مواضيع اليوم

إضراب الأسرى: ماذا حقق؟

بلال الشوبكي

2012-05-15 07:10:49

0

 إضراب الأسرى: ماذا حقق؟ 
   بلال الشوبكي


   ما زالت حناجر المطالبين بحل قضية الأسرى تتداعى إلى وسائل الإعلام وخيم الإعتصام كل ساعة، الجميع يطالب بالحل، ولا يذكر من المطلوب منه ذلك! إذا كان من يظهر على الإعلام وفي الشوارع هم قادة الشعب الفلسطيني باختلاف "وجوههم الدولية" ليطالبوا المجهول بالتعامل مع إسرائيل لحل قضية الأسرى، فعلينا أن ننفض من حولهم لا أن نساعدهم على جني أرباح سياسية على حساب تلك البطون الخاوية في برد مجدو وحرّ النقب.


إن من يحتكر حق الحديث باسم الشعب الفلسطيني على المستوى العالمي، وإن من يستخدم أجهزته الأمنية لضمان استقرار العلاقة مع إسرائيل هو أحد المسؤولين عن قضية الأسرى، فإن كانت مفاوضات عقود مضت لم تنجح في الإفراج عن بضعة آلاف من الأسرى، فهل ننتظر من تلك المفاوضات أن تفرج عن الشعب بأكمله فتزيح عنه الاحتلال؟ كما أن المسؤول الآخر عن قضية الأسرى، هي الجبهة المقابلة للسلطة الفلسطينية والرافضة للمفاوضات والمحتكرة لحق المقاومة وفقاً "للمصلحة العليا للشعب الفلسطيني" فإذا كانت حياة آلاف الأسرى لا تستحق تحرّك المقاومة فمتى ستتحرك وما هي الظروف التي يمكن أن تحركها؟


إن طول معاناة الأسرى خلال الإضراب مسؤولية من نصّبوا أنفسهم قادة للشعب، وبما أن هؤلاء القادة وقفوا في مواقع العامة من الناس ولم يتخذوا أية إجراءات سوى المناشدة فإن على الشعب الفلسطيني أن يراهن فقط على الأسرى لا على من يدّعي أنه حامي الحمى. ليس مطلوباً من هؤلاء القادة في اللحظة الراهنة أي يحققوا الإفراج عن الأسرى، لكن إن لم يكن بمقدورهم التأثير على إسرائيل سواء المفاوض منهم أو المقاوم فما هي الميزة التي على أساسها تولوا إدارة القضية؟


على أي حال، هذا لا يعني أن الترويج الإعلامي غير ضروري، وإنما يجب أن يكون أقوى لا أن يكون منبراً للفصائل والأحزاب. وفقاً لفلسفة الفصائل الفلسطينية فإن الأسير هو بطل يقتدى به، لكني لم أجد قيادياً إلى الآن يتواجد في خيم الاعتصام مضرباً عن الطعام مقتدياً بصحبه في السجون. إن كانت الفصائل عاجزة عن مواجهة إسرائيل والسلطة عاجزة عن التوافق مع إسرائيل فلا أقل من أن يقفوا وقفة الأسرى بالإضراب، فإن كانت المسألة إعلامية فقط لتحقيق الضغط على إسرائيل فإن إضراب القيادات في خيم الاعتصام قد يزيد من هذا الزخم الإعلامي.
قبل بدء الحديث عن إمكانية تطوير الجهود الداعمة لإضراب الأسرى سياسياً وإعلامياً، لا بد من الإشارة إلى النجاح الذي حققه الأسرى قبل أن يحققوا مطالبهم الخاصة، وهو نجاح من ثلاثة أجزاء حسب تقديري:


أولاً: بعد هذه الفترة الطويلة من الانشغال في قضايا فلسطينية داخلية خاصة بالوضع المعيشي للناس فتارة رواتب وتارة ضرائب وتارة إضرابات، كان الشعور بوجود الاحتلال يتلاشى كمشكلة. لو راقبنا سويّة وسائل الإعلام المحلية لوجدناها تتحدث عمّا بات يسمّى "هموم المواطن اليومية" فيما خرجت قضية فلسطين كدولة محتلة من دائرة هذه الهموم، وسواء كانت هذه الحالة مخطّطٌ لها أم عفوية فإن الأسرى نجحوا في إعادة الاحتلال إلى دائرة هموم المواطن الفلسطيني.


ثانياً: إن صوت أمعاء الأسرى الخاوية علت على صوت "استفراغ" قادة الفصائل لمطلب تحقيق المصالحة. منذ 5 أعوام تقريباً ونحن نشهد مسرحية مملة مخجلة تحمرّ منها وجنتا فلسطين اسمها "المصالحة"، لكن ومنذ بدء إضراب الأسرى أصبحت هذه المسرحية في الظلام، وإن خرجت بعض الأصوات بين الفينة والأخرى فإنها تخرج على استحياء لا يعكّر حالة الثقة التي استعادها الفلسطيني بقوة إرادة الأسرى.


