مشهد استاد القاهرة يوم السبت الماضى السادس من أكتوبر يستدعى التفكير فى دلالاته , إذ إنه من السذاجة بمكان أن يتصور احد أن هذه الحشود الهائلة والهتافات الهادرة إنما كان الهدف من ورائها إحياء ذكرى انتصار أكتوبر عام 73 , ذلك أنه من أكثر من ثلاثين عاما لم يجر احتفال بهذه المناسبة بمثل هذه الحشود الهائلة بهتافاتها المنظمة والمبرمجة , بل إنه فى حدود علمى لم يكن استاد القاهرة مكانا سبق استخدامه لإقامة حفل فى أية مناسبة قومية . من هنا فأنا أعتقد أن هناك هدفا آخر أهم من ذكرى أكتوبر عند منظمى هذا الحفل , وهنا أشير إلى الظواهر الآتية - أولا - فى خطبة الرئيس مرسى لم يذكر اسم السادات مرة واحدة وهو الذى يعزى إليه هذا اليوم -ثانيا -استمرت الخطبة نحو الساعتين كان نصفها الأول يمكن تلخيصه فى عشر دقائق , فليس فيه من جديد سوى ان الرئيس أخذ يكيل المديح لرجال الجيش والشرطة مرارا , وهذا أمر له دلالته , - ثالثا - فى الجزء الثانى من الخطاب أخذ الرئيس يتحدث عن الإنجازات التى تمت فى المائة يوم التى أخذها عهدا على نفسه لحل بعض مشاكل المواطنين , مبينا أنه تم حل معظمها ملتمسا العذر لما لم يحل منها , رابعا تحدثت الأنباء عن قدوم أكثر من مائة باص من المحافظات وتم تخصيص أماكن لجماهيرها بكل دقة ونظام وتلك أمور غير معتادة فى الاحتفالات الجماهيرية , خامسا كانت الهتافات ذات الصبغة الإسلامية هى الأعلى صوتا والأكثر ترديدا وهو أمر غير مسبوق فى أى احتفال قومى يشهده رئيس مصر . ويبقى السؤال - ما دلالة كل ذلك ؟ إننى أعتقد أن التيار الإسلامى الذى آلت إليه أمور مصر بسبب تواطؤ العسكر هذا التيار بدأ يشعر بالأزمة فى الشهور الأخيرة , وقد تمثلت هذه الأزمة فى الآتى -1- أحداث سيناء وانشغال الجيش بها , وعد م الإعلان عن أسماء المتورطين فى قتل جنود العريش فى رمضان , وتردد بعض الأحاديث عن وجود إرهابيين من الذين أفرج عنهم مرسى فى سيناء -2 - تفاقم مشاكل الجماهير اليومية خاصة مشاكل الوقود على عكس ما ورد فى خطاب الرئيس -3-كذلك شعرالرئيس وجماعته بتنامى التيار الليبرالى واتجاه بعض فصائله إلى الوحدة قبل الانتخابات القادمة -4- ظهور تيار قوى ضد الدستور الإسلامى الذى يجرى الإعداد لتكبيل مصر به . كل هذه العوامل دفعت بالإخوان ليبحثوا عن مناسبة يجمع عليها المصريون ويعتزون بها , وعن مكان يتسع لحشودهم المنظمة التى استدعوها من كل مكان , كما استنهض الرئيس قدراته الخطابية والإنشائية ليدغدغ مشاعر الجماهير التى تشاهده عبر التلفاز , وليبين أن أصحاب السلاح إلى جانبه بهذا الإطراء المتكرر للقوات المسلحة ورجال الشرطة . إن مرور الرئيس بسيارة مكشوفة باستاد القاهرة محاطا بامن كثيف , و وسط إخوانه الإسلاميين لهو رسالة مقصودة ولكنها غير مقنعة . إن هذه السيارة التى ركبها السادات ومن قبله عبد الناصر لم تتجول بأى منهما بين جانبى الاستاد وإنما كانا يشقان بها شوارع العاصمة بين الجماهير , نعم لقد كان مشهد الاستاد غير عادى , وكانت الرسالة المقصود بثها منه هى - نحن هنا , نحن أقوياء , نحن الأقدر على الحشد والتنظيم , وأرجو ان تكون القوى الليبرالية الوطنية قد استعدت لمواجهة هذه الرسالة والتصدى لآثارها فى نفوس البسطاء , وأن يكونوا أكثر تنظيما , وأقدر على الحشد وذلك حتى لا تسقط مصر بين يدى التيار الذى يحتكر الحديث باسم الإسلام ويريد تجريد مصر من خصوصيتها الثقافية والحضارية
التعليقات (0)