مواضيع اليوم

أوهام علي الوردي..

جمال الهنداوي

2009-08-02 20:47:33

0

جنبلاط الغرابي   يعتقد الكثير ممن قرأوا مؤلفات علي الوردي واخص منها التي تناولت المجتمع العراقي بأنها قد اصابت الهدف في تحديد ماهية هذا المجتمع والجذور الفكرية التي انتصب عليها كيانه الثقافي.ويرى اخرون ان هذا الشخص قد تقمص البراعة في وصفه الدقيق لتناقضات ونزعات الفرد الداخلية فضلاً عن كشف العلل العميقة التي خلقت هذه القضايا.وفي الحقيقة ان من يطلع على هذه المؤلفات بتدبر سوف يجد امامه عبارات قاسية الى حد ما تجاه المجتمع العراقي,ولا ابالغ حين اقول انها تشكل مجموعة من الاساءات تجاه هذا المجتمع,حيث لا نرى بين طيات سرده سوى ايراد القضايا السلبية والشاذة.والغريب انه يعممها على اساس انها مظهر من مظاهر المجتمع العراقي,وانها حقيقة شاخصة لا يمكن حجبها على كل زائر,والاغرب من ذلك استعانته ببعض الاحداث التي شهدها بنفسه او سمع بها ليوردها كدليل على كلامه.وقبل ان نستعرض بعضاً من هذه القضايا علينا ان نطلع على المنهج العلمي الذي اعتمد عليه الوردي في دراسته..

المنهج التي تبناه في دراسته للمجتمع العراقي

ينطلق علي الوردي من نظرية ابن خلدون,وهي صراع الحضارة مع البداوة, وقد جعلها اداة لفهم العلل التي خلقت مظاهر المجتمع العراقي,فهو يرى ان الطبيعة الجغرافية للعراق والتي تحاذي الجزيرة العربية قد ساعدت على خلق كيان يحمل الحضارة والبداوة في ان واحد.والسبب في ذلك ان منطقة الجزيرة كانت سابقاً ارض زراعية لحق بها الجفاف بسبب عوامل جيولوجية مما ادى الى نزوح سكان هذه المنطقة تجاه العراق,وهذا النزوح قد خلق بدوره صراعاً بين كيانين يختلفان من ناحية الثقافة والعرف الاجتماعي.وما يحمله الفرد العراقي من فكر في هذا اليوم هو نتاج لهذين الامرين.اما الوجه الاخر في اطروحاته فقد غلب عليها الطابع السردي,فهو ينقل الاجواء التي تسود المجتمع العراقي من مظاهر واعتقادات دون التعرض الى اسبابها او كيفية معالجتها,وهذا النوع من الطرح هو اشبه بسرد رواية مبعثرة,حيث لا نجد منه فائدة سوى التطرق لما هو ليس بمجهول.وفي نهاية المطاف يصل الى النتيجة الخاتمة والتي هي ان المجتمع العراقي يتصف بشدة الازدواجية.وفي الواقع ان هناك عدة قضايا حملته على تبني هذا الرأي,اولها,اعتماده على الملاحظة فقط والاسترشاد ببعض الاقاويل,ثانياً,عدم تحديد مفهوم الازدواجية في مقاييسه,فكما سنلاحظ بعد قليل انه يخلط بين الازدواجية والفصام,ومابين التعامل العام والتعامل الخاص فيما بين الافراد,وهذا يبين لنا الخلل في المنهج العلمي الذي تبناه,ثالثاً,اقتصار دراسته على فترة الحكم العثماني ابتداءاً,رابعاً,ان دراسته تعرضت لفترة شبه غير مستقرة ولا يمكن لأي نظرية ان تنطلق بصورة صحيحة ومؤدية للواقع الحقيقي من خلال احداث جسدت عدمية الاستقرار

مسألة الازدواجية

ان موضوع الازدواجية ليس بالامر الذي يكمن اختصاصه بمجموعة دون اخرى او شخص دون اخر,كونه يمثل ثمرة عوامل ومؤثرات اجتماعية حالت بالفرد للاخذ بهذا التوجه,وقد اشرنا سابقاً الى هذه الامور في-مبحث حول الازدواجية الشخصية-ولا ارى حاجة لطرحها مجدداً.اما فيما يخص اطروحة علي الوردي في هذا المجال فهو لايخالف الرأي المشهور في هذا الجانب حول خلق المؤثرات للازدواجية, لكنه يحاول جاهداً لصقها بالمجتمع العراقي على انه اشد المجتمعات امتيازاً بهذه الصفة.وفي الواقع ان هكذا رأي يوجب المعاشرة الكاملة لجميع المجتمعات للخروج بهذه النتيجة,ولا اعتقد ان صاحبنا قد حظي بهذه الحظوة.والمسألة الاهم في هذا الجانب حيث نقول ان الازدواجية صفة غالبة على اكثر المجتمعات,ولكن لكل مجتمع ازدواجيته الخاصة بسبب اختلاف الظروف الموضوعية التي تؤدي الى تنشئة هذه الظاهرة.

اما من ناحية واقع العراق فقد يكون ذو خاصية في الالتفاتة لهذا المجال كونه البلد الذي كان ومايزال يعيش حالة التأسيسات وعدم الاستقرار,ذلك الذي ادى الى رمي مسببات هذه الظروف على عاتق المجتمع دون الحكومات.حيث اننا لو راجعنا تاريخ ارض الرافدين سوف نجد ان هذا البلد يتعرض لغزوات وحروب دائمة فضلاً عن الانتكاسات والصراعات السياسية والسلطوية التي جعلت منه ساحة لتصفية الحسابات.

-كتب علي الوردي يقول-كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص306- قد يصح القول بأن التربية الاجتماعية في المدن تعلم الفرد على ان يكون (سبعاً )تجاه البشر و (مخنثاً) تجاه القدر وهذا من مظاهر ازدواج الشخصية-

في الواقع ان تصنيف هذا الاتجاه على انه ازدواجي المظهر يبين لنا بوضوح الخلط الذي يحمله الوردي في فهم الازدواجية,فلا نرى اي علاقة بين هاتين القضيتين,حيث ان الايمان بالقدر موضوع شائع بين اغلب المجتمعات من القدم والايمان به لا يتنافى مع العمل تجاه ما عداه.يقول فيثاغورس-ان القدر هو مسبب العناية بأسرها في التدبير العام والخاص.-وكما نرى فالاغارقة القدماء ممن يؤمن بهذا المفهوم,فهل نستطيع ان نحكم عليهم بأنهم مزدوجي الشخصية كونهم امنوا بالقدر في ذات الوقت الذي كونوا فيه امبراطورية حكمت اجزاءاً كبيرة من العالم؟.

وهل صادفنا في يوم من الايام فرداً عراقياً يجلس في بيته ولا يبحث عن عمل لان ايمانه بالقدر حمله على ذلك.؟في الواقع لا ارى اي رابطة بين موضوع القدر والتعاليم الاجتماعية من اجل فهم الازدواجية.والنقطة الاهم في هذا الجانب هو ان التصور المأخوذ عن القدر مبهم الى حد كبير في اذهان البعض,فلا يمكن تحديد هوية اي حادث من ثم وصفه بأنه قدر.

وقد تعود الناس على وصف الحوادث والماسي بأنها قدر لسببين,العجز عن مقارعتها ولتخفيف وطأة الصدمة,وهو نوع من الاسقاط النفسي كحال الركون الى الصبر عند الشدة.-ومن هنا فلا يمكن قبول ما ذكره الوردي في هذا الشأن واعتباره حقيقة علمية,خصوصاً انه تابع الخلط في فهم الازدواجية اذ كتب يقول.-كتاب شخصية الفرد العراقي ص 47 –

انه بهذا ليس منافقاً او مرائياً -اي (الفرد العراقي) كما يحب البعض ان يسميه بذلك.بل هو في الواقع ذو شخصيتين,وهو اذ يعمل بإحدى شخصيته,ينسى ما فعل انفاً بالشخصية الاخرى-ويستمر قائلاً-اما اذا بدر منه بعدئذ عكس ذلك فمرده الى ظهور نفس اخرى فيه لا تدري ماذا قالت النفس الاولى وماذا فعلت.-في الواقع ان هذا الكلام هو عين الفصام وليس الازوداجية,وقد وقع الوردي في مشكلتين في هذا الجانب,اولها, الخلط بين الازدواجية وجنون الفصام,والاخرى تناقض الرأي حيث انه يعترض على هذا الفهم الذي اورده في كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص 285 اذ كتب يقول-الواقع ان هناك فرقاً كبيراً بين ما يقصده علماء النفس من ازدواج الشخصية وما يقصده علماء الاجتماع.

فالازدواج يعتبر من الناحية النفسية مرضاً نادراً يعتري بعض الافراد من جراء عوامل وظروف خاصة بهم وهذا المرض شذوذ في تكوين الشخصية حيث يتقمص صاحبه شخصية معينة تارة,ويتحول عنها الى شخصية ثانية تارة اخرى,وهو ينسى اثناء تقمصه احدى الشخصيتين مافعل اثناء تقمصه الشخصية الثانية

لاحظنا سوياً الاسس العلمية التي اعتمد عليها علي الوردي في دراسة المجتمع العراقي,وايضا لم يفتنا البحث في اطروحته العلمية في فهم الازدواجية.وقد ظهرت لنا عدة امور جديرة بالاهتمام,وهي الخلل في المنهج المتبع,حيث ان دراسته اقتصرت على فهم المجتمع العراقي من خلال عنصرين وهما الحضارة والبداوة.ومن المحال منطقياً ان يكون المجتمع وليداً لمؤثرين فقط,فأن العامل الجغرافي,والاقتصادي,والبيئي,بالاضافة الى العوامل الطارئة الاخرى لها الدور الكبير في ادلجة وتسيير المجتمع باتجاهات خاصة وخلق انماطاً شتى في الاساليب الفكرية.والامر الاخر تجلى في عدم تحديد مفهوم الازدواجية,والخلط بينها وبين جنون الفصام,بالرغم من تصميمه الغير مبرر من الناحية العلمية على انها زياً يمتاز به المجتمع العراقي..

الكاتب جنبلاط الغرابي 

هذه الدراسة التي كتبها السيد جنبلاط الغرابي قد يكون من الممكن اعتبارها اساس  قاعدي مهم لتفهم وجهات نظر عالم الاجتماع العربي الابرز الدكتور علي الوردي –رحمه الله – ومثاباته في دراسة طبيعة المجتمع العراقي ومدى انطباق النتائج التي تبناها على بقية المجتمعات المتشاركة بيئيا وقيميا وانتماء..رغم اعترافنا بمحدودية التناول وانتقائيته  وسطحيته والضخامة المقسرة على العنوان غير المتناسب مع القيمة البحثية للمادة العلمية المطروحة..

والاهمية هنا تكمن في ان النص يحاول باستماتة نقد افكار الدكتور الوردي –او على الاصح نسفها –ولكنه لم يوفق الا الى التاكيد عن وجاهة المنطلقات التي اعتمد عليها في دراسة وتحليل شخصية الفرد العراقي – والعربي كاسقاط – معتمدا على الخلل البنيوي في التركيبة الاجتماعية المتقلقلة بين البداوة والتمدن.. والتي وان كان الفرد العراقي قد استطاع تجاوز ازدواجيته فيها نسبيا..فان هناك الكثير من المواطنين العرب في بعض دول الجوار ما زالوا في اسر التناقض الافنائي ما بين قيم الصحراء واشتراطات المدينة..

مقال –او دراسة كما صنف – اجده جديرا بالقراءة لما يمكن ان يثيره من افكار..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !