إلى الشيخ السديس .. دع القلق!!
علي بطيح العمري
طالب الشيخ عبد الرحمن السديس – إمام الحرم المكي – في خطبة عصماء بالحجر على أصحاب الفتاوى الشاذة نظراً لخطورة ما يقومون به!!
الناس كعادتهم مع أي حدث فقد انتفض بعضهم حول هذه الدعوة واعتبرها حجراً على الأفكار ودعوة للانغلاق كما أنها سابقة لم تسجل في التاريخ!!
أيها الإمام على رسلك ، دع الأمور تجري لاعنتها !! دع هؤلاء يقولون ويفتون ، وهذا الكلام ليس موجها إلى شيخ أو عالم له رأي على أساس من الحظ والنظر بل لكل شخص يهرف بما لا يعرف فالناس اليوم (( في الروايات وفي الشعر وفي الاجتماع وفي الثقافة وحتى في السياسة)) تخلوا عن تخصصاتهم في التنظير والبحث ، فالتخصص مطلوب في كل شيء إلا في أمور الشريعة فهي كلأ مستباح الحمى مهدورة الدم .. فمن غرائب الزمان أن "سب الرئيس جريمة لا تغتفر .. وسب الإله جريمة فيها نظر"!! مع الاحترام للشاعر فقد قلبت بيته رأسا على عقب!!
أعود إلى سبب دعوتي في ترك أصحاب الفتاوى وترك الحجر عليهم لهذه الأسباب:
أولها: إنني أتفهم آراء الشيخين الجليلين "العبيكان والكلباني" واحترم أشخاصهما ولديهم من العلم ومن المميزات التي قد لا تجتمع لدى شرائح كثيرة .. والمطلع على كتب الفقه سيدرك من قال بأقوالهما من قديم ومن حديث فمسائل الفروع معروف الخلاف فيها بل تجد العالم الواحد له في المسألة ثلاثة أقوال أو خمسة ..
لكن نقطة الخلاف أن ما طرح هو رأي بعض وليس كل ، فجمهور العلماء والأكثرية هم على خلاف ما يفتي به العبيكان والكلباني..
فحتى مخالفيهم لا يقولون بعدم وجود هذه الأقوال بشكل عام وإنما الخلاف حول بثها أمام الناس وعلى الملأ ، فالناس يختلفون منهم المتعلم والجاهل ، ومنهم من يفهم ومنهم من لا يفهم وقد يكون لبعضهم فتنة ألم يقل الإمام الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه :"حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".. ومكان مناقشة هذه المسائل في الأندية الأدبية والجامعات وبين طلبة العلم.
ما من حادثة تحدث أو قضية تنفجر إلا ولها سلبيات وفي المقابل لها إيجابيات أكثر ، فكلنا نذكر الهجمة على أعز الناس صلى الله عليه وسلم بالرسوم الكاريكاتورية وكذا الهجوم الإسرائيلي على غزة فقد كان لهذين الحدثين إيجابيات تحققت لدى المسلمين مثل الإطلاع على سيرة الرسول العظيم ومثل دخول الغربيين في الإسلام وهكذا.
وربما انطبق عليها قول الشاعر:
إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
هل هناك إيجابيات في خضم معركة الفتاوى والشد والجذب بين الشرعيين في ساحتنا السعودية ؟؟
نعم ، ولم لا ..
• هذه القضية قد تدفع بالناس للإطلاع والقراءة والتنقيب في كتب العلم في وقت ابتعد الناس عن مصادر العلم والثقافة وأصبحوا يتغذون فقط على تسويدات الصحف الهشة!!
• هذه الفتاوى تربط الناس بعلمائهم الربانيين ، في وقت وجود محاولات جادة لإيجاد انفصام نكد بين العلماء والناس ، فقد ابتعد الناس عنهم في ظل الملهيات الكثيرة ، وفي ظل التشويه التغريبي لهؤلاء.
• هذه الحوادث تعمل على تقوية "المناعة الفكرية والثقافية" ، فيعود الناس إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ، ويدرسون الأدلة ودلالاتها ، ويتكون موقف جاد حيال هذه الانقسامات.
• هذه الاختلافات تولد لدى الناس ملكة "التمييز" بين الأقوال وأخذ ما كان أقرب إلى الاعتدال والحق والوسطية.
• حصول الغرابة يجعل الناس يدفعون هذه الأقوال فمثلا .. أتفهم قول من يجيز الغناء وهي قضية فقهية مشهورة في كتب الفقه ، فهناك من القدامى من يبيح كالصنعاني ، ومن المعاصرين الشيخ علي الطنطاوي "صب الله عليه شآبيب رحمته" ، ويوسف القرضاوي .. لكن هؤلاء يبيحون بشروط تكاد تكون شبه معدومة في طرب اليوم ، بينما الكلباني تجده يفتح الباب على مصراعيه بلا استثناءات ، فهذه فيها غرابة فحتى الذين يعيشون الوسط الفني كالفنان محمد عبده تجده يقول لك 95 % من الأغاني محرمة! وكذا العقلاء حتى لو كانوا غير مسلمين لا تجدهم يرضون بمطربي اليوم.
• هناك من يسمع الأغاني من قبل اليوم ومن بعد وليس بحاجة إلى فتوى تبيح له .. وبعد هذه الفتوى ستجده يقلب الأقوال وربما ينقلب على عادته حينما يجد الرأي الصحيح والأقرب إلى الكمال.
• كم من الدعوات ومن القضايا التي حدثت ولكن مصيرها النسيان وانهيال غبار التاريخ عليها وفي النهاية لن يتبقى إلا ما ينفع العباد والبلاد وأما الزبد فيذهب جفاء.
• والله العظيم إني أحب الشيخين العبيكان والكلباني في الله وكثيرا ما أتسمر عند الشاشة لوجود لقاء لهما أو معهما ويعجبني فيهما الهدوء والمرح وروح الدعابة .. لكن ما أخشاه مع مرور الزمن أن ينفض الناس من حولهما ولا يتقبلوا منهما ، ولو تزوروا كذا موقع بما فيها مواقعهما الشخصية سترون الردود القاسية عليهما وهذه الردود من عامة الناس فالناس لا تزعزعهم فتوى ذاهبة ولا رأي قادم بكل سهولة.
أخيراً..
لهذه الأمور وغيرها قد تستغربون من شخص مثلي لا يتفق مع قامة شامخة كقامة الشيخ السديس وفقه الله ورعاه ، فاعتبروها من اختلاف التنوع المسموح به ، والاختلاف طبيعة بشرية خلقنا الله عليها .. فالصراع بين الحق والباطل وبين الفاضل والمفضول وبين الصواب والخطأ باق ما بقي الليل والنهار.
ولكم تحياااااتي.
زر مجموعتي:
http://groups.google.com.sa/group/alomary2008
صباح السبت 21/7/1431
التعليقات (0)