـ 50 ألف ريال حكم بها عليّ.. وعند هذا الحد توقف ميلي للقراءة وشغفي بالكتب..
أما في طفولتي فقد صادفتني إحدى المحسنات من عجائز القرية كانت لا تفتأ تدعو الله لي –عن حسن قصد منها- أن يجعلني شجرة مثمرة، وكنت أرفع يداي وأهمهم معها "آمين اللهم آمين" فلما كبرت وقرأت لشاعر قديم قوله "وليس يرجم إلا أطيب الثمر" ألفيتني أبتهل إلى الله أن لا يسؤني بالثمر حتى لا أغري الناس على رشقي بالحجارة.. وحدث أن عدت إلى ذات العجوز أطمع أن تستغفر الله وترجع عن موقفها مني فوجدتها فعلت.. وباتت تدعو الله لي أن أكون "كالعود الطيب" الذي يباع بأغلى ثمن وينضح بأطيب رائحة.. ولحظتها ابتهلت إلى الله أن يقطع لسان العجوز فهي لم تعلم أنها تدعو عليّ بالحرق.
ترى هل هي مصادفات شخصية لا تتكرر في حياة الآخرين الذين يحلمون كثيراً، ويخفقون كثيراً.. لكنما عرفت في هذا الأسبوع أن هناك زملاء يقومون بتعطيل جهاز الاستهلاك في سيارتهم حتى إذا رغبوا في بيعها لأحد أوهموه بأنها ما تزال جديدة وغير مستهلكة، مما دفعني إلى الاعتقاد بأن في إمكان أي منا تعطيل الجهاز المماثل في حياته اليومية فإذا اقتطع مسافة الألف ميل ولم يصل إلى هدفه المنشود، أمكنه التماس العزاء لنفسه من جهل الآخرين لحقيقة فشله وحال دون تشفيهم به وسخريتهم منه.
الصحيفة: 26 سبتمبر
العدد: 166
التاريخ: 5/12/1985م
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات