يَا (إِقْبَالُ) لاَ تَبْكِي
إِهْدَاءٌ :
إِلَى أُمِّي ؛
تِلْكَ الحَاضِرَةُ دَوْمًا ، وَ حَتَّى النِّهَايَةْ .. !!
I
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَذْكُرُ الرَّحِمَ المُهَيَّأَ لاِحْتِضَانِيَ ،
كُنْتُ أَرْفُسُ- مِثْلَمَا أَخْبَرْتِنِي يَوْمًا - ،
وُلِدْتُ مُغَلَّفًا ؛ يَكْسُو مُكَابَرَتِي غِشَاءٌ .
قُلْتِ :
- تِلْكَ رِسَالَةٌ ؛ لاَ بُدَّ مِنْ شَأْنٍ سَيُدْرِكُهُ وَلِيدِيْ .. !!
وَ أَصِيحُ فِي مَنْفَايَ :
- لَمْ أُدْرِكْ سِوَى حُزْنِي ،
أَ تِلْكَ رِسَالَتِي يَا أُمُّ قُولِي .. ؟!
II
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
وَ الدُّرُوبُ تُرَوِّضُ الخَطَوَاتِ نَحْوَ مُرَادِهَا الأَبَدِيِّ ،
لَيْسَ بِوِسْعِهَا – تِلْكَ الدُّرُوبُ - بِأَنْ تَثُورَ عَلَى بُرُودِ طِبَاعِهَا ؛
كَيْ يَنْبُتَ الزَّغَبُ المُلَوَّنُ عِنْدَ أَطْرَافِي ، وَ أَصْعَدُ .
لَيْسَ فِي وِسْعِي – أَنَا المَخْلُوقُ مِنْ نُسْغِ العِنَادِ – بِأَنْ أَطِيرَ ..
وَ هَكَذَا ؛ أَمْشِي وَحِيدًا .
لاَ أَحِنُّ سِوَى لَوَجْهِكِ ،
حِينَمَا أَصْحُو يُدَلِّلُنِي ،
وَ يَذْرَأُ – دُونَمَا كَلَلٍ – حَدَائِقَ مِنْ ضِيَاءٍ مُشْتَهَى .
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَذْكُرُ الصَّلَوَاتِ ، وَ التَّسْبِيحَ ، وَ الشَّيْءَ الكَبِيرَ إِذْ اِصْطَفَانِيَ ...
لَمْ يَكْنْ قَلْبًا .. لَقَدْ كَانَ الوَطَنْ .. !!
III
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَحْمِلُ الأَيَّامَ فَوْقِي ،
لاَ أُعِيرُ الوَقْتَ مِنِّيَ غَيْرَ شَارِدَةِ الخُطَى .. !!
أَحْنُو عَلَيَّ لأَذْكُرَ الكَفَّ الكَرِيمَةَ حِينَمَا تَغْفُو عَلَى كَتِفِي ..
لِتَدْفَعَنِي وَ تَهْمِسَ :
- أَنْتَ أَغْلَى مَا لَدَيَّ ؛
بُنَيَّ .. فَاُنْقُشْ فِي غُيُومِ اللهِ وَجْهَكَ كَيْ أَكُونَ سَمَاءَكَ الأُخْرَى .
وَ أَذْكُرُ كَيْفَ كُنْتِ كـَ (هَاجَرَ) الْتَبْكِي عَلَى مَرَضِي ..
أَنَا المَرْمِيُّ فِي المَشْفَى كـَ (إِسْمَاعِيلَ) ، صَاحَ اللهُ :
- يَا (إِقْبَالُ) لاَ تَبْكِي ؛ وَلِيدُكِ سَوْفَ يَنْجُو ،
لَنْ يَمُوتَ الآنَ فِي حِضْنِكْ .. !!
IV
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَذْكُرُ الزَّمَنَ البَعِيدَ ،
بُكَاءَ قَلْبِكِ ؛ إِذْ فُصِلْتُ مِنَ الدِّرَاسَةِ ،
ثُمَّ فَرْحَتَهُ بِعَوْدِيَ طَالِبًا يَغْفُو عَلَى الدَّرْسِ الأَخِيرِ .. !!
أَ تَذْكُرِينَ مُدَرِّسَ (الفِيزْيَاءِ) ؛
حِينَ أَرَادَ – قُبْحُهُ – رِشْوَةً كَيْمَا أَمُرَّ بِلاَ رُسُوبٍ .. ؟!
كُنْتُ أَضْعَفَ كَائِنَاتِ اللهِ فِي (الفِيزْيَاءِ) ،
أَذْكُرُ كَيْفَ بِعْتِ الخَاتَمَ الذَّهَبِيَ كَيْ أَنْجَحْ ..
نَجَحْتُ لأَنَّكِ أُمِّي ؛
وَ لَمْ أَشْكُرْكِ يَا أُمِّي .. !!
V
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَذْكُرُ السَّهَرَ المُخَضَّبَ بِالْخُطُورَةِ ،
كَيْفَ مَرَّ اللَّيْلُ ؛
لَمْ أَرْجِعْ .. صُلِبْتِ بِشُرْفَةِ البَيْتِ اِنْتِظَارًا .
ثُمَّ سَكْرَانًا أَعُودُ ،
يَعُودُ وَجْهُكِ لِلْحَيَاةِ ،
وَ يُشْعِلُ القَلَقُ السُّؤَالَ .. كـَ :
- أَيْنَ كُنْتَ .. ؟
وَ صَامِتًا أَبْدُو أَمَامَكَ مِثْلَ طِفْلٍ ..
ثُمَّ أَحْمِلُنِي حَزِينًا لِلْفِرَاشْ .. !!
VI
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَذْكُرُ الأَيَّامَ إِذْ مَرَّتْ عَلَيْكِ وَ وَالِدِي ،
هَلْ تَذْكُرِينَ ؛ هُرُوبِيَ المَجْنُونَ .. ؟!
مَوْهُومًا سَعَيْتُ إِلَى الخَلاَصِ مِنَ الضَّيَاعِ ،
بَقِيتُ أَيَّامًا وَ لَمْ أَفْلَحْ .. !!
فَعُدْتُ مُحَمَّلاً بِالْخَيْبَةِ الكُبْرَى ..
أَدُسُّ البِرَّ فِي كَفَّيْكِ دَمْعًا ،
طَالِبًا لِلْمَرَّةِ الأُولَى السَّمَاحْ .. !!
VII
أَمْشِي وَحِيدًا ؛
أَشْرَبُ الغُفْرَانَ مِنْ عَيْنَيْكِ ،
يَا قُدْسِيَّةَ القَسَمَاتِ ،
يَا رُوحَ الإِلَهِ ،
وَ يَا بَيَاضُ .
لَرُبَّمَا مِثْلِي وَلَدْنَ الأُمَّهَاتُ ؛
- فَلَسْتُ إِلاَّ عَابِثًا ، أَعْدُو كَسِنْجَابٍ سَرِيعٍ - ،
غَيْرَ أَنِّيَ وَاثِقٌ ..
أَنْ لَيْسَ مِنْ أُمٍّ سِوَاكْ .. !!
آذار | 2006
(من ديواني الثّاني "ليس ينجيك المسير")
هامش : أعتقد - بشكل يقترب من الجزم - أنّ أغنية (أمّي يا أمّ الوفا) للرّائع (سعدون جابر) في ثمانينيات القرن الماضي ؛ هي أفضل ما تمّ تأديته من عمل مغنّى للأم .. عراقيًّا على أقلّ تقدير :
مابين الناس أسهر ياشمعتي ؛
تصيرين الحديث الحلو إنتي ،
وأسولف لاصدقائي شلون كنتي ،
تناديني حبيبي .. ذخر لايام شيبي ،
اشما وفّينا ما نقدر نجازي ؛
إنتي النهر وإحنا فروع منّه .
شاهد عبر
سعدون جابر | أمّي يا أمّ الوفا
سَعْد اليَاسِري
الموقع الشّخصيّ
التعليقات (0)