أثناء إشتداد أزماتها مع حكوماتها الديكتاتورية ، تظهر قدرة الشعوب على التحمل وعلى المناورة ، لأن الخبرة المتراكمة ولعقودٍ طويلة لتلك الأنظمة ، تجعل لها جذورا متغلغلة في كل شبر من الأوطان ، هي عبارة إما عن شرطي سادي كأسياده ، أو مُخبر متعفن يقتات على النميمة ، أو حتى حرامي يعمل لدى الدولة بدوام جزئي لتخويف المعارضين وترويع البسطاء والشرفاء ! ..
فالإطاحة بنظام شاب على كل الأساليب الملتوية في إلواء الأذرع ، وعلى كل الألعاب القذرة لتكميم الأفواه ، لن يكون بتلك السهولة وتلك البساطة ! .. وهذا ما نتمنى أن يعقله الإخوة المصريين قبل أن تخمد في نفوسهم إرادة التحرر ، ودافع الحياة مع الكرامة والشرف أو الموت بهما ، وقبل أن يستبطؤوا إنقشاع غيوم الظلم والظلام عن سماء مصرهم المحروسة ، فتثبط عزائمهم وتتقهقر إراداتهم ، ويعودوا أدراجهم إلى حيث كانوا بل وأسوأ ! ..
فينبغي على كل مصري رافض لإستمرار كابوس نظام مبارك ، أن يقتنع بأنه وصل في نضاله في سبيل إنعتاقه إلى نقطة (اللاعودة) ، وأن أيام الإعتصام والتظاهر (الثلاثة عشر) غير كافية لليأس من إقتلاع نظام عمّر ثلاثين عاما ! .. فطبيعي أن تكون هناك مقاومة وجملة من المناورات لتفادي السقوط ، لكن مع الصبر الجماهيري على الإحتكام إلى الشارع والهتاف برحيله ، فإنه حتما لن يحتمل أصوات الحق التي تصل ليله بنهاره وتفض مضجعه ، وهو مع الوقت سيشعر بالتعب وبالإعياء وسيرحل !..
وينبغي على المعتصمين في الشارع وفي العراء ، أن لاينخدعوا بدعوات الحوار التي توزعها عليهم الحكومة ، لتشتيت صفوفهم وتفريق كلمتهم ببث الشقاق بينهم ، في المنازعة في إختيار ممثلين عنهم يجالسون النظام على طاولة تفاوض واحدة ! .. النظام الذي لم يفتح بابا للنقاش والحوار وحرية الرأي طيلة الثلاث عقود ، يُماطل في الرحيل بلعب ورقة ما يظنه (لهفا) للمعارضة وسعيا منها لنيل إعتراف حكومي بعد أن كانت ضمن القوائم السوداء والمحظورة .. ولكن في الوقت الضائع !.. إذ إن ذات النظام فاقد للشرعية منذ الخامس والعشرين يناير الماضي ، فكيف له أن يمنح الشرعية أو ينتزعها عن معارضة من المفروض أنها أكثر فطنة وتريثا ، مما بدت عليه من إشتياق للإرتماء في حضن السلطة ؟! ..
فنظام مبارك يعمل على إمتصاص الغضب الشعبي ، وإطفاء شموع أمل التغيير في ميدان التحرير ، بزجّه بقيادات العسكر في ميدان السياسة وبتقليدهم مناصب حكومية حساسة تجعلهم يحتكون بالشعب ، لكن المؤامرة إنكشفت بتصريحات أحد رجال (العسكر المُسيّسِين) حين قال بأن (الجيش مهمته حماية الدستور) ! .. والدستور يعني كل من جاء ذكرٌ صريح أو حتى تلميح في أحد مواده بأنه يمتلك الحق في الحماية من التعرض لذاته الحقيقية أو الإعتبارية بأي أذى جسدي أو حتى معنوي بتحصينه بمضادات الرصاص وأيضا بمضادات إعلامية !.. وقيادات العسكر ممن تشملهم رعاية الدستور وحفظه ، يعني الجيش لحماية النظام القائم بجميع قياداته مادامت جميعها عسكرية ؟! ..
نظام مبارك يحاول تفجير مصر ذاتيا ، ودافعه الوحيد للبقاء ـ بعدما نشر الشعب غسيله القذر ـ هو الإنتقام من الشعب لتطاوله عليه ، ولتحطيمه جدار الرهبة الذي كان مبارك يقف خلفه ، ولا شيء غير الإنتقام يجعل مبارك يتمسك بحكم مصر ويكتفي بالنظر إليها وهي تغرق في الفوضى ، وينظر إلى مؤشرات إقتصادها تهوي إلى الحضيض في ظل إغلاق البنوك والبورصة ، وفي ظل توقف عجلة السياحة عن الدوران ! ..
مبارك يريد أن يجعل شعبه يندم على اللاشيء ! .. ويجعله يعتقد بأن سنين حكمه كانت رخاءاً ، لكن إستمراره في ألاعيبه يكلف الإقتصاد المحلي والعالمي مليارات الدولارات ، لأن أسعارالذهب الأسود ترتفع معدلاتها متأثرة بالوضع في مصر! .. والحلفاء الغرب البراغماتيين لن يسكتوا طويلا على وقوف النظام العجوز (حجرة عثرة) في طريق مصالحهم ، وحتما سيساهمون في إزاحته ! ..
كل الأرقام والحسابات ضد نظام مبارك ، لذلك يسعى إلى إرجاع عدّاد التنمية في مصر إلى الصفر ، وكأنه إبتعد بالإقتصاد كثيرا عن الصفر طيلة الثلاثين سنة التي قضاها في الحكم ؟! .. لذلك يجب على الشعب أن يلتزم بموقفه ، ويصبر أكثر على نظام يستميت في المقاومة ، لكنه مُتآكل وسيسقط مبارك من فوقه في النهاية !.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاج الديـن | 07 . 02 . 2011
التعليقات (0)