-إيماءة-
-2-
قديمـًا كان الناس إذا اختلفوا في بيت من الشعر - يحتمل أكثر من تفسير- يحتكمون إلى حسن النية فيقولون (المعنى في بطن الشاعر)..
وقديمـًا.. والكلمة -وقتئذ- كانت قوية الأثر تدفع إلى التأثر العميق وتترك خلفها من الأصداء ما يقلق الحاكم في عرشه ويزلزل بالقادة وهم في أوج انتصاراتهم.
أقول: كانت الكلمة قديمـًا تخيف ولا تخاف، تخترق الحواجز لكن أحداً لا يملك من الجرأة ما يمكنه من الحكم عليها وبتر أطرافها وتشويه ملامحها وإحالتها إلى وصيفة طيعة تنحني مقابل التفاتة ساحرة من آمر..
واليوم.. وسبحان محول الأحوال، صار التوجه العام العربي المنصب على وأد الكلمة يفوق إجماعهم على إصدار بيانات الشجب والتنديد ضد الغزو الصهيوني للبنان. وصار ما تبذله معظم الدول العربية، في تشديد الحراسة على الكلمة أكثر مما تبذل من اهتمام في حراسة حدودها. وبات على الكاتب في هذا الوطن الكبير أن يتعامل مع الدس.. فلكي يقول بعض ما لديه يتوجب عليه أن يمهر آراءه ببرواز عريض من نفاق وتزلف.
فإذا قال الكاتب رأيـًا يخالف فيه وجهة النظر السائدة جرى نعته بـ(الحاقد) على كل لسان.
لذلك.. تفقد الكلمة مصداقيتها وتفقد قدرتها على التغيير.. ويكون نصيب الحكومات العربية من الخسارة ما يزيد عن حظ المحكومين.
وعلى سبيل المثال.. لا تستطيع حكومة في معظم الوطن العربي أن تستعين بوسائل إعلامها ولا بكتبتها وحوارييها توجيه المجتمع صوب قضية معينة أو أن تنفذ إلى الرأي العام بهدف تحقيق قدر من الإجماع.
كل ذلك لأنها -الحكومات- لم تبق للكلمة شرفها ولم تحفظ للرأي صلته بالناس ولم تأت على ثقة يمحضها الإنسان لمطبوعة إلا قطعتها.
والسؤال..
ختام هذه الغفلة؟.. ولما لا تتحول الكلمة من وصيفة ذليلة إلى سيف بتار ينتضيه الحاكم عن ثقة، ويجرده المحكوم عن قناعة، ويمتشقه الكاتب دفاعاً عن أمته؟..
أقول هذا وأدعو الله أن يكون عون الرقيب الحصيف حتى لا يسقط مغشيـًا عليه من الإجهاد أو يفقد بصره نتيجة أمانته وإيمانه بعدالة القضية التي يقضي في سبيلها.
كان الله في عون الرقيب وأطال عمره.. إنه سميع الدعاء..
الصحيفة: الصحوة
العدد:
التاريخ:
التعليقات (0)