ابو سريع السريع "وان " - يتبع –
لأكثر من شهر ونصف لم أضف موضوعاً جديداً على مدونتي.
تذكرت أخي وصديقي جمال الهنداوي حين عقب على موضوعي (عامان على مدونتي) بقوله:
أرجو ألا يكون موضوعك القادم "عامان على أخر موضوع نشر لي"
سبب تأخري في النشر، ليس بسبب عدم الكتابه.
كل ما في الأمر أني أكتب وأتأخر ليوم أو يومين. فأجد الأحداث سريعة متلاحقة قد تجاوزت ما كتبته لدرجة أن لدي أكثر من خمسة موضوعات ولكن تجاوزتها الأحداث.
تجلس أمام التلفاز. كأنك مربوط اليه. تتنقل بين برامجه الحوارية. التي تنتقي المثقفين والمفكرين هذه الأيام على غير المألوف.
سألني صديقي ذات يوم هل شاهدت بالأمس الأستاذ فلان. فقلت له لا على أي قناة كان موجود. فأخبرني. فقلت له لقد كنت أشاهد برنامج كذا وكان فيه من الضيوف فلان وفلان وفلان. فقال لي. لا تترك نفسك أمام برنامج واحد فسوف يأخذك من كل البرامج ويضيع فرصتك في مشاهدة العديد من المبدعين والمفكرين.
ومن يومها وأنا مستسلم لنصيحته فإنني لا أنتظر حتى يسأل المذيع أو مقدم البرنامج سؤاله التالي. إنني اتنقل بسرعة بين البرامج وأحظى بأكبر مشاهدة وأستماع لأكبر عدد من المفكرين.
على أنهم يضعونك دائماً في حيرة. فأنهم يجعلونك تحس بأن لك قدماً في الماء الساخن والآخرى في الماء المثلج.
يجعلونك تحس بأن هناك من دخل إلى رأسك عبر أذنيك وبدأ يهرش في مخك من الداخل.
يجعلونك تحس بأن أحدهم قد أستقر بداخل رأسك واثناء احتساءه كوب الشاي سقط منه فجأة على مراكز الأحساس والسمع والفكر داخل دماغك.
إن أحدهم يجذبك ناحيته بشدة ويجذبك الأخر في الأتجاه العكسي فتحس بضلوعك تتفسخ وأن أكتافك وزراعاك على وشك الأنخلاع منك كأن تروماى قد دهسك .
قلت لنفسي هذا حالي وأنا من أعتقد أنني مثقف وأن لدي فكري الخاص وعندي قناعاتي الخاصة فعلوا هذا بي. فماذا يفعلون بمن هو أرض بكر بالنسبة اليهم ؟
لم تطل حيرتي.
فقد كنت في كل يوم تال لأحد البرامج الحواريه الهامة. أجد اشخاصاً كباراً في السن و المنصب يعيدون على مسامعي ما قيل ليلة الأمس.
وكل يبرز مواهبه في الإستيعاب و التسجيل كأنه جهاز آلي. لإعادة ماتم تسجيله.
وكل واحد منهم يتعمد الأنحياز إلى وجهة نظر الضيف الذي هو من أشد المعجبين بهحسب زعمه .
ظللت صامتاً طوال الجلسة. أتنقل ببصري بين وجوههم. أتفحصها كلما تحدث أحدهم.
وجدتها وجوهاً جامدة. بلا مشاعر. وتخيلت الأنف والشارب و الفم و العينان والآذنان مجرد أزرار أو مفاتيح هذا لإعادة الشريط وهذا لعرضه بسرعة وذلك لحذف الألفاظ الخارجه وهذا لدرجة نقاء الصوت أو للخفض والرفع.
سألني أحدهم لماذا لا تشارك ؟
فقلت لهم أنتم سمعتم وأنبهرتم. بل سجلتم أحسن ما يكون التسجيل. وقد تكونون أقتنعتم بما طرح من أفكار.
ولكن أين أنتم من كل هذا. يفترض فيمن يسمع أو يشاهد ولم يتح له فرصة أن يناقش أن يهضم ما شاهد وما سمع. ثم يعود ليفرز قناعاته الشخصية أو الفكرية. أو ما يتوافق مع رؤيته هو لا أن يكون كل دوره أن يكون مجرد آلة تسجيل.
لم أسلم من تهكمهم ومن ضحكاتهم.
خصوصاً عندما قال لي أحدهم "أنت دماغك رايقه. هو إحنا فينا دماغ علشان نهضم وبعدين نرجع نفرز. دا كويس إن إحنا عارفين نقول الكلام اللي سمعناه".
ساعتها ، سامحت نفسي على سرعة الأحداث التي جعلتني أحس أن ما كتبته قد تجاوزه الحدث بيوم أو يومين.
فإن بعض البشر قد تجاوزه الحدث بعقد أو عقدين.
إذا كان أبو سريع السريع يغضب البعض.
فإنه نفسه نعمة لأنه لو كان بطيئاً بعض الشئ. لفهم البعض وأخذوا وقتهم في الهضم وساعتها قد يحدث مالا يحمد عقباه.
التعليقات (0)