-إيماءة-
هذا رئيس التحرير ما برح يطلب إليّ الحديث حول هموم الناس وحول قضاياهم اليومية..
وهو عن تجاهل مسبوق بنقاء لا يريد أن يدرك بأن لي من همومي الذاتية قدراً هائلاً لو وزّع على الناس كان كفيلاً بارتفاع سعر البيضة الواحدة إلى 3 ريالات!!.
ولكني بنرجسية هممت بالاقتراب من الناس لأعرف ما إذا كنا قد وفقنا في تكريس الحكمة القائلة: "ظلم الجميع عدالة"!!.
ولقد بدر لي أن أتحدث حول ارتفاع قيمة الدولار ودور الصيارفة الكبار في إحباط ما يتملكنا من نشوة الأمر في هذه المرحلة الزاهرة، ولكني خشيت أن يتألب علي قوم بمثل تألبهم على العملة الوطنية فيصيبني أذاهم، وأنا الذي لا مطمع لي في همومٍ إضافية!!.
وقد انصرفت عن هذه الفكرة لإيماني بالقول السائر: "خير الأمور أوسطها" وقلت لعل أسلم من هذا طرق موضوع الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة ومصاب محدودي الدخل في هاتين الطامتين.
وما هي غير أسطر معدودات فإذا بهاجس خبيث يمنعني من الاسترسال، فلقد رأيت أن حديثاً كهذا لا يصدر إلا عن ضعفاء النفوس، أو الذين في قلوبهم مرض.
ووقع اختياري على مشكلة المضاربات بالأراضي، وكنت أكثر انشداداً لهذا الموضوع لاعتبارات شتى.. منها:
أنني أجد أولئك الذي يتملكهم هوس في عشق الأرض يتغزلون بالوطن في حين ليس لهم فيه خيمة تأويهم ولا كهف يضمهم ويحميهم من عنت ملاك الشقق والمنازل المؤجرة.. لكن ذلك لا يمنعهم من ممارسة طقوس العشق بالطريقة العذرية.
ولكني علمت أن المشكلة باتت أكبر من خاطرة تصاغ بجرة قلم..
وأنها لم تعد محصورة بسماسرة الأراضي ولا بالذين قالوا بأن الأرض لهم وحدهم، والناس نافسوا بها.
بل هي خليط من المتاهات التي يتداخل المال فيها بالجاه، والجشع بالطموح، حتى لقد صار السماسرة القدامي مجرد قم عادي في قائمة النبلاء من هواة تجارة الأراضي الجدد.
وهذه القضية، خطيرة في أبعادها خطيرة في تأثيرها على محسنات الانتماء الوطني، خطيرة على الخطط التنموية، خطيرة غير ما نعهد.
وأشد من هذا وذاك خطورةً أن الإنسان الذي لا يجد مكاناً يضع عليه خيمته، لا وطن له؟.
وخطيرةٌ أيضاً لأنها ترتبط أحياناً بوجوه ينبغي أن تظل مشرقة، وأيدٍ يتوجب حمايتها من التلوث المادي.
وأخيراً..
ألستم تلاحظون أنني محرض!!
وهذه تهمة واقعة أدفعها بالاعتراف، وأعزيها لرئيس التحرير الذي غرّر بي؟؟.
الصحيفة: الصحوة
العدد:69
التاريخ: 19/12/1986م
التعليقات (0)