ثالثاً: مما حققه الأسرى الفلسطينيون أيضاً أنهم أجبروا الولايات المتحدة الامريكية على الصمت ربما للمرة الأولى في تاريخ القضية. فطالما اعتدنا على وقاحة ساسة أميركا الذين كانوا يطالبونا بالالتزام "بالشرعية الدولية ومعاهدات السلام ونبذ العنف" في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تمارس أقسى العقوبات بحق الشعب الفلسطيني، فلا ترى أميركا سوى مظاهرة فلسطينية مناهضة لتلك العقوبات أو تصريحاً ناقماً من قبل أحد القيادات الفلسطينية. أما اليوم فإن أميركا لم تستطع أن تمارس نفس الوقاحة، حيث التزامت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية الصمت رغم إلحاح الصحافة للتعليق على إضراب الأسرى الفلسطينيين. ربما ينتظر البعض موقفاً أمريكيا داعماً لحقوق الأسرى، لكنّي أرى التزام الصمت يكفي.
هذه النجاحات التي أنجزها الأسرى يأتي في مقابلها خطوات أخرى من أطراف متعددة تهدف إلى استغلال قضية الأسرى لتمرير رغباتها، ولذلك تجدر الإشارة إلى أهمها:


أولاً: في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل أنها تخسر سياسياً وإعلامياً من إضراب الأسرى، فهي تدرك أيضاً إمكانية استغلال الانشغال الإعلامي والسياسي بقضية الأسرى لتنفيذ سياسات ربما أكثر خطورة من قضية الأسرى، ولا أكثر دلالة على ذلك من سعيها لتوسيع بعض المستوطنات والشروع في بناء أخرى جديدة خلال هذا الأسبوع. لذلك يجب على الشعب الفلسطيني أن لا يغفل الجبهات الأخرى مع إسرائيل في ظل اهتمامه بقضية الأسرى.


ثانياً: منذ ذهاب قيادة السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في أيلول الماضي وعودتها دون تحقيق إنجاز عملي، وهي تواجه مشكلة عدم قدرتها على التفاوض المباشر خشية خسارتها شعبياً في ظل عدم قبول إسرائيل شروط السلطة لاستئناف المفاوضات. إلا أنه ومع بقاء إسرائيل متمسكة برفضها شروط السلطة شهدنا خلال فترة إضراب الأسرى بعض اللقاءات بين شخصيات فلسطينية وأخرى إسرائيلية وتبادل رسائل بين أبو مازن ونتنياهو، وكل ذلك في ظل إضراب الأسرى الذي جعل من هذه التحركات خارج دائرة الضوء.


ثالثاً: بالرغم من النجاح سابق الذكر لإضراب الأسرى، إلا أن هناك محاولات فصائلية لتحزيب الإضراب من خلال وسائل الإعلام الخاصة بكل حزب بهدف حشد أكبر قدر من التعاطف الشعبي مع الأحزاب التي تظهر على أنها المبادِرَة أو المحرِّكة لإضراب الأسرى، وهذا يؤكد أن للأحزاب أهدافاً سياسية لتنمية قاعدتها الجماهيرية أسمى وأهم من مصلحة الأسرى والفلسطينيين عموماً.


إذا كان الشعب الفلسطيني مهتمّاً حقّاً بنصرة الأسرى، فمن الضروري أن يتنبه جيّداً إلى السياسات سابقة الذكر ويحد منها حتى لا يصبح استمرار إضراب الأسرى مصلحة غير معلنة لهذه الأطراف ليحققوا من خلاله مآربهم الخاصة. كما أن على الشعب الفلسطيني أن يبدي خطوات أكثر إيجابية في نصرة الأسرى من مجرد التواجد في خيم الاعتصام التي باتت منابراً حزبية أو مصائدَ أمنية، فلا يقوم بإلغائها وإنما مطالبة القادة بالتواجد الصامت والمشاركة في الإضراب بحيث يتم استغلال القادة لمزيد من التواجد الإعلامي، لا أن يقوم القادة باستغلال الاعتصامات لمزيد من المكاسب الإعلامية.


مضافاً إلى مسألة تغيير آلية العمل في خيم الإعتصام، فإنّي أودّ هنا التأكيد على ما أورده الدكتور عبد الستار قاسم في رسالته بشأن آليات دعم الأسرى من خلال المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، وتحمل الفصائل الفلسطينية مسؤولياتها وفقاً لما تدّعيه من مشاريع. كما أن دعم الأسرى يتطلب توجه الشعب الفلسطيني لمطالبة المؤسسات الفلسطينية المختصة بشؤون الأسرى، فقضيتهم تتجاوز "مصروف الكنتين" الذي تؤمنه هذه المؤسسات.


إلى جانب التحرك الفلسطيني لا بدّ من استغلال الحالة الإقليمية لفرض وجود الأسرى على المستوى الشعبي، كان يتم افتتاح خيم اعتصام في الميادين التي أصبحت رمزاً للثورة في عدد من الدول العربية، فقد تكون تلك الخطوات محفزاً للقيادات الرسمية كي تتدخل في قضية الأسرى كونها باتت تخشى تحركات الشارع العربي. وفي هذا الشأن تجدر الإشارة إلى قصور التيارات السياسية التي استلمت مواقع جديدة عربياً في تبني قضية الأسرى، فبالرغم من القضايا الداخلية الشائكة في تلك البلدان وخصوصاً مصر، إلاَّ أن بنيتها الفكرية وخطها الأيدولوجي الذي على أساسه وصلت إلى الموقع الجديد لا يعفيها أبداً من مسؤولياتها العربية وربما الإسلامية تحت أي ظرف.

مجلة القدس المصرية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات