أكمل الدين إحسان أوغلو ... وحكاية حب
بقلم: حسن توفيق
حكاية حب أو فرهارد وشيرين.. عنوان مسرحية رائعة،أبدعها الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت سنة 1948وبعد انقضاء إحدى وعشرين سنة على إبداعها- أي سنة1969- قام الدكتور أكمل الدين إحسان بنقلها إلى اللغة العربية في ترجمة مشرقة دقيقة، وقد صدرت الترجمة العربية لحكاية حب عن دار الكاتب العربي بالقاهرة، وكان سعر النسخة وقتها عشرين قرشا مصريا، وأتذكر- في هذا السياق- أن ديواني الأول: الدم في الحدائق قد صدر عن نفس الدار في نفس تلك السنة ، وكان سعر النسخة خمسة عشرة قرشا، ونظرا لصداقتنا التي كانت وليدة وقتها، ثم ازدهرت وما تزال مزدهرة حتى الآن، فقد أهديت الدكتور أكمل الدين إحسان نسخة من ديواني، كما تفضل هو بإهدائي نسخة من حكاية حب، وأقبلت ليلتها على قراءة المسرحية الرائعة بشغف، لأني ومعي كل أبناء جيلي من الشعراء والأدباء، كنا معجبين أشد الإعجاب بناظم حكمت الذي عرفناه وأحببناه منذ أن صدرت أول ترجمة عربية لمختارات من شعره في بيروت سنة1952وهي الترجمة التي قام بها على خير وجه الكاتب التقدمي اللبناني الدكتورعلي سعد.
بعيدا عن صداقتنا الصادقة والعميقة، أستطيع القول إن الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو مثقف موسوعي، وإن ثقافته ليست محصورة ولا مقصورة في مجال واحد محدد من مجالات المعرفة، فإذا كنا قد ولدنا في سنة واحدة، وحين شببنا اتجهت أنا لدراسة الأدب العربي في جامعة القاهرة، فإنه اتجه لدراسة العلوم في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الماجستير في الكيمياء من نفس الجامعة، ثم غادر مصرالتي شهدت ميلاده إلى وطنه الأم- تركيا، ليحصل على درجة الدكتوراة من جامعة أنقرة، لكن دراسته للعلوم وللكيمياء بوجه خاص لم تمنعه من الاندماج في عالم الأدب، بدليل أنه ترجم حكاية حب فبل حصوله على ماجستير الكيمياء بسنة واحدة، وقد قاده حبه للأدب- فيما أتصور- لدراسة التاريخ الإسلامي دراسة متأنية وشاملة ومتكاملة الجوانب عبر مختلف عصورهذا التاريخ، وفضلا عن هذا فإنه لم يكن أبدا من المنغلقين المشرقيين الذين يناصبون أوروبا العداء، وهذا ما أتاح له أن يكون إنسانا جميلا متسامحا مع الآخرين، دون أن يعني التسامح عنده أن يتخلى عن ثوابته الأصيلة التي لا يمكن التخلي عنها.
من هذا المنطلق، وتقديرا لثقافته الموسوعية ولروحه المتسامحة، لم يكن عجيبا ولا غريبا أن يكون الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو على رأس منظمة المؤتمر الإسلامي التي أصبحت تعرف باسم منظمة التعاون الإسلامي، حيث تولى – عن طريق الانتخاب وليس من خلال التعيين- منصب الأمين العام لهذه المؤسسة العالمية المهمة منذ شهر يناير سنة 2005وقد شهد الجميع له بحسن إدارته، وبقدرته الفائقة على حسن التصرف في كل الأزمات التي تعرض لها العالم الإسلامي، وها هو المثقف الموسوعي الكبير يعود إلى القاهرة لعدة أيام عودة المحب المشوق للأرض التي شهدت ميلاده والمراحل المبكرة لتكوينه الفكري والإنساني، ها هو الدكتور أكمل الدين أوغلو في القاهرة، ليكون نجم حفل توقيع كتابه الجديد الذي اختار له عنوانا دقيقا: العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد، ولكني أعترف هنا بأني كنت أتمنى لو أن كاتب مقدمة هذا الكتاب لم يكن واحدا من المتشنجين المنغلقين على اتجاه سياسي معين، ولم يكن واحدا ممن اشتهروا بارتكابهم العديد من الأخطاء العلمية والتاريخية، وبكل صراحة في القول فإني كنت أتمنى لو أن كاتب مقدمة العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد كان واحدا من الشخصيات المستنيرة والمتفتحة وغير الرسمية، وعلى أي حال فإن ما كان قد كان!
يبقى أن أقول- والفرحة تغمر قلبي- إن جامعة عين شمس التي كان الطالب أكمل الدين إحسان أوغلو قد حصل منها على بكالوريوس العلوم سنة 1966 وعلى درجة الماجستير في الكيمياء سنة 1970هي نفس الجامعة التي قررت أن تمنح الدكتور أكمل الدين شهادة الدكتوراة الفخرية يوم الخميس 4أبريل من هذه السنة- سنة 2013 وبالطبع فإن من حق هذه الجامعة العريقة أن تفخر بأن أحد خريجيها قد أصبح شخصية مرموقة في أكثر من مجال، ومن حقي الآن أن أتباهى بصديقي وابن جيلي الذي قاد سفينة منظمة التعاون الإسلامي بكل جدارة ومهارة، بالرغم من كل التيارات المتلاطمة التي واجهته وواجهتها.
magnoonalarab@yahoo.com
التعليقات (0)