من الملاحظ جدا أن انتقاد شيوخ الإسلام أصبح بضاعة الكتاب في إيلاف و غير إيلاف .. و أصبح فاكهة المجالس التي يجامل القراء والكتاب بعضهم البعض فيها .. وكل يوم يخرج علينا من يطعن في الشيخ الفلاني بسبب فتوى معينة أو بسبب رأي شخصي في قضية معينة سواء كانت هذه القضية شرعية أو غير شرعية .. بينما أخذ البعض ينحو طريق الطعن الصُراح و النيل بالكلية بمن يسمى " بالمفتي " أو بالشيخ .. فهل طعوننا هذه صادقة و هل خلت فعلا من أي نوايا سيئة !!
المفتي شخص من هذا المجتمع وفرد من هذا النسيج الاجتماعي و ليس منزلا من السماء .. ونظرتنا نحن الشعوب و نحن العوام قاصرة جدا له و نحمله في أغلب الأحيان ما لا يطيق .. إذ نطالبه دائما بالكمال و عدم الخروج عن دائرة المألوف و المعروف .. علما أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فلن يُبخس حق اجتهاده وسيأخذ أجر الاجتهاد لأنه يتعامل مع رب كريم و ليس مع عبد فقير كحال الإنسان الذي يجلد أخاه الإنسان عند أي زلل يقع فيه ..
في زماننا زمن انتشار الفساد - كما هو معلوم عند الجميع - و زمن فساد الذمم و استشراء التدني الأخلاقي ليصل لأدنى مستوياته .. فبالتالي فإن ذلك تسرب ليصل لكل الوظائف ولكل المهن و دون أدنى استثناء .. فالطبيب استهان بالقسَم الذي أقسم عليه قبيل أن يصبح طبيبا .. فأصبح يصف العلاج دون خوف من الله و دون اعتبار لمستلزمات مهنته الحساسة جدا.. كذا المهندس و المقاول الذي استرخص و بات يختار أردى أنواع الاسمنت و أدوات البناء حتى سقطت البيوت و العمارات على رؤوس أصحابها .. وكذا المعلم الذي بتنا نخشى على أولادنا منه و من أخلاقه السيئة و ما عاد أبناؤنا في الأصل يعتبرون كثيرا للمعلم اليوم لأنه بنظرهم أصبح لا يستحق الاحترام .. كذا المدير و العامل والموظف في الدوائر الحكومية .. فهل ننتظر أن يسلم المفتي من هذا الفساد !! أبدا !! المفتي حاله حال الطبيب والمهندس وموظف الحكومة و المعلم ولن يختلف عنهم بحجة أن ما بيده علم شرعي سماوي لابد أن يوصله للناس بنزاهة ودون أي زلل أو خطأ .. لذلك أقول أن انتقاد العلماء لابد أن لا يفتح على مصرعيه بهذه الصورة الدنيئة المخزية و لكل من هب ودب .. و لننتقد علماءنا بأخلاق أرقى من تلك التي تشبه الشيخ بالبائع المتجول الذي يصدر الفتاوي الطازجة .. و لنبتعد عن الإسفاف في انتقادهم .. ولننهج أسلوب الحجة و العقل في الانتقاد لأن ذلك سيؤكد سلامة النية و خلوها من السوء تجاه شيوخ الإسلام و الإسلام بشكل عام ..
فإذا كان النبي يقول " إن أنا إلا بشر مثلكم يوحى إلي " و كذلك قول الله تعالى " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " .. فهل نأتي اليوم و نطالب مفتينا كما طالب أسلافنا أنبياءهم بأن يكون ملاكا أو يكون معه ملك يصدق ما جاء به .. و أرى شخصيا أننا لم نختلف كثيرا عن هؤلاء الذين استغربوا أن النبي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق .. بل نحن أسوأ حالا منهم .. فنحن لم نكتفي بالاستنكار و بالاستغراب و النقد المهذب بل انتهجنا دروب الطعن و اللعن و الاسفاف و التحقير .. و لا حول ولا قوة إلا بالله ..
لذلك أدعو الكتاب وكذا القراء إلى التقليل من انتقاد علماء الدين كما و تخيُر أنسب الأساليب نوعا .. و لنكن عادلين في أحكامنا على المفتي و على غير المفتي .. و أقول ( لولا رداءتنا نحن العوام لما ابتلينا - ببعض - علماء اليوم كعلماء الدرهم والدينار وعلماء السلاطين ).. ولنرى الأمور على حقيقتها أكثر و لنكف ألسنتنا قليلا عن غيرنا خصوصا عن أؤلئك الذين يحملون هموم الدعوة وهموم الأمة و يحاولون جاهدين أن يصلحونا و يصلحوا حياتنا .. و لنركز على عيوبنا الشخصية فهي في الحقيقة ما يؤذينا وما يؤرقنا و ليست نواقص و زلات شيوخنا ..
أطيب المنى ..
التعليقات (0)