"برافر" إذ يكشف سوءة الفصائل الفلسطينية
بلال الشوبكي
فليتصفح أيٌّ منّا المواقع الإخبارية الفلسطينية، الحكومية والحزبية وتلك التي تدّعي الاستقلالية، وليتابع تصريحات قادة الفصائل، سيجد فيها حديثاً عن الصراع الداخلي والقدس والمستوطنات والمفاوضات وتعديل الحكومات وتشكيلها ورواتب الموظفين واستقبال الفنانين، وارتفاع الأسعار وإغلاق المعابر. قد تظنّ لوهلة أن الأمور على ما يرام؛ فالقضية ما زالت حاضرة رغم كل البؤس، إلا أنّ هذا الظنّ ساذج، وما تلك القضايا المتداولة بين الساسة والإعلاميين والمهتمين بالشأن السياسي إلا إفراغ للقضية من جوهرها، أو كما قال أحمد قطامش في إحدى كتاباته هي "جوهرة للفرع".
جوهر القضية مرتبط بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وجوهر المقاومة هم فلسطينيو عام 1948 الذين ما زالوا صامدين في الخندق الأول المواجه للاحتلال. حين نتناسى ذلك الجزء من الوطن، فنحن نتجاهل جوهر المشكلة، وسيبقى ساستنا يجترون حلولاً حالمة حتى يستفرغوها بعد عقود في وجوهنا على شكل فشل، ليقولوا: ربما أخطأنا. التسليم بأن ذلك الجزء من أرضنا لم يعد لنا، يعني خسارة لكل فلسطين، ويعني ألّا قدسية للجغرافيا، والمهم هو المسمّيات التي قد يتمنّن بها علينا المجتمع الدولي. من كان بمقدروه أن يتنازل عن جزء من فلسطين لن يمانع لاحقاً في التنازل عن أجزاء أخرى تحت شعارات جديدة وحلول "خلّاقة تخدم الإرادة الدولية الطامحة للسلام".
جزء كبير من أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة ينظرون إلى فلسطينيي 48 كمن باعوا القضية، بل ويتعاملون معهم كإسرائيليين ناطقين بالعربية، وخصوصاً إن كان الحديث عن بدو النقب إثر انخراط بعض شبابهم في صفوف جيش الاحتلال. تناسينا نحن أن بعض شبابنا انخرط في صفوف جواسيس الاحتلال ولم يصنفنا أحد إلا كمناضلين. لكن الحقيقة الصاخبة أن فلسطينيي 48 في الصف الأول من النضال، هم العقبة الأولى أمام سياسات الاحتلال في القدس، وهم العقبة الأولى أمام حملة التهويد في المدن الفلسطينية المحتلة، وهم من يصبغون ذلك الجزء بهويتنا الفلسطينية، آخر حصوننا التي لم تسقط، وإن بدو النقب تحديداً هم الأكثر صموداً إذا ما نظرنا إلى ما يعايشوه من ضنك الحياة نتيجة الإهمال المتعمّد، وما يُعرض عليهم من إغراءات مادية كي يتنازلوا.
لقد تفاعلوا مع كل ما حدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخاضوا مواجهات عديدة مع شرطة الاحتلال نصرة لنا في الضفة والقطاع. ورغم الملاحظات الكثيرة على الرموز السياسية الفلسطينية في الداخل المحتل، إلا أنهم حاضرون دوماً في كل شأن متعلق بالضفة والقطاع والشتات، في الدفاع عن غزة وفي مواجهة الجدار والاستيطان. قد يقول البعض أن هذا كله جهدٌ متواضع، وهو حقّاً كذلك، فهو متواضع لأنه لم يلق حتى اللحظة دعماً منّا. علينا أن نغير اعتقادنا بأننا من يجب أن نتلقى الدعم، فهم الأولى والأحق، والمنطق يقول: أن من يقف في الصفوف الخلفية هو من عليه دعم المقدّمة وليس العكس.
ليس متوقعاً من فصائل منظمة التحرير التي ارتضت حلّ أوسلو أن تقبل بوجهة نظري، ولذا ليس متوقعاً من أي من تلك الفصائل ومؤيديها أن يتأثروا بما يتعرض له فلسطينيو 48 من اعتداءات مباشرة وغير مباشرة أو يؤثروا في وضعهم معنوياً على أقل تقدير. لكنه ليس من المتوقع أيضاً ألّا يختلف سلوك من رفض أوسلو عن أولئك الذين قبلوها فيما يتعلق بالتعامل مع ما يجري في فلسطين المحتلة عام 1948. كل الفصائل الفلسطينية في الضفة والقطاع تتجاهل وبشكل ملحوظ ما يجري هناك، ولا تتحرك بأي خطوة تشير إلى انسجام بين ما تطرحه من مبادئ وما تدّعيه من ثوابت مع سياساتها.
ما دفعني إلى كتابة هذه السطور، هو ما تم نقاشه مؤخراً في الكنيست الإسرائيلي حول وضع بدو النقب، فقد تم تمرير قانون "برافر" في الجولة الأولى من النقاش، وهو القاضي بإعادة التوزيع السكاني في النقب المحتل بما يضمن تقليص الحيّز الجغرافي للفلسطيين هناك. بكلمات أخرى هي نسخة عام 2013 من حرب عام 1948 تهدف إلى الانقضاض على ما تبقى من الوجود الفلسطيني الإنساني. المؤلم والمحبط أن يكون التفاعل مع هذا الخطر مقتصرٌ على فلسطينيي 48، دون أي اكتراث أو تعليق من ساستنا بمن فيهم الحركات التي لا تعترف بإسرائيل وتطالب بفلسطين من بحرها إلى نهرها. حتى أن إعلامنا ينقل خبر نقاش قانون "برافر" كخبر نقاش قانون زواج المثليين في فرنسا!
إذا كنتم لا تتمايزون عملياً في رؤيتكم لجوهر الصراع، والحديث هنا لفصائلنا جمعيها، فما هو سرّ خلافكم وتناحركم؟ كنا نعتقد أن جوهر الخلاف بينكم هو صيغة العلاقة مع الاحتلال، لكن يبدو أنّنا واهمون جدّاً، فها هو الاحتلال يستأصل جذورنا، وها هي أولوياتكم تتقزم إلى حيث أصبحت تتمثل في منح من قد يخدمكم بضع وريقات تذكّر حاملها بأنه يستطيع التنقّل أنّا شاء ما دام متنازلاً عن فلسطين المحتلة عام 1948، يا له من فخر!
إلى "مناضلينا" وقادتهم في الفصائل الفلسطينية، إن رضيتم الصمت فاعلموا أن لنا في حيفا ويافا وعكا والجليل وأم الفحم وبئر السبع إخوة لم تسقط الراية من أيديهم، ورغم أنهم الحلقة الأضعف نتاجاً لعقود من الاضطهاد المادي والمعنوي، إلا أنهم قرروا المواجهة، واعلموا أيضاً أن قانوان "برافر" لم يكشف خبث النوايا الإسرائيلية بقدر ما كشف سوءتكم. أخيراً وقبل نقطة النهاية، في يوم 3 يوليو القادم ستتوجه مجموعة من فلسطينيي عام 1948 للبلدة القديمة في مدينة الخليل لدعم أهلها في مواجهة الاحتلال، لا تدعموهم كما هو المفترض وفقاً لسطوري الأولى، بل قفوا إلى جانبهم وادعموا أنفسكم.
مركز الدراسات المعاصرة 2-7-2013
التعليقات (0)