يوم الغدير واهمية تعيين الخليفة
يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المنزل على نبيه المرسل محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم في امر يوم الغدير ، في الاية 67 من سورة المائدة : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ) صدق الله العلي العظيم .
لا يذكر يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة المعروف بيوم الغدير وهو اليوم الذي نصب فيه الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم الامام علي بن ابي طالب عليه السلام اميرا على المؤمنين ، واماما وخليفة له من بعده صلى الله عليه واله وسلم ، بامر من الله تبارك وتعالى عبر هذه الاية الشريفة . الا وذكرت هذه الاية .
ويذكر الكثير من الخطباء في تفسير هذه الاية ، ان الامر -تنصيب الامام علي عليه السلام اميرا وخلفية واماما من بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم- جاء للنبي صلى الله عليه واله وسلم مرتين وهو في ايام الحج في حجة الوداع لتبليغ الناس بهذا الامر ، وكان صلى الله عليه واله وسلم يؤجل التبليغ خوفا من ارتداد الناس واتهامهم له صلى الله عليه واله بانه هو من نصب صهره وابن عمه - الامام علي بن ابي طالب عليه السلام - على الناس دون امر من الله بذلك . الى ان جاء الامر في المرة الثالثة بالتهديد له صلى الله عليه واله وسلم ، بانه ان لم يفعل هذا الامر فانه لم يبلغ الرسالة الموكل بتبليغها للناس ، وتعهد الله سبحان وتعالى بحفظ النبي صلى الله عليه واله وسلم من الناس ، وذلك عبر هذه الاية الشريفة . هكذا كنا نسمع البعض منهم يفسر هذه الاية الشريفة .
ولكن معاذ الله ان يتأخر النبي الاكرم صلى الله عليه واله في تبليغ ولو حرف واحد من الرسالة الموكله اليه صلى الله عليه واله وسلم من الله عز وجل ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) ) سورة النجم ، وانما جاءت الاية الكريمة بهذه الصيغة وبهذه الحدة في القول ليس لكونه صلى الله عليه واله وسلم قد تأخر مرتين من قبل في تبليغ هذا الامر ، او تهديداً له صلى الله عليه واله وسلم انه اذا لم يفعل فانه لم يبلغ الرساله المأمور في تبليبغها . ولكنها لتبين للناس مدى اهمية هذا الامر - تنصيب الامام علي عليه السلام - وموقعه من الرسالة الإلاهية المقدسة والموكل بتبيلغها الى الناس النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم ، وان عدم تصيب الامام علي عليه السلام قد يلغي جهود 23 عام (هي مدة دعوة الناس الى الاسلام - 13 عام في مكة المكرمة و 10 اعوام في المدينة المنورة - )، وذهاب جميع التضحيات التي قام بها صلى الله عليه واله وسلم ، ودماء الشهداء الذين استشهدوا في سبيل تبليغ هذه الدعوة هبائا منثوراً . وقد دل على هذا قول الله تبارك وتعالى بعد الانتهاء من تبليغ النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم لامر تنصيب الامام علي عليه السلام اميرا للمؤمنين ، وخليفة واماما من بعده صلى الله عليه واله وسلم ، ومبايعة المسلمين له بذلك حيث قال تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ رَنِعْمَتِي وَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) سورة المائدة اية 3 . اي ان امر الرسالة قد اكتمل ، وان الدعوة الى الاسلام قد تمت بتبليغ هذا الامر الى الناس .
صحيح انه يوجد هناك خطر على النفس الشريفة للنبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم من الفتك والبطش به من قبل المنافقين والكفار بسبب هذا التعيين ، و لا يستبعد ان يوجه اليه صلى الله عليه واله وسلم اصبع الاتهام بتنصيب ابن عمه وصهره - الامام علي عليه السلام- عليهم من بعده ، ولكن هذا الامر ليس بموجب لان يتراخى النبي صلى الله عليه واله وسلم في تبليغ هذا الامر ، او ان يهدده الله تبارك وتعالى لهذا التراخي ، حيث انه صلى الله عليه واله وسلم قام بتبليغ امور هي اشد وطأة على نفوس هؤلاء من امر التنصيب ، فقد قام بحثهم على نفي الوثنية والالهة المتعددة (فقد كانت لكل قبلة من العرب الهة تخصهم ، يعبدونها ويتقربون اليها) واثبات الالوهية لله وحده لا شريك له ، دون ان يراه احد منهم بعينيه ، وهم الذين اعتادوا على رؤية ألهتهم التي كانوا يعبدونها في كل صباح ومساء ، منصوبة على سطح الكعبة ، والبيقة منهم ممن كانوا يسكنون خارج مكة كانوا يرونها في كل موسم من مواسم الحج ، حيث التجارة وتبادل المنافع بين القبائل العربية . ومع هذا لم يتراخى صلى الله عليه واله وسلم قط في تبليغ الناس اي امر يامره به الله عز وجل ، ولم يهدده الله تبارك وتعالى قط ، لكونه صلى الله عليه واله وسلم المعصوم الاول من اي زلل او خطأ .
علاقة حجة الوداع بيوم الغدير:
ان حجة الوداع كانت لامرين في الاسلام اساسيين ومهمين هما :ا
الاول : تعليم المسلمين مناسك الحج من النبي صلى الله عليه واله وسلم
والثاني : اعلان تنصيب الامام علي عليه السلام اميرا للمؤمنين وخليفة واماما من بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم.
وقد كان هذا معد له من قبل ذهابه صلى الله عليه واله وسلم الى الحج في حجة الوداع ، لذا كان الاعلان للناس بانه صلى الله عليه واله وسلم سوف يحج هذا العام ، ليتهافت المسلمين من كل صوب ومكان لكي يجحوا بحجه صلى الله عليه واله وسلم ويتعلموا مناسكهم من صلى الله عليه واله وسلم .
ومن ثم كان وقوفه صلى الله عليه واله وسلم في الطريق عند غدير خم في وسط ذلك الحر الشديد ، ليتم الاعلان بعد ذلك ان الصلاة جامعة -اي انه هناك امر هام فاجتمعوا- ليرجع من سبق من الناس الى موقع الغدير ، ويلحق من تخلف منهم بالموقع ، وذلك من اجل ان يثار انتباه الناس الى الامر هام جداً ، بدرجة انه لا يمكن تأخيره حتى يصل النبي صلى الله عليه واله وسلم الى المدينة حتى مع ارتفاع درجة الحرارة .
اهمية تعيين الخليفة في المجتمعات الحديثة:
ان في جميع دول العالم هذه الايام ، قبل ان يتسلم الرئيس الجديد (المنتخب او المعين ) منصبه كرئيس للدولة يقوم بتعيين نائب له ينوب عنه اذا ما غاب هو عن بلاده لسبب او لاخر ، ويخلفه اذا مات حتى يتم انتخاب او تعين رئيس جديد لهم ، ويجب يكون هذا النائب مطلع وعارف بامور السياسة الدولية ، وسياسة وقانون الدولة . وما الانتخابات الامريكية التي حصلت ببعيد عن اهتمام الجميع بها . كذلك نجد هذا الحال في كل الشركات والمؤسسات ( التجارية او الخدمية ) الموجودة .
لذا من الاولى ان يكون هذا الامر موجود في الاسلام ، لكونه الدين الكامل بحكم الله تبارك وتعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) ، وهو -الاسلام- الذي يحمل هذا الفكر ويسير عليه حتى تعرف الناس من يمكنهم الرجوع اليه في كافة امورهم ، فلا يمكن ان يترك الله عز وجل المسلمين هكذا تعصف بهم اهواء الناس يمينا وشمالا كل بحسب رغبته وميوله ، دون موجه ومرشد لهم . لا ان يكون الدين الاسلامي الكامل هو من يترك اتباعه دون قائد وامام لهم يقودهم الى الحق .
فالاسلام لا يقتصر على تبليغ الناس الرسالة العبادية (من صلاة وصوم ) فقط ، من ثم تركهم (بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه واله وسلم) دون راعي او موجه لهم يدلهم على الصواب اذا ما ضلوا ، ويرشدهم الى الطريق الحق اذا ما حادوا عنه . ويجب ان يكون هذا الدليل وهذا المرشد للامة بكاملها -بل للعالمين اجمعين- ملم بجميع امور الدين ومسائله ، عارف بكل كلمة في دستور هذه الدعوة الى الاسلام وهو القران الكريم ، ظاهرها وباطنها ، محكمها ومتشابهها .
ولصعوبة - بل لاستحالة- ان يعرف البشر من منهم الاكثر معرفة ودراية بهذه الامور ، لذا استوجب ان يكون هذا التعيين او التنصيب من الله تبارك وتعالى ، حيث انه هو العالم بهذا وحده دون سواه ، وهو المطلع على السر والعلن ، وهو الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور .
التعليقات (0)