سيدنا عمر بن الخطاب
وأما عمر بن الخطاب رضى الله عنه ؛ فإنه قد روي عن النبي صل اللهعليه وسلم أنه قال:
{لقد كان في الأمم مُحدّثون ومُكلّمون فإن يك في هذه الأمة فعمر }[1].
سُئل بعض أهل الفهم عن المُحدَّث، فقال :
أعلى درجة من درجات الصديقين. ودلائل ذلك ظهرت عليه...:
وهو ما ذُكر عنه أنه كانيخطب فصاح، فقال في وسط خطبته: يا سارية الجبل !!، وسارية في عسكر على باب نهاوند،فسمع صوت عمر، رضى الله عنه وأخذ نحو الجبل وظفربالعدو.
وقيل لسارية: كيف علمت ذلك؟
فقال: سمعت صوت عمر رضى الله ةنهه ...يقول: يا سارية الجبل..! الجبل..!
وروي عن أبي عثمانالنهدي، أنه قال: رأيت على عمر، رضى الله عنه قميصاً فيه اثنا عشر رقعةوهو يخطب.
وروي عن عمر رضى الله عنه أنه قال: رحم الله امرءاأهدى إلي عيوبي.
وقد روي عن النبيصل الله عليه وسلم أنه قال :
{ الشيطان يفرق من ظل عمر }[2]رضى اللهعنه
وقال عمر رضى الله عنه :من خاف الله تعالى لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يفعل كلما يريد، ولولا القيامةلكان غير ما ترون.
ويقال أنه أخذ تبنة منالأرض فقال: يا ليتني لم تلدني أمي، يا يلتني كنت هذه التبنة، يا ليتني لم أكشيئاً.
وقد روي عن عمر رضى اللهعنه أنه قال: ما ابتليت ببلية إلا كان لله علي فيهاأربع نعم: إذ لم تكن في ديني، وإذ لم تكن أعظم منها، وإذ لم أحرم الرضا فيها، وأنأرجو الثواب عليها.
وقال عمر بن الخطاب :رضى الله عنه لو كان الصبر والشكر بعيرين، لم أبالِ أيهماركبت.
وجاء رجل إلى عمر رضى الله عنه ، فشكاإليه الفقر..، فقال : عندك عشاء ليلتك ؟، قال: نعم..، قال: لست بفقير.
وروي عن علي رضى اللهعنه أنه قال:ما على وجه الأرضأحد أحبّ إلى أن ألقى الله تعالى بمثل صحيفته إلا هذا المسجى عمر رضى الله عنه .
قال: ورأى علي رضى الله عنه ، يوما عمر رضى الله عنه ،وهو يعدو في وقت الهاجرة، فسأله عن عدْوه؟ فقال: قد أُغير على إبل الصدقة، فرحتأعدو في طلبها، قال: فقال عليرضى الله عنه
" قد أتعبت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين"
ولأهل الحقائق أسوة وتعلقبعمررضى الله عنه ، بمعاني خُص بذلك عمر رضى الله عنه من اختياره :
- لبس المرقعة،والخشونه.
- وترك الشهوات.
- واجتناب الشبهاتوإظهار الكرامات.
- وقلة المبالاة منلائمة الخلق عند انتصاب الحق، ومحق الباطل.
- ومساواة الأقاربوالأباعد في الحقوق.
- والتمسك بالأشد منالطاعات.
- وغير ذلك مما روي عنهوبيانه يطول.
وأما ما روي عن عمر رضى الله عنه :
أنه رأى جماعة جلوساً في المسجد فأمرهم بطلب الكسب، والذيكتب به إلى سلمان : فلعله عرف منهم عجزا في جلوسهم وطمعهم في الناس أو غير ذلك،فلذلك أمرهم بطلب الكسب لأن النبيصل الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله عنهما ، قد رأوا أصحاب الصُفَّة وهمنيّف وثلاثمائة، ولم يكرهوا ذلك، ولم يؤمروا بالخروج من المسجد وطلب المعاش.
وروي عن عمر رضى الله عنه أنهقال لأخيه زيد بن الخطاب يوم أحد: إن شئت نزعت درعي هذه حتى تلبسها، فقال له زيد:أنا أيضا أحب الشهادة كماتحبها أنت، وهذه إشارة عظيمة منهما تدل على حقيقة التوكل.
وقد روي عن عمر رضىالله عنه أنه قال:
وجدت العبادة في أربعة أشياء:
- أولها: أداء فرائضالله تعالى.
- والثاني: اجتناب محارمالله تعالى.
- والثالث: الأمربالمعروف ابتغاء ثواب الله تعالى.
- والرابع: النهي عنالمنكر اتقاء غضب الله تعالى.
وأشباه ذلك كثيرة، وفيالقليل كفاية.
عثمان بن عفان رضى الله عنه
أما ذو النورين، سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه فقد خص بالتمكين؛ والتمكينمن أعلى مراتب المتحققين.
ومما يتعلق به أهل الحقائق من أهل التصوف بعثمان بن عفان رضى الله عنه :
ما روي عن بعض المتقدمينأنه سُئل عن الدخول في السعات :
فقال: لا يصح إلا للأنبياء والصديقين، والدخول في السعةالتي هي من أحوال الصديقين أن يكون داخلا في الأشياء خارجا منها، وأن يكون معالأشياء بائناً عنها.
· كما سئل يحيى بن معاذ رضىالله عنه عن صفة العارف فقال :
رجل كائن معه، بائن عنهم.
· وسئل ابن الجلاء رحمهالله، عن الفقير الصادق فقال :
يكون دخوله في الأشياء لغيره لا لنفسه.
· وهذا وصف حال عثمان رضىالله عنه ، لأنه قد روي عنه أنه قال :
لولا أني خشيت أن يكون في الإسلام ثُلْمةأسدّها بهذا المال ما جمعته.
· وعلامة من يكون هذا حاله:أن يكون الإنفاق أحب إليه من الإمساك، والخرج عنده آثر من الدخل؛ كعثمان رضىالله عنه في تجهيزه جيش العسرة، وشراءه بئر رومة حتى قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
· وروي عنه أنه بعث إلىأبي ذر رضى الله عنه ، بكيس فيها ألف درهم، ودفعها إلىعبد له وقال: إن قبلها فأنت حر لوجه الله تعالى، فـدل
ذلك على أن أمواله كانت مستعدة لمثل هذه الجهاتولا يصح هـذا الحال إلا لعبد كامل المعرفة.
· قال سهل بن عبدالله،رحمه الله :
لا يصح الدخول في السعة إلا لعبد يعرف الإذن :
إذا أَذِن الله له أن ينفق أنفق على مقدار مايأذن الله تعالى له، وإن أمسك على حسب ما يأذن الله تعالى له.
ويكون قيامه في ما يجمع الله عليه من الأموالللحقوق لا للحظوظ، فيكون مثله كمثل الوكيل يتصرف في مال صاحبه تصرف المالكين بإذنرب المال، وهو مكان صعب وقد غلط في ذلك خلق كثير بدعواهم هذا الحال وهم عبيدالدنيا، وعندهم أنهم من هؤلاء.
· وقد حُكي عن سهل بنعبد الله رحمه الله، أنه قال:
ربما يملك العبد الدنيا، ويكون أزهد الخلق فيزمانه.، فقيل له :
مثل من؟ فقال: مثل عمر بن عبد العزيز.
وكان رضى الله عنه (أعني عمر بن عبد العزيز ) في خلافته يميز بين الزيت الذي يسرج لنفسه والزيت الذييسرج للعامة، وكان يضع سراجه على ثلاث قصبات، وفي يده خزائن الأرض.
· فمن هاهنا غلط من غلطفي تشريف الغنى على الفقر,وذهب عليه أن هؤلاء لم يكونوا أغنياء بأعراض الدنيا، ولافقراء بما يعدمون من الدنيا، لأن غناهم بالله وفقرهم إليه.
? ومما يتعلق به أهلالحقائق بعثمان رضى الله عنه ، ما روي عنه أنه حمل حزمة حطب منبعض بساتينه، وكان له عدة مماليك،..فقيل له :
لو دفعتها إلى بعض عبيدك..!
فقال: إني قد استطعت أن أفعل ذلك، ولكن أردت أن اجرب نفسيهل تعجز عن ذلك ؟ أو هل تكره ذلك ؟ فدل ذلك أيضا على أنه كان لا يدع افتقاد نفسه،وكان يفتقد رياضة نفسه لئلا يسكن إلى ما جمع إليه من الأموال لأنه ليس في ذلككغيره.
? وروي عنه أنه كان يقرأبالسبع الطوال في ركعة واحدة خلف المقام وهو مقنّع رأسه بالليل.
وروي عنه أنه قال: ماتمنّيت ولا تعنّيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومما يدل على تخصيصهبالتمكين والثبات والاستقامة ما روي عنه: أنه يوم قُتل لم يبرح من موضعه، ولم يأذنلأحد بالقتال، ولا وضع المصحف من حجره إلى أن قُتل t، وسال الدم على المصحف وتلطخ بالدم، ووقع الدم على موضع هذهالآية:
] فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [[137، البقرة]
والتمكين حال رفيع، كانعمرو بن علوان يقول: سمعت الجنيد رحمه الله ليلة من الليالي وهو يقول في مناجاته:إلهي أتريد أن تخدعني عنك بقربك، أم تريد أن تقطعني عنك بوصلك، هيهات هيهات ، قلتلأبي عمرو: ما معنى قوله هيهات هيهات؟ قال: التمكين.
وروي عن عثمان رضىالله عنه أنه قال:
وجدت الخير مجموعا في أربعة:
- أولها: التحبب إلىالله تعالى بالنوافل,
- والثاني: الصبر علىأحكام الله تعالى.
- والثالث: الرضا بتقديرالله عزوجل .
- والرابع: الحياء مننظر الله عزوجل .
علي بن أبي طالب كرَّمالله وجهه
قال أبو علي الروزباري، سمعت الجنيد رحمه الله يقول:
رضوان الله على أمير المؤمنين علي رضىالله عنه ، لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة، ذاكامرؤ أُعطي العلم اللدني، والعلم اللدني هو العلم الذي خُصّ به الخضر عليه السلام،قال الله تعالى:
] وعلمناه من لدنا علما [ [سورة الكهف].
ولأمير المؤمنين علي رضى الله عنه خصوصيةمن بين جميع أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم بمعاني جليلة، وإشارات لطيفة، وألفاظمفردة، وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والإيمان والعلم، وغير ذلك.
وخصال شريفة تعلق وتخلق بها أهل الحقائق من الصوفية وإنذكرنا ذلك كله طال به الكتاب، ولكن نذكر من ذلك طرفاً نكتفي به عن التطويل إن شاءالله :
فمنها لما سُئل أميرالمؤمنينرضى الله عنه ، وقيل له: بم عرفت ربك؟ فقال:
" بما عرفني نفسه، لا تشبهه صورة، ولا يدرك بالحواس،ولا يقاس بالناس، قريب في بعده بعيد في قربه، فوق كل شيء ولا يقال شيء تحته، وتحتكل شيء ولا يقال شيء فوقه، أمام كل شيء ولا يقال شيء أمامه، داخل في الأشياء، لاكشيء ولا من شيء، ولا في شيء، ولا بشيء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره."
وكان أمير المؤمنين، رضىالله عنه يقول في خطبته:
خلق الأشياء لا من شيء كان معه، ولا عن شيء احتذاه، ولا عنشيء امتثله، فكل صانع فمن شيء صنع، وكـل عالم فمن بعد جهل علم،
و الله تعالى عالم لا من بعد جهل.
وقول في الإيمان كما ذكرعنه عمرو بن هند قال :
سمعت علياً رضى الله عنه ، يقول:الإيمان يبدوا لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان ازداد القلب بياضا، فإذااستكمل الإيمان ابيض القلب، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، فكلما ازدادالنفاق ازداد القلب سوادا، فإذا استكمل اسود القلب.
وقام رجل إلى علي بن أبيطالبرضى الله عنه ، فسأله عن الإيمان، فقال: الإيمان على أربع دعائم، علىالصبر، واليقين، والعدل، والجهاد، ثم وصف الصبر على عشر مقامات، وكذلك اليقينوالعدل والجهاد، فوصف كل واحد منها على عشر مقامات.
وبذلك فهو أول من تكلم في الأحوال والمقامات.
