مواضيع اليوم

يوميات تونسية (الجزء الثاني) ان تكون مواطنا بعد الثورة

ختام البرقاوي

2011-09-14 13:08:11

0

الرابع عشر من سبتمبر 2011
يصادف اليوم ان دخلنا الشهر التاسع من عمر الثورة. طبيا تكفي تسعة اشهر لتكوين انسان فهل تكفي لتكوين مواطن؟
ليس هينا ان تكون مواطنا في تونس بعد الثورة. يفصلنا عن الانتخابات ما يقارب الأربعين يوما فهل استوعبنا ما حصل؟
ان تكون مواطنا في تونس هذه الأيام فالأمر يقتضي منك جهدا جهيدا للحفاظ على استقرارك العصبي.
تبدأ يومك بترصد أول نشرة اخبار. المخاوف مضمونة و الهاجس الامني يبقى اهم الهواجس.
لا يمكن ان لا تقرأ الجرائد او تتصفح الانترنات بحثا عن مستجدات الساسة و اخر تطورات الاستعداد للانتخابات و قد يعترض سبيلك احد المتربصين بالانتخابات فيبحث معك طرقا مختلفة لشراء صوتك او على الاقل للتفاوض معك في امكانية شراء صوتك او التاثير عليك. المبلغ المطروح او الامتيازات المعروضة وقف على مستواك العلمي و الاجتماعي و بالطبع يؤثر فيها مدى قدرتك على التأثير في من من حولك او فلنقل على عدد الذين يمكن ان تؤثر عليهم انت بدورك. تستميت في ان تفهم صاحب الصفقة ان الثورة قامت من اجل التصدي لمثل هذه التصرفات و انك بما اكتسبته من ثقة في نفسك كمواطن ترفض رفضا قاطعا ان تبيع صوتك و تتشبث بهذا الصوت...هو صوتي منذ استرجعت مكانتي كمواطن في هذا العالم...و قد تدخل مع صاحب الصفقة في سجال حول مفهوم المواطنة في بعده الكوني و حول حقوق الإنسان و قيمة الاختلاف و حول مفهوم الثورة و حول الانتقال الديمقراطي و حول أحلامك كمواطن...
تتزعزع ثقتك فيما حولك فتلهث تبحث عن شخص ثقة عساك تستأنس برأيه في خضم كل هذه الاحداث. تبحث و تبحث و قد تعثر اخيرا عن احد اهل الثقات و ما ان تلبث ان ترتاح لهذا الشخص حتى يعلو صوت من هناك يشكك في مصداقية صديقك الجديد الذي كنت قد بدأت تثق فيه.
تستجمع قواك و تحاول ان تعول على نفسك فتنطلق من جديد في رحلة بحث عن مقومات المواطنة و معنى الوطن و تجهد نفسك في الالمام بمستجدات الساحة السياسية فيخبطك انه قد صار في البلاد ما يزيد عن المئة حزب...مئة حزب بحق السماء في وطن لم يعرف اكثر من حزب واحد على مر عقود...تتوتر...تهدأ من روعك و تحاول تقصي حقيقة اكبر عدد ممكن من هذه الاحزاب و تبدأ عملية الفرز اخيرا يبدو انك قد اقتنعت فليس في البلاد اكثر من 5 احزاب تستحق ان تكون احزابا...تهون عليك عملية الجرد هذه...فقد تسهل عليك عملية اختيارك الانتخابي...
الانتخابات على الابواب...القائمات و القوائم...رؤوس القوائم...التناصف و المراوحة...القائمات الحزبية و القائمات المستقلة...سبعون قائمة مترشحة عن دائرتك الانتخابية...بحق السماء سبعون قائمة في دائرة انتخابية و اكثر من 100 حزب و ما يزيد عن الف جمعية...
تتذكر شان الجمعيات و تتذكر ما كنت يوما قد قراته عن دور المجتمع المدني في رسم المسار الانتقالي...تهرع الى اقرب ثقة منك و تبحث في دائرة معارفك عن جمعية او منظمة غير حكومية يمكن ان تنخرط في برنامجها عساها تساعدك على توضيح الرؤية...
الانتخابات على الأبواب و في الحاصل أنت كمواطن تلهث بين اجتماعات الاحزاب المقامة في منطقتك و بين البرامج الاعلامية المخصصة لذلك و بين مستجدات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الهيئة العليا للانتخابات و هيئة الاصلاح و لجان تقصي الفساد و لجان تقصي الحقائق و ...و ...و بين مجهودات المجتمع المدني التي قد تحصّل منها اجتماعا على الاقل اسبوعيا...
الانتخابات على الأبواب و هل ينفع ان نقاطع الانتخابات؟ سؤال قد تطرحه على نفسك على مدار اليوم و تنطلق تبحث له عن اجابات محتملة. في الاثناء اصوات لا تعلم من اين أتتك تلوح باستفتاء فتنطلق انت كمواطن في بحثك الخاص لتجميع اكبر عدد من المعلومات حول هذا الاستفتاء... في الاثناء يصادف ان غدا العودة المدرسية فتتذكر انك لم تستعد بعد لذلك و لم تتزود و هل يختلف زاد هذه العودة الدراسية سنة الثورة عن سابقاتها؟
في فوضى كل هذا يطلب منك رئيسك في العمل ان تبذل مجهودا اكبر و تركز على عملك. العمل قيمة...العمل واجب في هذه الظروف حتى لا تتعطل العجلة الاقتصادية و هل اثمرت الثورة تغييرا في المسار الاقتصادي هل انخفضت الأسعار؟ لماذا لم تنخفض الأسعار و أنت لم تتغيب يوما عن عملك و استمت بعد الثورة تثابر و تكد حتى لا يتعطل عملك ليوم واحد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تجد نفسك كمواطن بين مقتضيات المواطنة و استحقاق أكتوبر و أحلام الثورة و غلاء المعيشة و أصوات المشوشين و ادعاءات الداعمين و هتافات المرشحين و تكالب المتربصين و مستحقات العودة المدرسية و مستجدات الساحة العالمية و مشاكل الوطن...تكاد تجن و يكاد يومك لا يكفي بساعاته الأربع و العشرين لتقضي كل حاجاتك هذه و لتكون ملما بكل ما يطرأ من حولك.
تتذكر انك انخرطت في عملية مراقبة الانتخابات و تتذكر ان جمعية ما دعتك الى اجتماع ما من اجل تحفيز المواطنين للذهاب الى صناديق الاقتراع... في الاثناء قد تتصل بك زوجتك او امك تريد ان تشتري لها حليبا او خبزا او ماء او لست ادري ماذا...
في الاثناء تغض الطرف على انك مواطن معطوب او مواطن قيد التكوين فانت الى حدود 14 جانفي من هذه السنة كنت من رعايا هذه الديار فاذا بك قد اصبحت بين عشية و ضحاها مواطنا عليه ما عليه من واجبات و له ما له من حقوق و تتذكر شأن الشهداء الذين سقطوا و شأن القناصة و تعود بك الذاكرة الى ليالي شهر جانفي من هذه السنة في تلك الليلة الحالكة الظلمة حين رصد ابناء الحي القائمون على حراسته رصدوا عددا من المقنعين في مدرسة الحي و بعد تبادل لاطلاق النار بين الجيش و تلك العناصر و بمعية من اهل الحي ينجح عناصر الجيش في القبض على عدد من القناصة كانوا مرابطين بمدرسة الحي و تتذكر أثار الطلقات النارية على ابواب المدرسة و تذكر خاصة مذاق ذلك الخوف الذي انتابك تلك الليلة و تتذكر حينها شأن العدالة...او العدالة الانتقالية و قد تتذكر خاصة و بالذات اهالي الشهداء الذين سقطوا برصاص القناصة...تصدح اغنية في رأسك "حليلي حليلي على وليدي...حليلي راو قتله القناص..." و تذكر تشييع جنازة احد الشهداء بشوارع العاصمة و تذكر فيما تذكر انك يومها عاهدت نفسك على ان تتابع مسألة محاكمة المسؤولين و فجأة يطفو على السطح اسم احد التجمعيين الذي عين للتو في منصب مرموق و حساس و تمر امامك هواجس عديدة و تذكر فيما تذكر كل تلك الشخصيات التي تسربت الى الخارج و أفلتت بقدرة قادر من سطوة المساءلة او المحاسبة او المحاكمة.
و انت تركض بين كل هذا و تحاول جاهدا ان تسيطر على أعصابك لانك مواطن تتذكر ان "الزين الذي قطع" منذ فترة مرابط هناك في بلد عربي مسلم و شقيق. هو اتخذ من قبلة المسلمين ملاذا هو هناك يروح و يجيء و في الأثناء تبلغك شائعات عن محاولة زوجة الرئيس السابق محاولتها الانتحار فتفكر : ماذا لو مات أحدهم قبل ان يحاسب و قبل ان يتم جلبهم و هل حقا سيتم جلبهم يوما و قد تفرقوا في الارض هم و أتباعهم؟
تذكر ان هناك شيئا في هذه الديار اسمه حكومة فتسأل عن سبب التأخر في استرجاع المستبدين الفارين خارج البلاد و سبب المماطلة في محاكمة المستبدين الباقين في هذه الربوع و تسأل عن أشياء أخرى لا تقل أهيمة.
تتذكر شان صديقك المتخرج منذ 10 سنوات و تسأل عن ما حلّ به فيروعك انه الى حد اليوم لم يحصّل وظيفة......
تسأل و تسأل و الجواب يأتيك سهلا و بسيطا هي حكومة انتقالية لا يسعها ان تقوم بكل شيء و في الاثناء تتذكر شأن الاستفتاء الذي كنت قد قرات عنه انه يطرح تحديدا لمسؤوليات المجلس التأسيس و يضبط له اطارا زمنيا قد لا يتعدى السنة... و هل تكفي السنة لتأسيس دولة و اذا كانت تكفي لماذا لم تنجح الحكومة الانتقالية الحالية في فعل ذلك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
في الأثناء تشكّكُك النخبة أو أشباه النخبة في قناعاتك" المواطنية"... الم تقتنع أن المجلس التأسيسي سيكون أول هيئة منتخبة في تاريخك الوطني؟ أول هيئة ينتخبها الشعب بإرادته و يفوض لها إدارة شؤون البلاد. المجلس التأسيسي...تذكر فعاليات اعتصام القصبة واحد و اثنين و تذكر كيف كتب المعتصمون بالخط العريض "المجلس التأسيسي مطلب الثورة" و فجأة يصفعك أحدهم بقوله إن المجلس التأسيسي كان مطلب من حضروا في اعتصامات القصبة و لم يكن مطلبا وطنيا و يحدثك هذا "الأحمق" الذي صفعك للتو بفكرته هذه يحدثك عن الأغلبية الصامتة و تذكر شان ذلك الاعتصام النخبوي الذي نظمته الأغلبية الصامتة ذات يوم و قد فاحت من المشاركين فيه روائح أرقى العطور العالمية و جاؤوا يمتطون افخر السيارات و هتفوا "القصبة لا تمثلنا" فما كانوا إلا عشرات تعد على الأصابع...
تذكر كل ذلك فتتوجس خيفة و تتأهب كأنك تنزل ميدان القتال بعد حين و ربما في كل حين...تتساءل و في كل مرة تتراكم التساؤلات...و تتعب أعصابك من جديد...و تذكر انك منذ تسعة اشهر لم تنم ليلة واحدة هنيئة و لم تغط في نوم عميق منذ تسعة اشهر و لم تستقر عواطفك على إحساس و لم يستقر أمرك على رأي و تذكر فيما تذكر أن شعوبا بأكملها تحتاج إلى من يربط على كتفها و يضمد جروحها النفسية العميقة و يساعدها أولا و بالذات على طي صفحة الماضي و المصالحة مع الحاضر...و تذكر قول تلك الاختصاصية النفسية على شاشة التلفزة "الشعب في حاجة الى دعم نفسي لتخطي تأثيرات الحقبة الماضية" و تذكر فيما تذكر انك الى حدود الان مازلت خائفا و ما زالت الرؤية أمامك ضبابية و انك لا تعلم إلى أين تسير البلاد و انك في ظل كل ذالك تستميت لتحافظ على تفاؤلك و ثقتك في ان مستقبل هذه الديار سيكون حتما جميلا و مشرقا.
تستقر أخيرا على رأي مفاده ان تسعة أشهر لا تكفي لأستوعب انني قد أصبحت مواطنا باتم معنى الكلمة ساكتفي بتسمية نفسي "مواطن تحت التدريب" او فلنقل "مواطن قيد التكوين" في انتظار أن استكمل كينونتي كمواطن بأتمّ معنى الكلمة.

تونس
ختام برقاوي
14 سبتمبر 2011




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !