كان يمشي وحيدا في شوارع المدينة على غير هدى منه ومن غير هدف محدد ، عندما حدثته نفسه للذهاب الى احدى المقاهي للاستماع الى مايتناقله الناس من احاديث عن شؤون الدنيا ومافيها وشرب فنجانا ساخن من القهوة.
جلس على احدى الكراسي التي كانت مصفوفة بانتظام داخل المقهى ، تطلع من حوله فوجد عدد من الشباب يتمازحون مع بعضهم البعض ويقهقون بصوت عال .
اخرج من حقيبته صحيفة كان قد اشتراها يوم امس ولم يتسنى له قرأتها ، ثم بدأ يقرأ مافيها العناوين التي تتصدر الصفحة الاولى ، عندما استوقفه خبر تحت عنوان ( 16% من المواطنين يعانون امراضا نفسية والاعتبارات الاجتماعية سبب العزوف عن العلاج).
قرأ الخبر باهتمام واضح ، واعاد قراته مرات ثم وضع الصحيفة جانبا شاردا بذهنه يفكر ، مركزا نظره الى لوحة فنية كانت موضوعة على احد جدران المقهى .
موضوع اللوحة كان يعكس وقع الحروب وتأثيرها معنوي على بني البشر ، الموضوع كان "طفل يقف وسط جثث القتلى وكانت دموعه تعكس مايقاسية بني البشر من رعب وحرمان من هول ومأسي الحروب التي هي نتيجة واحدة للاطماع والكراهية التي يكنها الانسان تجاه اخيه الانسان".
-كيف لايصابون بالامراض النفسية بعدما عايشوا احداثا دامية مرت عليهم ورأو بأم اعينهم القتل والدمار والضياع الذي لحق بهم والمعاناة والالام التي لاتحصرها الاعداد والنسب ، وبعدما ادركوا جميعا ان لاأمل يرجى من الحرب وان الشعوب لاتنهض بالحروب وانما بالتعاون والاخاء الانساني.
وبينما هو مع افكاره ، سمع احدهم يقول للاخر وكان جالسا بجانبه :
-يتحدثون في الاخبار عن اعلان جديد للوظائف الحكومية .
أجاب الاخر قائلاً
-لاتصدق مايقال في الاخبار ومايكتب في الصحف ، مجرد كلام .
-ها قد مر على تخرجنا سنوات ومانزال كما كنا
-لعلهم يصدقون القول هذه المرة .
-لااعتقد ذلك .
عاد الى شروده متخذا منحا آخر ، عاطلان عن العمل شيء ليس بالغريب علينا فجميع شبابنا عاطلون عن العمل ، نسهر اليالي ونبذل الجهود من اجل الحصول على شهادة والنتيجة لاشيء .
وتسأل مع نفسه :
-لماذا كنا ندرس اذن؟
-أندرس لارضاء ضمائرنا .
-ام ندرس لنفتخر باننا متعلمون مثقفون .
-ام ندرس لنقضي اوقاتنا في المقاهي اوالتسكع في الشوارع.
-اليس كان الاجدر بنا ان ندرس ونتعلم طرق التملق للمسؤولين والتزلف لهم من أجل الحصول على وظيفة ما.
-الا يكفينا معاناة؟ ، فصبرنا نفذ وقلوبنا أمتلات بالاحزان ودموعنا بدأت تجف من كثرة بكاءنا على الاحباب الذين رحلوا لا لذنب اقترفوه وانما لانهم ينتمون الى هذا البلد .
نظر الى ساعته ووجدها الرابعة مساء ، مر على جلوسه 3 ساعات ، أحس بضيق شديد في صدره ... انه بحاجة ماسة الى الخروج واستنشاق الهواء وتأمل الشمس عند الغروب .
التعليقات (0)