لم ازر البحر يوما .... . هنا لا أحد يعرف البحر ....لم اتخطى حدود قريتي ... أنا لم أتذوق السمك حتى .... الوحيد الذي يعرف البحر هنا هو المعلم .... هو الذي أخبرنا أنا لون البحر أزرق ... و الشاطئ لونه أصفر .... كنت قد قرأت في كتاب القرائة أن " سامي وسلمى "يذهبان إلى البحر في عطلة الصيف للترفيه عن أنفسهم ... في قريتي لا توجد أماكن للترفيه ... لا نملك بحرا ولا سينما ولا دار ثقافة ... لعب الورق في المقهى هو المنفذ الوحيد للتسلية .... هنا يجتمع المثقف والجاهل ... الموظف والعاطل .... العرف وعماله .... الكبير والصغير .... لم اتجاوز عمري الثمانية سنوات حين جلست لأول مرة في مقهى " الحاج علي " ... كنت قد أخذت طاولة منزوية ... ودخنت أول سيجارة .... كنت قد سرقتها من علبة سجائر والدي .... ابي كان قد غادر الحياة في عمر مبكر ... تركنا عشرة إخوة ... نقاسي مرارة الحياة ... ستة أبناء ... واربعة بنات .... تجوزت كل منهن في سن لا تتجاوز الخامسة عشر .... في قريتنا إذا بلغت البنت سن الثامنة عشرة و لم تتجوز تعتبر عانس ... هنا لا تذهب البنات إلى المدرسة .... وظيفتهم الرئسية هي قضاء حاجيات البيت .. إلى أن يطلب أحد يدها .... لتنتقل لخدمة زوجها ... زوج في أغلب الأحيان يفوق أب العروس سنا ... مزت الأيام ... انقطعت عن الدراسة في سن مبكرة ككل من في القرية ... أصبح مبتغانا الوحيد من الدراسة هو معرفة كتابة اسمائنا ... أو قرائة الفواتير .... نحن ندفع الضرائب ... ضرائب مجحفة ... لا أعلم لماذا ... أنا حقا لا أعلم ... نحن لا نملك شيئا ..... لا شبكات كهرباء ... ولا قنوات مياه ... حتى شبكات الهاتف الجوال مفقودة ...مللت هذي الحياة ... تتالت السنوات ... أصبح في عمري خمسون .
التعليقات (0)