وقيل لأمير المؤمنين رضىالله عنه من أسلم الناس من سائر العيوب؟ قال:
من جعل عقله أميره، وحذره وزيره، والموعظةزمامه، والصبر قائده، والاعتصام بالتقوى ظهيره، وخوف الله تعالى جليسه، وذكر الموتوالبلى أنيسه.? وقال علي رضىالله عنه ، في حديث كُميل بن زياد :
ها إن ها هنا عِلم لو وجدت له حملةً !! وأشار إلى قلبه،فكان تخصيصه من بين الصحابة بالبيان والعبارة عن التوحيد والمعرفة، والبيان من أتمالمعاني وأعلى الأحوال، قال الله تعالى [187 آل عمران]:
وقال تعالى::
ولا يبلغ العبد كمال الشرف إلا بالبيان لأنه ليس كل من عقليعلم، ولا كل من علم يحسن أن يبين، فإذا أعطى العبد العقل والعلم والبيان فقد بلغإلى الكمال.
والمشهور عن أصحاب رسولاللهصل الله عليه وسلم أنهم كانوا إذا أشكل عليهم شيء من أمورالدين سألوا علياً رضى الله عنه ، فكان يبين لهم الذييشكل عليهم.
وروي عن علي رضى الله عنه أنهكان يقول :
أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغضبغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوما ما.
وذكر عنه أيضا: أنه وقفعلى باب الخزانة - خزانة الأموال - وقال: يا صفراء ويا بيضاء غُرّي غيري.
وذكر عنه أيضا: أنه لبسقميصا شراه بثلاثة دراهم، فقطعه من رأس أصابعه وذكر عنه أنه عمل بأجرة، فأخذ أجرتهمُدّاً من تمر، وحمل ذلك إلى رسول اللهصل الله عليهوسلم فتقوّت به.
وروي عنه أنه قال لعمر بنالخطاب: إذا أردت أن تلقى صاحبك فرقع قميصك، واخصف نعلك، وقصر أملك، وكُلْ دونالشبع.
وروي عن عمر رضىالله عنه ، أنه قال: لولا علي – رضى الله عنه – لهلك عمر.
ويقال أنه لما قُتل رضىالله عنه ، صعد الحسن رضى الله عنه منبر الكوفة وقال: يا أهلالكوفة لقد قُتل بين ظهرانيكم أمير المؤمنين، رضى الله عنه ، واللهإنه ما خلّف من الدنيا شيئا إلا أربعمائة درهم، وكان قد عزلها ليشتري بها خادمايخدمه.
ويقال: إن علياً، رضىالله عنه ، كان إذا جاء وقت الصلاة يتزلزل ويتغير لونه فيقال له: مالك ياأمير المؤمنين؟..فيقول :
جاء وقت أمانة عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبالفأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، فلا أدري أُحسن أداء ما احتملت أملا.
وقال علي رضي الله عنه:ما أنا ونفسي إلا كراعي غنم كلما ضمها من جانب انتشرت من جانب.
ولعلي رضىالله عنه ، أشباه ذلك كثير من الأحوال والأخلاق والأفعال التي يتعلق بهاأرباب القلوب وأهل الإشارات وأهل المواجيد من الصوفية.
فمن ترك الدنيا كلها وخرج من جميع ما يملك وجلسعلى بساط الفقر والتجريد بلا علاقة فإمامه فيه أبو بكر الصديق رضى الله عنه.ومنأخرج بعضها وترك البعض لعياله ولصلة الرحم وأدار الحقوق فإمامه فيها عمر بن الخطابرضى الله عنه.ومن جمع لله ومنع لله وأعطى لله وأنفق لله فإمامه فيها عثمان بن عفانرضى الله عنه.ومن لا يحوم حول الدنيا وإن جُمعت عليه من غير طلبه رفضها وهرب منهافإمامه في ذلك علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
ورويعن علي رضى الله عنه ، أنه قال:
الخير كله مجموع في أربعة:
الصمت والنطق والنظر والحركة، فكل نطق لا يكون في ذكر اللهتعالى فهو لغو، وكل حركة لا تكون في تعبد لله فهي فترة، فرحم الله عبداً جعل نطقهذكرا وصمته فكرا ونظره عبرة، وحركته تعبدا، ويسلم الناس من لسانه ويده.
نماذج من أحوالالصحابة الكرام الصادقة
وأما طلحة بن عبيد الله رضىالله عنه :
فقد روي عن زياد بن حُدَير أنه قال: رأيت طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه ، فوق مائة ألف في مجلس وإنه ليخيط طرف إزاره بيده.
وأما معاذ بن جبل رضى الله عنه :
فقد روى الحارث بن عميرة قال: إني لجالس عند معاذ بن جبلرضى الله عنه وهو يجود بنفسه ويقول: اخنق خنقك فوعزتك أني لاحبك.
وأما عمران بن حصين رضىالله عنه :
قال: وددت أني كنت ترابا تذرني الرياح ولم اخلق مخافةالعذاب.
وقال ثابت البناني رحمهالله: أنه – يعني عمران بن حصين – رضى الله عنه ، اشتكى بطنهثلاثة وثلاثين سنة، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فقالوا: يمنعنا من الدخول عليك طولشكايتك، فقال:
لا تفعلوا ذلك؛ فإن أحبه إلى ربي أحبه إلي.
وأما سلمان الفارسي رضى الله عنه :
فقد قيل: إنه لما نزلت هذه الآية:
صاح صيحة ووضع يده على رأسه، ثم خرج هاربا ثلاثة أيام.
وفي الخبر أن سلمان رضىالله عنه ، زار أبا الدرداء رضى الله عنه ، من العراق إلىالشام راجلاً وعليه كساء غليظ مضموم الرأس شاحبا :
فقيل له: شهرت نفسك، فقال: الخير خير الآخرة، وإنما أنا عبدألبس كما يلبس العبيد، فإذا أعتقت لبست جبة لا بلاء لمحاسنها.
وأما أبو الدرداء رضىالله عنه :
فإنه قال: كنت امرؤا تاجرا في الجاهلية، فلما أسلمت أردت أنأجمع بين التجارة والعبادة فلم تجتمعا لي، فآثرت العبادة على التجارة.
وسُئلت أم الدرداء رضي الله عنها، عن أفضل عبادة أبيالدرداءرضى الله عنه ، فقالت: التفكر والاعتبار.
وأما أبو ذر رضىالله عنه :
فإنه روي عنه أنه قال: إن قيامي بالحق لله تعالىلم يترك لي صديقاً، وإن خوفي من يوم الحساب ما ترك على بدني لحماً، وإن يقينيبثواب الله تعالى ما ترك في بيتي شيئاً.
ويروى عنه قال: قتلني همّيوم لم أدركه ،فقيل له: وما ذاك؟
قال: إن أملي جاوز أجلي، وددت أن الله تعالى خلقني شجرةتعضد.
ودعى أبو ذر رضىالله عنه إلى وليمة فسمع صوتا فانصرف وهو يقول: من أكثر سواد قوم فهو منهم، ومنرضي عمل قوم فهو شريكهم.
وحمل حبيب بن مسلمة إلىأبي ذررضى الله عنه ، ألف درهم :
فرد عليه وقال: عندنا عنز نحلبها، ومركوب يسارع على ظهرها،فلا حاجة لنا في غير ذلك.
وأما أبو عبيدة بنالجراحرضى الله عنه :
فإنه روي عنه أنه خرجت في كفه طعنة في أيام الطاعون، فعظمذلك على أصحاب رسول اللهصل الله عليه وسلم وفرقوا منها، فأقسم لهمأبو عبيدةرضى الله عنه ما يحب أن له مكانها حمر النعم.
وجاء رجل إلى أبي عبيدة رضىالله عنه ، فسأله فرده، ثم جاءه فسأله فأعطاه فقال: الذي أعطاك والذي ردكالله عزوجل .
وقال أبو عبيدة: وددت أنأكون كبشاً لأهدى فيتعرق لحمي ويتجنى فرقي ولم أُخلق.
وأما عبد الله بن مسعودرضى الله عنه:
فإنه روي عنه أنهكان يقول: يا حبذا المكروهان الموت والفقر فما أبالي بأيهما ابتدأت.
وروي أن في بيته كانتعشاش الخطاطيف: وكان له بنون، فقيل له: لو نقضت هذه العشائش، فقال : والله لئننقضت يدي من تراب قبورهم – يعني أولاده – أحب إلى من أن أكثر من عشاش هذه الخطاطيفبيضة واحدة.
وأما البراء بن مالك رضى الله عنه :
فقد روي عن أنس بن مالك، رضي الله عنهما – أنه قال:
دخلت على البراء بن مالك رضى الله عنه ،وقد مال برجليه على الحائط وهو يترنم بالشِّعر فقلت: يا أخي أبعد الإسلاموالقرآن؟، فقال: يا أخي ديوان العرب، ثم قال: أتراني أموت وعلى فراشي وقد قتلتتسعة وتسعين مبارزا بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم سوى ماأُشْرِكْتُ فيه.
فلما كان يوم "شهرك مَلِكِ تُسْتُر" قال أبو موسىالأشعري رضى اللهعنه: سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:
{ كم من ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبرّه، منهم البراء بنمالك رضي الله عنه}[4].
فقال البراء: اللهم فإني اقسم عليك لما رزقتني الشهادة،ورزقت أصحابي الفتح، قال: فاستشهد البراء، وفتح الله عليه.
وأما عبد الله بن العباسرضي الله عنهما:
فإنه روي عنه أنه كان يقول: أفضل المجالس، مجلس في قعر بيتكحتى لا تَرى ولا تُرى.
وروي عنه أنه كان يقول:أن الله تعالى ليبتلي العبد بالفقر شوقا إلى دعائه، ويقال إن هذا الموضع يعني خدّهكان مثل شراك النعل من كثرة الدمع يعني ابن عباس رضى الله عنه.
وروي عنه أنه قال: لأنأُرقّع ثوبا فألبسه فيرفعني عند الخالق أحب إليّ من أن ألبس ثيابا تضعني عندالخالق، وترفعني عند المخلوقين.
وأما كعب الأحبار، رضىالله عنه :
فقد روي أنه قال: لن ينالوا شرف الآخرة حتى يكرهون المدحةوالثناء، وأن ينالوا الملامة في الله تعالى.
وقال كعب رضي الله عنه:لن يستكمل العبد أجر الحج والجهاد حتى يصبر على الأذى.
وأما حارثة رضى الله عنه ، فقدروي عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال:
وأما أبو هريرة رضىالله عنه :
فإن ثعلبة بن أبي مالك قال: رأيت أبا هريرة tوهو يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة مروان بن الحكم، فقال:أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك، فقلت: أصلحك الله تُكفى هذا، فقال: أوسعالطريق للأمير يا ابن أبي مالك.
وروي عنه أنه بكى لماحضرته الوفاة فقيل له: ما يبكيك؟ قال: بُعْد المفازة، وقلّة الزاد، وضعف اليقين،وعقبة كؤود، والمهبط منها إلى الجنة أو النار.
وقال أبو هريرة رضى اللهعنه: جزّأت الليلة ثلاثة أجزاء، ثلثا أصلي، وثلثا أنام، وثلثا أستذكر فيه حديثرسول الله عليه الصلاة والسلام.
وأما أنس بن مالك رضىالله عنه :
فروي عنه أنه قال: إن أول من يرد الحوض يوم القيامةالذّابلون الناحلون الذين إذا جنّهم الليل استقبلوه بحزن.
وأما عبد الله بن عمر، رضىالله عنه :
فروي عنه أنه كان يقول: ما كنا ننام ونحن عُزّاب في أيامرسول اللهصل الله عليه وسلم إلا في المسجد، ولميكن لنا مسكن ولا مأوى.
وروي عنه أنه قال: لاتحبب أبدا إلا من تثق بدينه.
وكان يقول: ولا تطعمواطعامكم إلا كل تقي ونقي ولا تأكلوا إلا من طعام تقي نقي.
وعن ابن عمر رضىالله عنه أنه قال : إنما سلّط على ابن آدم من يخافه، ولو لم يخف إلا اللهلم يسلط الله تعالى عليه شيئا.
وأما حذيفة بن اليمان رضىالله عنه :
فروي عنه أنه قال: إن أقرَّ يومٍ لعيني، ليوم إذا رجعت إلىأهلي فيشكون إليّ الحاجة.
وقال رضى الله عنه: كم منشهوة ساعة أورثت صاحبها حزناً طويلا.
ودعى حذيفة إلى مائدةفرأى عليها زىّ العجم فانصرف وهو يقول: من تشبه بقوم فهو منهم.
