-إيماءة-
لست أدرك سبباً لهذا التأثر العميق الذي أجده في نفسي كلما حضرتني عبارة من ذلك الدعاء الذي كان يردده الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
إني لا أستطيع حبس دموعي، ولا كبح جماح مشاعري عندما أردد هذا الدعاء، الذي يجمع بين ضعف الإنسان وقوة الإيمان..
إنه دعاء العظماء الذين يواجهون تآلب الخصوم، ومصائب الزمن فيرفضون بكل ما أوتوا من قوة إلا المواجهة وإلا الصمود، وحين يضيقون ذرعاً لا يلجئون إلى الناس لكنما يتجهون إلى الله، وفي شكيمة وإباء:"إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي".
وفي هذا المأثور من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عظة للمستضعفين، وحكمة للذين أصيبوا بهوان الناس.
إن على كثيرين أن يتعلموا من خلاله درساً في الحياة.
فالأنبياء والرسل نالهم الأذى ومسّهم القهر، وأحاط بهم الحقد من كل اتجاه؛ فما فقدوا الإيمان ولا أسلموا الراية، ولا كتموا كلمة الحق.
ولأن "المؤمن القوي خيرٌ من المؤمن الضعيف" فإن من غير المستحسن للذين تزرع الأشواك في حلوقهم والمخاوف في دروبهم أن يهنوا أو يعلنوا عن انكساراتهم.
ولعلك حيث تردد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنك تعلم ضعف قوتي و... و... الخ" واجدٌ في نفسك بعض الذي كنت أحس به للوهلة الأولى من التلفظ بالدعاء..
كنت أحس بأن الرسول صلى الله عليه نطق بهذا الدعاء وهو على مشارف القبر حتى تبينت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نافح فيه السماء، وهو لما يبلغ الذروة ولا دعوته بلغت غايتها.
والذين هان الرسول صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم هم أولئك القوم الذي استخفوا برجل كانت أمه تأكل القديد، وكان يحمل الكلأ، وذاته الذي قال لهم في سماحة "اذهبوا فأنتم الطلقاء"!.
وما أكثر الذين عبروا الحزن ومروا على شفرات السيوف وبلغوا مأملهم فابتسمت لهم الحياة، ووجدوا فيها فسحةً للأمل، وقد كانوا لا يستطيعون صنعا..
والذين يظنون أنهم بدون المعاناة قادرين على تطويع الكون لا أمل فيهم.
فهؤلاء يتعرّ عليهم فهمُ الصعاب التي يمر منها المرء إلى المستقبل.
مرة أخرى.. أعترف بأن لهذا الدعاء تأثيره البالغ في طواياي وأردده في ذات القوم، حاملاً في راحتي (15) قرناً وبضع سنة.
إنه أصدق دعاء تتمثل فيه حالة الملايين من أبناء الشعوب العربية.
"اللهم إنك تعلم ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس.. إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".
اللهم...
اللهم..
الصحيفة: الصحوة
العدد:74
التاريخ: 5/2/1987م
التعليقات (0)