لما ولي الخليفة الراشد أبو بكر الصديق أمر المسلمين، وجد نفسه أمام مجموعة من العوائق والعقبات العديدة والشديدة.
فقد ارتد عن الإسلام بعض ضعاف الإيمان، الذين لم يكن الإيمان قد استقر فى قلوبهم بعد، وإنما دخلوا الإسلام طمعًا فى الأراضي والأموال.
وادَّعى النبوة بعض الأشخاص، ومنع قوم الزكاة، وقالوا: نؤمن بالله، ونشهد أن محمدًا رسول الله، ونصلي، ولكن لا نعطيكم أموالنا. وقال قائلهم:
أَلَا فَاصْحَبِينَا قَبْلَ نَائِرَةِ الْفَجْرِ... لَعَلَّ الْمَنَـــــــــــــــــــــايَا قَرِيبٌ وَلَا نَدْرِي
أَطَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا عَجَبًا مَا بَــــــــــــــالُ مُلْكِ أَبِي بَكْرِ
فَإِنَّ الَّذِي سَأَلُـــــــــــــــــوكُمْ فَمَنَعْتُمُو... لَكَالتَّمْرِ أَوْ أَحْلَى إلَيْهِمْ مِنْ التَّمْرِ
سَنَمْنَعُكُمْ مَا كَانَ فِينَا بَقِيَّـــــــــــــــةٌ ... كِرَامٌ عَلَى الْعَزَّاءِ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ
وأراد الصديق رضي الله عنه أن يُصدر أمرًا يتسيير جيش أسامة الواقف على حدود المدينة ينتظر الأوامر! فوقف أمامه النخبة - التي تُعد أفضل نخبة عرفتها الأرض- من كبار الصحابة، وقادة جيشه، ومجلس شوراه، يريدون إيقاف هذا الجيش؛ لأن المدينة عُرضة للغزو، أو على الأقل استبدال أسامة برجل أكبر منه سنا.
بل وصل إلى مسامعه رضي الله عنه أن هناك من لا يريد خلافته، وأن أبا سفيان رضي الله عنه وغيره ذهبوا يُطمِّعون عليًّا رضي الله عنه بالخلافة، وأبى علي رضي الله عنه ذلك، وزجره، وقال: (إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة...لا حاجة لنا في نصيحتك).
وكل مشكلة من هذه المشكلات كافية في أن تقض مضجع الصديق رضي الله عنه، وتشعره بثقل الأمانة التي وقعت على كاهله، وتوجب عليه الحرص الشديد.
وقد كان رضي الله عنه حديث عهد بفاجعة، وهي موت نبيه وخليله وزوج ابنته صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت نفسه كان المسلمون ينتظرون أمره، والأعداء يتربصون سقوطه وفشله..
تقول عائشة رضي الله عنها: (لما توفى رسول الله ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، وعم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية لفقد نبيهم، حتى جمعهم الله على أبي بكر، فلقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها).
وكان رضي الله عنه بطبيعته رجلا حليما رحيمًا، يؤثر في أغلب الأحيان جانب الرحمة على الشدة، واللين على القسوة، والسلم على الحرب.. وفي مثل هذه المواقف لا يصلح اللين ولا الرحمة. فرأى البعض أن هذا الرجل البكَّاء سيواجه صعوبات شديدة في مواجهة هذه المواقف!! وستنهار الدولة على يديه ولا بد.
لكنهم خاب ظنهم، حين رأوا هذا الرجل اللين الرحيم يضيف إلى هذه الصفات صفة أخرى وهي صفة: العقل وحسن التدبير. ويمكن أن نسميها: (حسن السياسة).
فقام الصديق رضي الله عنه ليزأر زئيرًا مثله زئير الأسد، ملأ قلب الأحباب ثقة واطمئنانا، وملأ قلب الأعداء زعزعة وخذلانا. فقال لمن جاءوا يريدون إيقاف تسيير جيش أسامة: والله لو ظننت أن السباع تخطفني، لأنفذت بعث أسامة كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ووثب لعمر بن الخطاب حين قال له: إن الأنصار تطلب رجلاً أقدم سناً من أسامة. فقال له: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أعزله.
ثم خرج إلى معسكر أسامة وهو ماش وأسامة راكب، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن. فقال أبو بكر: والله لا تنزل ولا ركبت، وما عليَّ أن أُغَبِّر قدمي ساعة في سبيل الله.
ولما أراد الرجوع قال أبو بكر لأسامة: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل. فأذن أسامة لعمر بالمقام. ولم يشأ الخليفة أن يستبد على رئيس السرية بإبقاء عمر، وهذا مقام كبير في احترام ذي السلطان سلطانه.
وأعلنها مدوية لتصل إلى مسامع المتنبئين والمرتدين ومانعي الزكاة،: (والله لو منعونى عِقَال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه. أينقص الدين وأنا حي؟!
وأعد أبو بكر الصديق رضى الله عنه، إحدى عشرة حملة عسكرية، كان من أشهرها: حملة خالد بن الوليد، وحملة العلاء بن الحضرمى.
ولم يَبق فى المدينة إلا من استبقاهم رضي الله عنه لحمايتها، ولاستشارتهم، ولتبادل الرأى معهم، وعلى رأس هؤلاء: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص.
وإني أتوجه بخالص النصح إلى رئيس جمهوريتنا المصرية، الدكتور مرسي:
ليكن لك بالصديق أسوة، فاثبت وأيقن أن الله ناصر من نصره ونصر دينه، وإن خذله الناس جميعًا، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].
ليكن لك بالصديق أسوة، فكن مع الحق دائما تُنصر دائما، واعلم أنه لن تدوم معركة بين الحق والباطل، فإن الباطل زهوق.
ليكن لك بالصديق أسوة، فازأر زئير أهل الحق، ولا تدع أهل الباطل ينعمون، وخذهم قبل أن يأخذوك، وابدأهم قبل أن يبدأوك.
ليكن لك بالصديق أسوة، فقرِّب إليك كل حافظ عليم، وكل قوي أمين، فبهم تُنصر، وباستشارتهم إن شاء الله تُسدَّد.
وأخيرًا.. ليكن لك بالصديق أسوة، وقل: لن ينقص الدين وأنا حي. فكثيرًا ما ردَّدْتَ: (القرآن دستورنا)، فهل تقبل أن يخرج في عهدك دستورٌ يقول: بعض القرآن دستورنا.
وختاما: لا بد أن نؤكد فارق التشبيه بين رئيس الجمهورية وبين الخليفة الراشد أبي بكر، فإنما هي دعوة للتأسي في مثل مواقف الشدة،، ونفرق بين خصوم أبي بكر رضي الله عنه، الذين كانوا من المرتدين والمتنبئين ومانعي الزكاة،، وبين خصوم الرئيس الذين لا يجوز لأحد أن يطعن في إسلامهم، وإن طعنَّا في مواقفهم السياسية. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
التعليقات (0)