وأما عبد الله بن جحش رضىالله عنه :
فروى سعيد بن المسيب رحمه الله، قال :قال عبد الله بن جحش رضى الله عنه يوم أحد:اللهم إني أقسمعليك أن ألقى العدو، وإذا لقيت العدو أن يقتلوني، ثم يبقروا بطني ثم يمثلوا بي،فإذا لقيتك قلت: فيم قتلت؟ فأقول: فيك. قال: فلقى العدو، فقتل، وفُعل به ذلك.
وأما صفوان بن محرزالمازنىرضى الله عنه :
فإنه كان يقول: إذا أويت إلى أهلي وأصبت رغيفاً أكلته فجزىالله الدنيا عن أهلها شراً، وما زاد على ذلك إلى أن خرج من الدنيا.
وأما أبو مزوة رضىالله عنه :
فإنه رجل من أصحاب رسول الله صل الله عليهوسلم - كان مولى لبنى سليم - سار ميلاًلم يذكر الله تعالى فيه، فرجع حتى سار فيه ذاكراً الله تعالى، فلما بلغ منتهاهقال: اللهم لا تنس أبا مزوة؛ فإن أبا مزوة لا ينساك.
وأما أبو بكرة رضى الله عنه :
فإنه أغمى عليه عند قبر، فصرخوا عليه، فلما أفاق قال: ما مننفس تخرج ولا نفس دابة إلا وهى أحب إلي من نفسي، قيل له: ولم؟...قال:
إني أخاف أن أبقى إلى زمان لا آمر فيه بالمعروف ولا أنهى عنالمنكر.
وأما عبد الله بن رواحة رضى الله عنه :
فذكر عنه أنه بكى فبكت امرأته، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت : إنك بكيت فبكيت، قال: إني أنبئت أنى واردالنار، ولم أنبأ أنى صادر.
وأما تميم الداري رضىالله عنه:
فذكر عنه أنه قام ليلة إلى الصباح يبكى ويقرأ هذه الآية:
فروى عنه أنه كان يفتّ الخبز للنمل ترحماً عليهم.
وأما أبو رافع رضى الله عنه ، مولىرسول الله صل الله عليه وسلم :
فقد روى عن ابن عمر رضى اللهعنه أنه قال: قال رجل:
يا رسولالله أي الناس أفضل ؟ قال مامعناه : { كل مخموم قلب صدوق اللسان ، قيل: يا رسولالله، وما مخموم القلب؟ قال: التقي النقي الذي لا كدر فيه(ولا بغي) ولا حسد، الذييشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قالوا: فما نعرف فينا مثل ذلك غير أبي رافع مولى رسولالله صل الله عليه وسلم .}
وأما محمد بن كعب رضى الله عنه :
فإنه ذكر عنه أنه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً جعلفيه ثلاث خلال فقهه في الدين، وزهده في الدنيا، وبصره عيوب نفسه".
وأما زرارة بن أوفى رضى الله عنه :
فإنه روى عنه أنه أمّ الناس في مسجد بنى قشير فقرأ قولهتعالى :
]فإذا نقر فى الناقور فذلك يومئذ يوم عسير [
[(8-9) المدثر] ، فخر ميتاً.
وأما حنظلة الكاتب رضىالله عنه:
فإنه روى عنه أنه قال:
فإنه روى عنه انه قال: أسلمت مع النبي صل الله عليه وسلم وأنا ابن خمسينسنة، ومات اللجاج وهو ابن عشرين ومائة سنة وقال:
فإنه روى عنه أن امرأته استخبأت ثلاثين درهماً فنسيتها حتىمضت لها سنة، ثم إنها ذكرتها، فقال لها: يا أخت هذيل اعتدى، بئس حشوة البيت أنت،لو متّ لعُددت عند الله من الكنازين، إن نبي الله صل الله عليهوسلم مات، وعهده بين أعيننا جديداً، لميترك ديناراً ولا درهماً ولا فلساً ولا براً ولا شعيراً.
وأما حكيم بن حزام رضى الله عنه :
فإنه روى أنه قال: ما أصبحت ذا صباح قط، لم أر عندي طالبحاجة، ولا مستعيناً على أمر: إلا عددته من المصائب التي أسأل الله تعالى الأجرعليها.
وأما أسامة رضى الله عنه :
فإنه روى عنه أنهاشترى فرساً إلى شهرين فقال النبيصل الله عليه وسلم لما بلغه ذلك:"إن أسامة لطويلالأمل".
وأما بلال وصهيب رضى الله عنهما :
فإنه روى عنهما أنهما أتيا قبيلة من العرب فخطبا إليهم.فقيللهما: من أنتما..؟ فقالا: بلال وصهيب، كنا ضالين فهدانا الله تعالى، وكنا مملوكينفأعتقنا الله تعالى، وكنا عائلين فأغنانا الله تعالى، فإن تزوجونا فنحمد الله وإنتردونا فسبحان الله، فقالوا: تُزوّجون والحمد لله، فقال صهيب لبلال: هلا ذكرتمشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ فقال بلال: اسكت فقد صدقتفأنكحك الصدق.
وأما عبد الله بن ربيعةومصعب بن عمير، رضى اللهعنهما : فكانا متآخيين، قال عبد الله: كنت أنظر إلى مصعب فتدمـععيني رقة عليه، وكنت رأيته بمكة في الرفاهية وكان على رأسه ثلّة منالشعر، قال: فكنت أمر إلى بعض حيطان المدينة فأعمل في السوانى إلى الأولى على مدمن التمر فأحمله إلى مصعب بن عمير، ومر مصعب يوماً إلى رسول الله صل اللهعليه وسلم فلم يجد عند رسول الله صل اللهعليه وسلم إلا قطعة حيس، فأكلبعضها وحمل النصف الآخر إلى عبد الله بن ربيعة.
وروى أن رسول اللهص اللهعليه وسلم آخى بين عبد الرحمن بنعوف وبين سعد بن الربيع وكان لسعد امرأتان فقال سعد:
أقاسمك مالي وأنزل عن إحدى امرأتي حتى تزّوج بها، فلم يفعلذلك عبد الرحمن، وقال: دُلّونى على السوق، فدخل السوق وكسب حتى جمع شيئاً من التمروالسمن والأقط وتزوج أيضاً من عمل يده.
وروى أنه نزل برسول الله صل اللهعليه وسلم ضيف فلم يجد أهلهشيئاً فدخل عليه رجل من الأنصار فأخذ مه الضيف، وذهب إلى أهله وأم زوجته أن تتظاهربإعداد الطعام للأولاد حتى يناموا ففعلت، ثم وضعا بين يديه الطعام القليل الموجودعندهم وقال لامرأته: أطفئي السراج، وجعلا يمدا يديهما كأنهما يأكلان حتى أكل الضيفالطعام، فلما أصبح قال له رسول اللهصل الله عليه وسلم :
ونزلت هذه الآية [الآية (9) الحشر].::
] ويؤثرون علىأنفسهم ولو كان بهم خصاصة [
وروى عن ابن عمر رضى الله عنه
أنه قال: أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صل اللهعليه وسلم رأس شاة، فقال إن أخيكان أحوج إليه منى، فبعث إليه، فلم يزل يبعث الواحد إلى الآخر حتى تناوله سبعةأبيات فرجعت إلى الأول.
قال:ونزلت فيهم هذه الآية:
] ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [.
ومثل هذا كثير في الأخبارعن الصحابة.
وما منهم أحد، إلا وله تخصيص في معانٍ من هذا النوع الذيذكرنا.
والمؤمنون مندوبون إلىالتعلق بمثل هذه الأفعال.. والتخلق بأخلاقهم فيما أتوا به من أنواع الطاعات..ونطقوا به من أنواع الحكم...
وقد ذكرنا القليل منالكثير.
[1] رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة وعائشة.
[2] رواه الألباني في السلسلة الصحيحة عن بريدة بن الحصيب الأسلمي.
[3]المستدركعلى الصحيحين للحاكم عن عبد الرحمن بن سمرة
[4] سنن الترمذى- الجامع الصحيح عن أنس بن مالك
[5] شعب الإيمان للبيهقى عن أنس بن مالك.
[6] صحيح مسلم عن حنظلة بن حذيم الأسدي التميمي
(10) صحيح البخاري عن أبي هريرة
التعليقات (0)