-إيماءة- -1-

-إيماءة-
-1-
حقيقة مخيفة ومحزنة أن يتلازم إحساس المرء بالبطالة مع شعور غامض يستحوذ عليه عندما يتهيأ له أنه مشغول على طول الخط لا يجد- وهو الذي لا عمل له- متسعاً من الوقت يقضيه مع فلذات الكبد، يراجع لهم أو يصحبهم إلى مدرستهم للاطمئنان على حياتهم من رجل آخر- مثله مشغول- يقود سيارته بتهور مخاطراً بحياته وحياة الآخرين.
إنها قضية تستحق الدرس.
((قضيتي.. وأنا من هؤلاء الذين ربما يتوهمون بأن وراءهم أعمالاً هامة تستدعي العجلة، وتتطلب الوصول إلى الهدف من أيسر الطرق.. فيما تجدهم بين معفى من عمله، أو ملفوظ لا يحسن ارتداء الوجوه الإضافية، أو معني بالتوقيع على (حافظة) الدوام..! دون أن يكون له عمل يقوم به ومهمة يؤديها)).
وحالات كهذه لا توجد ضمن مساحة محدودة ولا في خانة العشرات، إنها أكثر من ذلك بكثير.
ولكننا إبان درسها لا نستطيع إغفال الجانب الإنساني في تفهمها..!
فالقدرات التي تقتل في الإنسان والجهود التي تستهدف استلاب طاقاته الإبداعية تجعله أكثر زعماً للحياة وتحيله إلى هوس مجنون يستحيل معه انتزاع أي اعتراف منه عن كونه موجوداً خارج إطار الحياة ودوامتها..
إذ الإنسان غير قادر على الاعتراف بأنه صار مجرد رقم إضافي، أو بمعنى أوضح (عالة على المجتمع) طالما أن هذه الحقيقة قد جاءت رغم أنفه وبإرادة آخرين شاؤوا إهدار قدرته على الإنتاج والإبداع والتشكل في الإطار العام.
إن الذين يتجاوزون إشارات المرور (الحمراء) ليسو من ذوي المكانات الوظيفية الهامة بل الأغلب أنهم من أولئك الذين يحكم عليه بالبطالة الموجهة أو المقنعة..
فإحساسهم بالفراغ الممل وبالسأم يشد قبضته على رقابهم يتحول إلى وهم كبير بضيق الوقت وضرورة اللهاث الذي لا يترك لطفلة من وقت أبيها ما يعوضها عن الحرمان.
إن من بين الأسباب الرئيسة لندرة الإبداع. وغياب الرؤية. وفقدان القدرة على مواجهة متطلبات بناء الإنسان الحضاري هذه الحروب النرجسية الصامتة التي تشن ضد التفوق وتوجه حرابها- كل حرابها- في وجه التميز المشروع المنبثق عن الجهد المشروع.. وأراها قضية جديرة بالنقاش لكنها محاطة بمحاذير في طليعتها شحذ أصابع الاتهام لتشير إلى الذين يعتبرون في التنافس الشريف اعتراضاً على حركة الحياة وذلك تفسير يتقوله الكسالى وتنتجه العقول الخاملة والمدارك المعطبة وتتبناه معظم الحكومات العربية التي يدركها الجزع كلما ارتفعت هامة شريف أو تفتق برعم واعد عن موهبة أو غرد مخترع خارج سرب الإعاقة في نظامنا العربي المتخاذل.
الصحيفة: الصحوة
العدد:
التاريخ: