مواضيع اليوم

أمــيرة الــرمــاد ((قصة قصيرة))

هاشم هاشم

2010-08-20 23:22:52

0

 

 

في عصر يسمى عصر السرعة ...عصر يسمى عصر سيجموند فرويد..اوعصر القطار السريع الاكسبريس  .. والدخول المباح للبيوت والقلوب والصدور بلا مقدمات ولا احم ولا دستور ..
عصر الtake away ليس الوجبات السريعة فحسب ...بل كل شيء فيه عبارة عن take away حتى في الحب ...والغرام ...لكن بلا عشق ولا هيام .ولاود لا تعاطف او تواصل ....مجرد قضاء نزوة عابرة


يكفي فقط أن ترسل عيناك تنظر ...او تكتب عبارة ..love ..في احد مواقع في الزجاجة السحرية التي تريك ما وراء البحار من حسان وغواني .. والقلب يختار ...لنساء هن ..اشبه بالبغايا ..وما اكثرهن في الشوارع ...


هو ...وسيما حليقا ناعما ...نعومة الحرير والمرمر ..ويرتدي ملابسها التي أعارته من صفات الحسن والجمال .. كي ترتديه الملابس ...لا أن يكون هو من يرتد يها !!!..


لم يعد يسمى جنسه الجنس الخشن ...بل كما يقول فرويد في نظرياته حول العلاقات بين ال ((هو(( و((هي)) في عصر ه ..انه عصر ال ((هو)) ...بلا منازع ..


هو هو العنصر المرغوب فيه ...وال هي ..هي الطامح الراغب ..الحصول على رضا ..وعطف .. وحنان ... وحب ...ال..((هو)) !!! في عصر التيك اوي ....عصر ال.((.هو ))...

 

هي تختار هو ..الرسول الابتسامة ...شيء من الغزل العصري ...حركة أصبع ...إطراف أنامل(( هي)) تحسس قرط أذنها بهدوء ..تفك القرط ..تعيده ...
هو يستلم الرسالة ... يأخذ مكانه ..
هو-أليس اليوم جميل ..
هي -نعم انه رائع ..
هو -..الاسم ..
هي -...
هو -هل ممكن ان ادعوك إلى فنجان قهوة ..او كوب عصير ..
هي بالطبع ..sure
انتهى النصف الأول من قصص ال((هو)) وال((هي)) في عصرنا ويكون الباقي في ..مضاجع العشاق ..


........


هناك في الغابات البعيدة ..في مكان مرتفع بين صخور الجبال ..وبين أشجار السرو .. والسنديان ..والصنوبر ..
كانت هناك أميرة ..من عهود قديمة ...عهود حريم السلطان .. والمنع والمانع والممنوع .. والعيون المسمرة على الأرض..والسمع والطاعة ..


كانت تعيش في قلعة صخرية ...بنيت جدرانها من صخور صماء رمادية ..اقرب إلى السواد ..الستائر رمادية ..الجدران ..الأبواب ..حتى الأثاث ..رمادي قاتم ..وكذلك الإنارة رمادية ..كي ترى الشيء اليسير ..ولا يسمح لك ان ترى او حتى تسمع او تتكلم ...
عاشت الأميرة ..أيام دب فيها السأم إلى نفسها ..ملت القلعة ..ملت الرماد..ملت حديث..المنع والمانع والممنوع .. ملت أسراب الجواري ..والقهرمانات .. وطوابير طواشي السلطان ..وعيونهم و رقابتهم ووشايتهم ..


قررت في لحظة السام هذه أن ..تهاجم .. وتحارب ..عصور الفساد ..والرذيلة ..والفحش ... عصور ...الاكسبريس .. وآلتيك أوي ...وعصر هو ..الجديد ..الميوعة الذكرية ..حسب رأيها ..
لانها تشعر هي محرومة من امور هي اصلا تكرهها ربما ..مباحة لهؤلاء القوم ...وكيف لها ان تحدد ان تحب او تكره ..وهي اليوم الكبيرة القائمة على الأمر ..فكيف لها ان تخالف عهود طوال من العادات والتقاليد الصارمة ..من أحكام المنع والمانع والممنوع ..
لكنها قررت ان تقوم بجولة استطلاع ..في أزقة .. وشوارع آلتيك أوي ...


تذكرت قصة أخت لها ..أقنعت ..زوجها السلطان ..ذي الشوارب المفتولة .. والعضلات المنتفخة .. ويداه الضخمتان والواحدة منها تمسك قرونها .. والأخرى سوطه اللاسع ..كيف أقنعته ..لا تعرف ..ان تخرج الى السوق..


خرجت ...مخدرة ..محجبة ..ترتدي السواد من الأعلى الى الأسفل ..والكثير من القماش الذي يجر ذيوله خلفها ..ولا يكاد يعرف طولها من عرضها ..معها قهرمانة عجوز شمطاء..ذات مكر ودهاء..أرشدتها


الى دكان قماش...البائع فيه ..شاب صغير ..ناعم انعم ..من قطر الندى على طري الشجر ...أنيق أشبه بنجم سينما ...اختارت ..هذا القماش ..وذاك .. وذهبت إلى البائع تسأله الثمن ...فرد أنها( قبلة )..فقط ..
رفضت وارتدعت فرائصها من هول ما سمعت !..لكن رنات دنانير أسقطت في جيب العجوز مرافقتها ..أقنعتها بالاستسلام ..وكان له ما أراد ..قبلة طرية ..لكنها ذات مفعول ساحر..


عادت الفتاة الى قلعة السواد ..لكن حياتها تغيرت ..اهتمت بنفسها ..جملت جسمها ..وارتدت أجمل مالديها ...وسرحت شعورها ....تصحو صباحا لتجمع الزهر .. وتناغي الطيور ..وتقضي الليل تسهر مع القمر..شك الجميع بأمرها ..
لا بل ذات يوم شاهدها سلطانها ترقص أمام المرآة زاهية بنفسها ...


عرف صاحبنا السلطان ان هوى في مدينة الفسق هوت بها وعصفت بقلبها ..
الثياب مزقت ..والشعور قطعت ..والزهور رميت ..والمرآة كسرت ...والسوط عرف طريقه الى ظهرها ..والإشغال الشاقة المؤبدة كانت تنتظرها ..مسح وكنس وتنظيف إلى قيام الساعة ..


وانتهي بها المطاف ان دست السم لسلطانها ... ورمت نفسها من أعلى قلاع القلعة ...


كانت هذه الصورة تمر من إمام الأميرة الحسناء الرمادية ...والدم يغلي في عروقها ..كيف تكمن شاب منحل أمرد اهوج من إن يوقع بأخت لها ويجعلها هزوا ..


اليوم الأميرة هي الأمر الناهي ..ولا سلطان عليها...


ذات صباح أخذت اقرب الجواري إليها ولبست ذات الأكمام المتدلية ..والذيول المسترسلة .. والأقنعة ..الايشربات .. والجوارب ...وارتدت سلاسل وخيوط في اطرافها ونهايتها ..احجبة وطلاسم ..كثيرة ثم نصب خيمة واسعة فوق كل هذا وخرجت ...
مشت في الأسواق ...في الطرقات ..في الحدائق والمحلات ...لا تعرف ما تريد ... وما تنوي ...


تعبت ..أحست بالحر الشديد .. والهواء القليل يدخل ..ممراتها التنفسية ...عند احد الأشجار جلست لتأخذ قسطا من الراحة ...فتحت أزرار خيمتها ..وأخرجت وجهها لتشم الهواء...لكن هب نسيم عليل مليء انفها ...ووصل إلى ذوائب شعرها ...مع النسيم ...رائحة الورد وعبق الزهر ...توردت خدودها ..مشى الدم فيها لأول مرة من زمان ..


فجأة ..أحست ان النسيم ورائحة الزهر ..لم تصل إلى انفها وشعرها فقط ...أحست ان فؤادها اهتز وأترج وهتف .. وقبلها يدق .يخفق بقوة .لأول مرة من سنين .سقط احد اهم الاحجبة منها وفقدته انها حجاب ..((anti-man))....بدلا من ان تبحث على حاميها وحارسها الحجاب المفقود ..نسيت ربما ..ان تناست ...

.بدأت بالبحث عن مصدر هذه الرائحة ..أنها رائحة ..((هو)) ..نعم أن ((هو)) في الجوار ...طار عقلها له ..أعجبت به ...بل شغفها حبا ...هنا ..فتحت انفها ..وصدرها .. وعقلها وكل جوارحها ...لتشبع من نسيم هواء هو العليل ...


نفس شعور أختها كان معها ...ارتدعت وارتجفت وعرفت أنها لعنة أبدية لن تزول ...حلت عليها .. وعلى أخت لها من قبل ..
تأملت في هذا ..هو وعرفته مكانه .. وعمله ...


بين يوم ويوم كانت تراقبه ..مليء عقلها ووجدانها ..


لكنها قررت ان تقتص منه لقاء عمل أخ له بأختها ..
تسهر الليل تخطط وتفكر ...لكن ليس الا شيء سوى ..انها ترى صورته في خيالها ...
فجأة أحست بشعور غريب ...عجيب ...بدأ يتسلل الى نفسها ...لم تعرفه ... ولن تعرفه ... وانى لها ان تعرف ... وهي سليلة المنع والمانع والممنوع ...


في قلعتها ..أرسلت له الرسائل مع الحمام ..مع ساعي البريد ..مع السعاة ...
كانت رسائل حمقاء ...مبهمة ...فيها .. تهديد..ربما ...فيها سخرية ...وفيها حديث بين هي و هو ..


عرف هو أن هي ما تطلبه ...وأعجبت به ....لكنها يبدو من عصر غير عصره .. وثقافة غير ثقافته ..انها من عصور سحيقة ...ظهرت اليوم ..عرف .انها ذات أسوار منيعة ...وأفكار قاتمة ....والرماد شعارها .. ولا تعرف من لغة الألوان غيره..ربما كانت تخبئ له المكيدة ...
كمغامر أعجب بالفكرة .. وقرر دك أسوار هي المنيعة ... والهجوم عليها ..بدل أن ينتظر أن تهاجمه وتطيح به لأمر تحمله في خلدها ..
ذات يوم ..كان هو في مكانه .........جاءت أميرة الرماد ..نظرته ..وراقبته طويلا وهو منكب على عمله ...بدون إدراك منها وبدون وعي ..التقطت حجرا صغيرا ...رمته به ...


وقع الحجر على جبهته ..لكنه كان اكبر مما ينبغي ...بل ودفع بقوة اكبر مما يجب حتى كاد أن يشج رأسه ...


قلبه أمهله قليلا ..وقال له أنها رسالة دعوة من هي إليه ...التفت هنا وهناك نظرها ...سيدة ترتدي الرماد والسواد ولاشيء غيره ..يبدو منها ..سوى ..قطع من قماش الرماد تلفها ..وتقع فوقها وعلى جوانبها ...فلا يمكن معرفة تفاصيل جسدها من قطع الرماد الذي تحمله ...عكس باقي الــ هي في عصر ه ...إنهن يرتدين سوى قطعة او قطعتان من قماش ...تبدي وتسفر وتفضح أكثر مما تخفي ...
عادت أدراجها الى قلعتها الحصينة وعرفت أنها إصابته في مقتل ..


أوصدت جميع الأبواب .. وسدت كل المنافذ.. وأطفئت جميع الاضوية ...سوى نزر يسير منها ..


جاء ليل رماد ...والسواد ...وجاء هو إلى مكان أميرته .أميرة الرماد ...او قلعة الرماد...لف ودار ..الأسوار عالية ...الأسلاك الشائكة ..الجدان المنيعة ...الإضاءة القاتمة ...لم يكن ليعرف لها طريق ..


ليلة أخرى .. وأخرى والحال نفس الحال ...
هي علمت بمحاولته الدخول لقلعتها ...فزادت من الدفاعات .. ونصبت له مقصلة في قاعة القلعة ..لان وقت القصاص أصبح قريب ...وشحذت سكاكينها وخناجرها استعدادا للمواجهة ..


قبل ان يتسرب اليأس الى نفسه ...قرر ان يقوم بمحاولة أخيرة ..
هي واقفة تنتظره في ليلة حالكة الظلمة ...سمعت صوت قط في الجوار ..قط صغير ...طلبت من حولها ان يأتون لها به ...فوضعته في حجرها ومسدت على رأسه ورقبته ... وجاءها إحساس غريب ..ربما نفس إحساسها المبهم السابق ..

بقي القط في حجرها اليوم كله ونصف المساء..كانت تلاعبه ..تتودد اليه ..تطعمه ...تسقيه ..تحممه ...وبسخاء نادر..


هو جاء الى قلعة الرماد بعد منتصف الليل ..نفس الأسوار و نفس ألمنعه ..
لكنه رأى شيء يضيء في الأعلى ..


أنها خيال ((هي ))..الأميرة أمام النافذة ...دق قبله بسرعة ..أحس بها تنتظره ..


قــلبه دله على باب رمادي له مجموعة أبواب قربه متشابه ..كلها تبدو مقفلة ...دفع هذا الباب ...انفتح أمامه بيسر الى ممر سار فيه ...كل شيء مظلم سوى بصيص ضء في المكان تتبع الضوء ..الى اليمين نحو الشمال ..نحو السلالم ...نحو الأعلى ..


كانت من المفروض قاعة المقصلة ...لكنه وجد نفسه في قاعة غناء وسطها سرير كبير ووفير ..لكن ليس للرماد مكان هنا كل شيء بالألوان . البراقة والجميلة والزاهية ..لكن الصورة كانت واضحة لكن الصوت انقطع..
بدل الانتقام ..والهجوم .. والهجوم المضاد ....


أضيئت الشموع .. وأنير المكان... ووضعت الزهور .. والستائر المخملية الرائعة ...قدم المدام ..وكان الوئام
والهيام . .....
أصبح الاثنين في مضاجع العشاق ..ولبت نداء الجسد..
لم ينتصر هو ... ولم تهزم هي ..بل هي من استسلمت لــ هو ..هي من هزمت نفسها ..بنفسها وحطمت جبروتها ... وقطعت كل خيوط .. وستائر الرماد ..


لم تكن لتلتفت لــ هو وما يصنع مع هي ..وما يعمل ...بل أحست أنها طارت فوق الغمام وارتفعت الى سماء أخرى ..
هي كانت تظن بل كانت تخاف ومن شدة الرماد والحلكة والسواد ..ان جسمها ليس سوى شبح جسم ..هزيل ...نحيف ...ضعيف ..مجعد ...أطرافها أشبه بأعواد خيزران ..صلبة ورفيعة ..


النور وان كان خافتا ..لكنه كان ساحرا ...أراها ان ..لها جسما ثائر ..تقاطيعه البيضاء ..الجامدة دبت بها الحياة وكما يسير الماء في الأرض القاحلة ...العروق تفتحت ... والدم يسري بقوة ..وبحرار ة في سائر إنحاء الجسد ..أما الإطراف النحيفة حسب ظنها ..كانت مبرومة ومملوءة.. وكأنها وسادات من ريش نعام ذات إحجام مختلفة ..باختلاف الأطوال والموقع ...


في الصباح ..تسللت الشمس لأول مرة الى دهاليز القلعة المظلمة ..دخل النور ..وجلبت معها زقزقة العصافير التي لأول مرة حطت قرب أشجار القلعة ..وفتحت الابواب والشبابيك ... وخرج القط الصغير ..الى الخارج ..وحيدا..

 

تمت ..

 





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات