يوميات .. الصين .. اهداء الى الاخ المهندس سامي عسكر
مقاعد الدراسة الخشبية ( البنك ) ليتسع لثلاثة طلاب ( قُرع ) قد حلقوا رؤوسهم للتو على الجلدة البيضاء ) تحت خيمة بلون أخضر عسكري ، ذات رائحة لعلها رائحة القطران .. لست ادري لكنها رائحة مانعة للعث ، لكنها سيئة الرائحة تصيب بالغثيان من تعرض لشمها كثيرا ... طوال اليوم الدراسي .
متطلبات المدرسة والقرطاسية كانت من وكالة الغوث تقدم كمساعدة في اطار خدمات التعليم التي لا زالت تواظب عليها إلى اليوم ، لكن بعد ان قلصت من خدماتها في مجال التعليم ، المسطرة والقلم والالوان ودفاتر الرسم ودفاتر الكتابة والقرطاسية عموما كانت كلها صينية
( وتزين على حافتها بعبارة ( صنع في الصين الشعبية ) او كما يحلوا للبعض ان ينطقها ( ميد إن تشاينا ) .
لكن كالعادة كانت القرطاسية لا تكفي الا لفترة محدودة ، ليكون لازاما علينا ان نتدبر امرها بأنفسنا ونحمل اولياء امورنا عبء شرائها ، نعم كان البعض يستطيع ان يحافظ عليها لكن كعادة الأطفال كانت القرطاسية سريعة التلف بأيدينا ..
أمدتنا الصين وزودتنا على الدوام الى اليوم وغدا بمخزون وفير من المواد القرطاسية والمدرسية .. من المساطر الخشبية الصفراء 30سم والالوان ، والاقلام والبرايات والمحايات وغيرها .. وكل ذلك باسعار تكاد تكون رمزية .. بقرش .
واليوم الكثير منها لا يتعدى 15 قرش للقطعة مع امكانية الاختيار بين المادة الواحدة باحجام مختلفة واسعار مختلفة لكنها متقاربة ، ولن يكون ذلك على حساب الجودة .
كنت مولعا بالرسم .. فعرفت أقلام الرصاص الصينية منذ زمن بعيد والالوان المائية حتى انني حفظت اسم الشركة او العلامة التجارية بالاسم والرسم لتلك المواد ..كبرت وتخصصت بالفنون الجميلة الرسم والتصوير واعتمدت على تلك المتوجات وتلك المواد .. وأضفت اليها الالوان الزيتية والفرش مختلفة الاحجام .. لاكتشف من بعد ان المنتوجات الصينية التي كانت تقدم باسعار رمزية ومقبولة ليست فقط للقرطاسية وطلاب المدارس فقط بل تعدت ذلك الى الادوات المنزلية والكهربائية والمعدات .. لاعرف من بعد ان الصين تنشر ثقافة وتدفع فكرا للعالم من خلال المنتوجات الاكثر مبيعا في العالم .
تعرفنا على الصين مبكرا من خلال افلام الكراتية والبطل المحبوب الذي شغفنا حبا واعجابا وبتنا نقلده بما تيسر لنا من ادوات واوقات ..( بروس لي ) بطل افلام الكراتية والشاولين .. وكانت سينما زهران مكانا مثاليا لهذه الافلام ،وتعرفنا على البيئة الصينية ، والثقافة الصينية ، والموسيقى والغناء الصيني من خلال تلك الافلام ، ليمر الوقت سريعا .. واعمل وانا في الصف الثالث الاعدادي في مختبر زراعي يشرف عليه مجموعة من الخبراء الصينيون ،وتعلمت منهم زراعة الفراولة ، والصويا والقطن ، والفستق السوداني ، وشتى انواع الخضروات ، ولا ازال اذكر السيد ( زكريا ) ولم يكن اسمه الحقيقي هكذا ولكنه تسمى به لأنه كان يتقن اللغة العربية ويعمل مترجما لدى الخبراء زملائه ، والسيد جميل وزوجته وهذا لم يكن اسمه جميل ايضا ، والسيد الذي أبقى على اسمه كما هو هو السيد ( دي ) تعرفت على طريقتهم في اعداد الطعام والذبح وترية الارانب في بيتهم الريفي في المزرعة ، وتعلمت منهم كيف يستثمرون وقتهم ويخلقون اوقات السعادة ويوظفونها في العمل والبيت ومع العمال بطريقة غاية في التواضع دون مراقبة حثيثة مرهقة للعامل وبالوقت نفسه دون تفريط ، تعلمت منهم كيف يكون الانسان منظما دقيقا ناجحا مخططا ، يعملون بملابس زرقاء في الزراعة بأيديهم وكأنهم عمال مثلما كنا نحن عمال تحت إمرتهم ، ولا اجد على ملابسهم ما على ملابس العمال منا من اوساخ وطين وتراب ، يعملون بأدوات بسيطة ولأوقات متفرقة يفصل بينها استراحات عدة ، تدفع بالعامل الى المزيد من العمل دون تحفيز او تشجيع او تهديد او مراقبة .وبالتالي يكون الانتاج كبيرا ، وبجودة عالية ، وباجواء تسودها المحبة والاحترام المتبادل .
اليوم تقدم الصين سيارات واليات ومعدات ثقيلة ، وبمواصفات عالمية ، وأضافات مثالية ، وبشكل لا يخلوا من حس مرهف وموهبة في التصميم والاخراج ، وكل ذلك بالسياسة التجارية ذاتها .
ايام طفولتنا وقفت الصين معنا .. ونحن الفقراء المعدمين ..وقفت الى جانبنا .. اليوم تقف معنا ونحن آباء ، نتحمل مسؤولية اطفالنا ... ارتفعت الأسعار قليلا .. قليلا جدا .. مقارنة بالاسعار المجنونة الاخرى ..
فلا زالت المسطرة الخشبية .. والبلاستيكية ... بخمسة قروش او عشرة قروش ..
ولا زال القلم بخمسة قروش الى خمسة عشر قرشا للنوعية العالية .. ذات المواصفات العالمية
ولا تزال البراية بخمسة قروش .. ( الصين ام الفقراء ) ...... الصينيون هم من بنا لنا مدينتنا الرياضية ، ادخلها واحس بالروح الصينية تسري بين افيائها ..
الصينيون يقيمون اليوم بيننا .. بكثرة ملحوظة .. انهم في كل شارع وحي .. في الاسواق تحاك حولهم حكايات وقصص هي من وحي رفض الآخر ، والانغلاق على الذات ، والاعتقاد بسمونا وتدني الاخر ، ارى تصرفات في الشارع لا تنسجم وطبيعة ديننا المتسامح .. وتقاليدنا العربية التي تحث على اكرام الضيف ، واحترام الغريب ...الغريب الذي يبني لنا حيث نحن قد نخرب .
التعليقات (0)