مواضيع اليوم

يوميات مصرية جداً

كمال غبريال

2013-03-25 07:06:32

0

يوميات مصرية جداً
كمال غبريال

قال د. محمد البرادعي في حديثة للإعلامية لميس الحديدي أنه قد طار صوابه عندما سمع أن د. باكينام الشرقاوي مستشارة سيادة رئيس جمهورية مصر الإخوانجية وممثلة مصر في مؤتمر "العنف ضد المرأة" قالت بوجوب الموازنة بين القيم العالمية لحقوق الإنسان وبين وخصوصية الشعوب الشرقية. . القول بالخصوصية من هذا الطراز ليس أكثر من عنصرية نمارسها على أنفسنا، ولنتخيل لو أن مفكراً أو سياسياً غربياً أشار إلينا بأن "هؤلاء القوم لا يصلحون للحضارة الغربية وغير قادرين على استيعابها وقبول معاييرها"، ألم نكن عندها سنقيم الدنيا ولا نقعدها اتهاماً لهذا الشخص بالفاشية والنازية وبالعداء للإسلام والمسلمين؟!!
لو كنا بالفعل نتمتع بخصوصية بيولوجية وثقافية تمنعنا من قبول واستيعاب حضارة العصر وقيمه ومعاييره، وتبقينا تحت سقف معين نعجز عن تجاوزه، فإننا عندها نكون عاراً في جبين البشرية، ذلك أن الخصوصية الثقافية تكون وهماً وأكذوبة إن لم تستند لأسس بيولوجية تجعل منا شعوباً مختلفة بيولوجياً عن سائر الشعوب الحرة والمتقدمة، ويحق لنا هكذا أن نختار بين أن نعتبر أنفسنا بلا خصوصية تعوقنا عن التوافق مع حضارة العصر وقيمه، وبين أن نكون معوقين بيولوجياً من وجهة نظر العالم المتحضر ومتميزين ومتفوقين وفقاً لرؤانا التي لا يملون ليل نهار من تكرارها والنفخ في مزاميرها كلما حاول العالم ضمنا لصفوفه وحمايتنا من شرور أنفسنا. . إن كان هناك بالفعل ما يسمى بالهوية، فإن ما يتوجب على الساعي للحرية والتقدم والحداثة فعله طوال عمره هو محاولة التخلص من ربقة هويته وأن يلقي بها للجحيم، ليشكل لنفسه هوية تتوافق مع ما يصبو إليه من نمط حياة، وتجعله مؤهلاً لأن ينخرط في مسيرة البشرية التي ترنو للأرقى والأسمى دون أن تتوقف عند زمن أو حالة مثالية طوباوية مقدسة.

• لدينا الآن في قنواتنا الفضائية المعتبرة مدنية أو علمانية التوجه فريقان من مذيعي التوك شو، فريق الأبطال الصناديد الذين يجتذبون المشاهد ومعه الإعلانات بمواويل قدح الإخوان وسنينهم السوداء، وفريق استحضار تلك الكائنات البدائية الخارجة من بالوعات ثقافتنا لتتقيأ علينا ما في جوفها فتجتذب المشاهد أيضاً ومعه الإعلانات، وهي فقط هناك استثناءات قليلة تلك التي يمكن أن تجد فيها إعلاميين حقيقيين ومناقشات موضوعية. . نعم الإعلام الملتزم شكلياً بالصدق يعرض ويكشف عن حقائق لا أكثر ولا أقل، لكن الأوزان النسبية التي يعطيها لهذه الحقائق بتركيزه المختلف الدرجات على مكوناتها يعطي صورة قد تختلف بدرجة أو بأخرى عن الصورة العامة الحقيقية على الأرض، وما يفعله الإعلام المصري الآن بالظهور الدائم للكائنات المرعبة المقززة نجوم الشتيمة والتحريض والكراهية يعطي صورة غير حقيقية للمجتمع المصري، وإن استخدم في رسم هذه الصورة قِطَعاَ فسيفسائية حقيقية. . فرغم كل شيء، ورغم أننا نعيش بامتياز عصر التحريض والكراهية والغباء، إلا أن "مصر لسة بخير" كما تعود العامة أن يقولوا. . مصر لم تصبح بكاملها بعد كما قد يبدو من الإعلام مستنقعاً للكراهية، فالناس الطيبين مازالوا موجودين، ومن الصعب على تحالف العصابات الإجرامية الحاكمة الآن أن تمحي تماماً طبيعة وثقافة شعب مصر.

• لا تتعجبوا من التكتم على قاتلي أبنائنا في رفح، فالقتلة ممن يعتبرهم الممسكون بخناقنا مجاهدين في سبيل الله ومن الأهل والعشيرة، أما المقتولين فهم من الكفار أعداء الله أياً كانت هويتهم الدينية والوطنية. . سوف يكتشف الشعب المصري تدريجياً وعلى مضض ورغماً عن أنفه من هم أعداء مصر الحقيقيين ومصدر الخطر على أمنها القومي، دون عزاء للعروبجية واليسارجية والإسلامجية والمرتزقة. . لقد ظُلم الشعب الفلسطيني ظلماً تاريخياً مرتين، مرَّة حين جاءت الحركة الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود على أرضه، والمرَّة الأخرى حين تسببت الثقافة السائدة والقادة الميامين والمجاهدين في تحويل بعض من صفوة شبابه إلى مجرمين ينشرون الخراب أينما حلوا. . نتهم إسرائيل بالعنصرية ونحن أهل العنصرية وكراهية كل آخر تحت مختلف الرايات والشعارات، العنصرية اليهودية عنصرية سلبية، بمعنى أنها تنتصر لليهود دون أن يكون لديها نوازع معادية للآخر فهي بالأكثر تتجاهله، فيما نحن في منطقتنا نعتنق عنصريات لا تنتصر لبني جلدتها، هي فقط وحصرياً معادية لكل آخر!!. . قولنا هذا ليس عن اليهود عامة كبشر، فمنهم المعتدلون ومنهم الملحدون وخلافه، ولكننا نتحدث عن الرؤية الرسمية للديانة اليهودية التي تقسم العالم إلى "يهود" و"أمم"، و"اليهود" في شرعها هم شعب الله المختار، فيما "الأمم" هم شعوب لقيطة لا وزن لها ولا قيمة، ولا تحاول طوعاً أو قسراً ضمهم لليهودية، وبالتالي فهي لا تستهدفهم بكراهية أو عداء أو حروب لا تتوقف حتى قيام الساعة، وإن كان "التجاهل" المشار إليه بالطبع يمكن اعتباره نوعاً من العداء السلبي.

• نجد في مانشيت لصحيفة مصرية: "قبطي يرفع دعوى ضد البابا للخروج من الطائفة الأرثوذكسية"، وسوف نتغاضى هنا عن كون الإنسان المصري والمسيحي على وجه الخصوص قد صار في هذا العصر بأكثر مما كان في عصر مبارك أسيراً للمؤسسة الدينية، وكأن الدولة المدنية الوطنية تتجه لأن تصير مجرد ديكور أو زائدة دودية بلا فائدة أو وظيفة ويستحسن الخلاص منها، سوف نعبر هذا الآن لنتوجه لبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لنسأله إن كان يرغب ويقدر على مغادرة النهج الاستبدادي لسلفه الراحل، ليُثَبِّت الأقباط على الإيمان بدلاً من أن "يطلع دينهم". . مطلوب من الأنبا تاوضروس بخصوص قضايا الأحوال الشخصية أن يجيب على سؤال: هل جاء المسيح ليسن للناس شريعة يخضعون لها خضوع العبيد، أم جاء ليحررهم من عبودية الناموس، ويرسم لهم طريق الكمال الذي يتقدم فيه الإنسان وفقاً لقناعته وإيمانه وحرية (وليس عبودية) مجد أولاد الله؟. . إذا كان الأنبا شنودة معلم الأجيال قد فاته أن يقرأ هذه الآية أو أن يفهمها، فنرجو أن يقرأها ويعمل بها الأنبا تاوضروس فهي محور التعاليم المسيحية: "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ." رومية 6:7. . مع الذكرى السنوية الأولى لرحيل الأنبا شنودة نخلف وراءنا أربعين عاماً من الاستبداد والنرجسية والفساد، أو نرجو أن نكون بالفعل قد خلفنا ذلك وراءنا لنبدأ عهداً جديداً، وليت الأقباط الذين يوافقون ويدافعون باستماتة عن استبداد وفاشية قادة الكنيسة يتوقفون عن الطرب للقصائد التي تهجو استبداد وفاشية الإخوان، وياليتهم أيضاً يعترفون بأنهم يكرهون أو يخشون فاشية ترتدي الزي الإسلامي، فيما يقدسون بكل جوارحهم فاشية ترتدي زي الكهنوت القبطي الأرثوذكسي!!. . لعل أنجح المؤسسات المصرية في أداء رسالتها هي "المؤسسة المصرية لإنتاج العبيد"، وهي المسماة حركياً "الكنيسة القبطية الأرثوذكسية". . نقول هذا وأمام أعيننا حكمة تقول: "إذا حدثت العبيد عن الحرية، فكن مستعداً لأن ترجم بأحجارهم"، فالعبد هو من يخشى مواجهة متطلبات الحياة بنفسه، ويحتاج دائماً لأن يكون في معية سيد يضمن له اليقين والحد الأدنى من الأمان، حتى لو أدى به ذلك إلى حياة تأنفها الكلاب الضالة.

• نحتاج الآن لقراءة تاريخ أوروبا لنتعرف على الثمن الباهظ الذي دفعته شعوبها والدماء التي قدمها العلماء ورواد التنوير للتحرر من نير الكنيسة. . من لا يريد دفع ثمن الحرية ليس غريباً عليه أن يحن إلى "أبو بلاش" الذي كنا عليه قبل ثورة 25 يناير!!. . حركة الشعوب إلى الأمام من منظور الحضارة في هذا العصر مشروطة بتجاهل الميتافيزيقا وتطليق الأيديولوجيا، أما في بيئة منغلقة على ذاتها وأسيرة الدوجما التي تعمي عيونها عن كل العالم من حولها، فليس غريباً أن نجد مانشيتاً صحفياً يقول: "قيادى سلفى للعريان: تصريحاتك حول الكاثوليك "ضلال" وعليك بالتوبة"، والمسافة ليست بعيدة كما قد يبدو من العبارة بين "الهاجي" و"المهجو"، فالفرق بين الإخوان والسلفيين هو كالفرق بين المرأة الشمطاء التي تحرص على وضع المكياج، وبين الشمطاء التي تتباهى بوجهها القبيح، وقد صارت مصر الآن كما لو حديقة مفتوحة للحيوانات البدائية المنقرضة!!. . المجد للأجيال التي تدفع ثمن الحرية لتجدها الأجيال التالية عطية جاهزة مجانية. . المجد لأجيالنا المصرية الحالية، والحرية والسلام والرخاء للأحفاد.
kghobrial@yahoo.com
أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !