مواضيع اليوم

يوميات بوجمعة ..... الخمس حلقات الأولى

 

 

الحلقــــة الأولـــى


الأحد الخامسة صباحا ... فاتح ماي .... ولد بوجمعة ... توقيت يجمع بين الأحد وفاتح ماي ، يومين لقلة الشغل ... توقيت يبشر بالمستقبل الواعد لبوجمعة ...
في هذا اليوم لم يكن يعرف بوجمعة أن إسمه هو بوجمعة .. كان في عمره ساعتان ... خرج من بطن أمه يصرخ ويبكي ... ولادة طبيعية جدا .. لا يمكن لأحد أن يخرج إلى الدنيا وهو يضحك ... إلا في فيلم مغربي ... . قضى بوجمعة يومه في المستشفى حيث كان مسقط رأسه ...
اعذروني لأنني سأنتقل بحضراتكم إلى بيت بوجمعة ... فأنا لا أريد أن أطيل الحديث في المستشفى لأنني لا أطيق رائحته ... لم لا نترك بوجمعة يحكي لنا هذه السلسلة بلسانه؟؟ فربما قد يكون أصدق مني ... فليس من عاش كمن يكتب ... لكني لن أترككم ،سأرافقكم بالاستمتاع بأحداث هذه السلسلة التي أرى وأنا في بداية كتابتها أنها ستكون مثيرة للغاية ... فرجة ممتعة ... عفوا... قراءة مممتعة ....

 

على لسان بوجمعة :
يوم الأحد فاتح ماي ... خرجت إلى الدنيا وأرحت أمي من وجع دام لتسعة أشهر ... ولدت في مستشفى عمومي كأبناء الشعب الذين حالفهم الحظ وولدوا في مستشفى عمومي ولم يولدوا في حافلة أو على قارعة طريق ... أحمد الله أنني ولدت وأنا أسمع حديث أبي وأمي وفرحة إخوتي وهم يتناوبون على تقبيل وجهي الصغير الذي امتلأ بلعابهم ولا قدرة لي على مسحه ولا طاقة لي حتى أن أطلب منهم التوقف عن تقبيلي ... لم أكن أعرف في ذلك الوقت سوى الصراخ ليل نهار وقضاء حوائجي في ملابسي التي كانت تشبه بعضها .
قضيت يومي الأول بالمستشفى بجانب أمي التي كانت كل مرة تزيل الغطاء عن وجهي لتراني هل أنا حي أم ميت ؟؟ هل لازلت هناك أم سُرقت لأباع ؟ هل أعضائي كاملة أم تنقص يد أو رجل ربما كانت وجبة دسمة للقطط التي تملأ المستشفى العمومي ...
صباح اليوم الثاني ... حضر أبي وأختي لنغادر المستشفى ... حملتني أختي وقبلتني وهي تسمي الله علي ... ثم ناولتني إلى أبي الذي قبلني هو الآخر ...
في الحقيقة أشعر بالسعادة وبنعمة كبيرة لأنني سأُحمل من المستشفى إلى البيت مباشرة ... ولم أحمل من المستشفى وأوضع في حاوية أزبال أو بالقرب من باب أحدهم ... كما يقع لكثير من الأطفال في سني .
لم أكن أعلم أنني الولد العاشر في الترتيب الأسري ... أبي كان يريد الدخول إلى كتاب غينيس للأرقام القياسية في الإنجاب...في هذه الحالة فهمت أن أمي لا تعارضه ربما لأنها تحبه أو ربما لأنها تخشى أن يرسلها إلى بيت أبيها ...

شكلت في أسبوعي الأول في المنزل مشكلا كبيرا لدى الجميع ... هذا المشكل يكمن في تسميتي .. أبي يريد أن يسميني بوجمعة على اسم أبيه ... وأمي تريد أن تسميني عبد القادر على اسم أبيها ... وأختي تتمنى ان يكون اسمي عبد الحليم لأنها تعشقه ... ( حين ولدت لم تكن هناك مسلسلات مكسيكية تملأ قنواتنا ، وإلا لكانت أختي قد تمنت أن يكون اسمي هو ألفريدو ) . اشتد الصراع وكل واحد يقترح اسما لي فتدخل أبي ليحسم المقابلة لصالحه : اللي بغا يسميه يشري ليه الذبيحة .... سكت الجميع وقرروا أن يكون اسمي هو بوجمعة ... لأن قرار أبي كان مجحفا ... لكني رأيت بأن الصواب هو ما فعل أبي لأن الكثير لا يعرفون سوى المعارضة الشفوية فقط وعندما تدخل الأمور للجدية وشراء الذبيحة يصوتون بنعم .

الحلقة الثانية


... اتفق الجميع ... وفي أسبوعي الأول أصبح لي اسم سأنادى به ... إنه بوجمعة ... لم يعجبني الاسم كثيرا ... لكن ماذا سأفعل ؟؟ لست مخيرا ... سأنتظر حتى أكبر وأغيره ..- إن أصبحت فنانا - ... أبي لم يجد ما يكرم به روح أبيه سوى أن يسميني على اسمه ... يظن أنه سينال رضاه إن سماني بوجمعة ... هل لاحظتم أن الكثير من الناس لا يكرمون حتى يلقون ربهم ، دعونا من هذا الموضوع - اذكروا موتاكم بخير- .

بالمناسبة أبي اسمه علال... اسمي الكامل هو بوجمعة ولد علال ... اسم فلاحي بامتياز ... اسمي يبشر أنني لن أصير ربان طائرة أو شخصية مشهورة ... ربما بهذا الاسم قد أصير كاتبا ساخرا في المستقبل ... أنا أيضا سأكرم والدي عندما يلقى الله وسأكون نعم الولد الصالح ... سأسمي ولدي علال ... وإن كانت ابنة فسأزيد تاء التأنيث وسأسميها "علالة" ... على الأقل اسمها يوحي أنها لن تخرج راقصة .. وبذلك سأحافظ على ماء وجهي ... في الثلاجة ... .

لي أخمس إخوة وأربع أخوات ... أنا العاشر .. أبي موظف حكومي .. وكان يحب الإنجاب لأن الدولة كانت تؤدي له عن كل رأس - من الأبناء أقصد - ... كانت أمي تلد كل سنتين ...سيرا على قانون كأس إفريقيا للأمم ... لذلك ربما كان أبي يرد أن يشكل فريقا في بيته ويكون هو المدرب وأمي هي المعد البدني ... والدولة هي حكم المباراة الذي سيشهر الورقة الحمراء في وجهه إن سار على درب الإنجاب ...

بعد أن ولدت زارنا في البيت رجل من رجال الصحة ورجل آخر(عرفته عندما أصبحت شابا ..الرجل لم يكن سوى مقدم الحومة ولازال هو مقدم الحومة) ... جاء رجل الصحة ليحذر أبي من مخاطر الإنجاب على صحة أمي ... وعلى صحة أبي ( على صحة أبي .. لا أظن ) ... وأعطاه شيئا بلاستيكيا كنت أظنه بالونا سأنفخه وألعب به .. لكنني عرفته عندما كبرت وعرفت أنه لم يكن بالونا لكن يشبه البالون – اللهم إني صائم - ... طلب رجل الصحة من أبي أن يستعمل البالون كي يتمكن من تحديد النسل ومن التوقف عن الإنجاب ... لكن أبي مصر على تنظيم كأس إفريقيا كل سنتين ...


الحلقة الثالثة

أنور خليل : مرحبا عزيزي القارئ ... كيف حالك ؟ ... إنه ثالث يوم في رمضان .. هل لاحظت أننا لا نعطي للوقت أهمية إلا في رمضان ؟... كل واحد منا يحتفظ بورقة توقيت الصلاة في جيبه ... ليدرك وقت الإفطار .. عفوا وقت الصلاة ...لماذا أسيء الظن ؟... دعونا من هذا الكلام .. تقبل الله صيامنا وصيامكم ... دعونا نكمل سلسلتنا مع السي بوجمعة .

بوجمعة : السي بوجمعة ... كانحيد الحلاقم ؟؟ ... عل أي ... شكرا لك أيها الكاتب الفاشل لأنك أعطيتني الكلمة ... ركزوا معي أعزائي ودعوكم من أنور خليل فهذا هو حاله في شهر رمضان ... يصبح مفتيا ..

بالأمس قلت أنه قد زارنا رجل الصحة ليوعي أبي بمخاطر كثرة الإنجاب... لكن أبي لم يهتم بالموضوع ... بالمناسبة، مقدم الحومة لم يأت إلى البيت ليقوم بتوعية أبي .. بل أتى ليهدده لأنه أصبح يملك كناشين للحالة المدنية ...و إن استمر على هذا الحال لسنوات أخرى فسوف يصبح كناش حالتنا المدنية كألفية ابن مالك ...

في بيتنا غرفة نوم أبي وأمي - غرفة واحد فقط ماشي كل واحد وديالو -... وغرفة أخرى خاصة بأخواتي وغرفة أخرى خاصة بإخوتي وغرفة أخرى خاصة بالضيوف... لا .. غرفة أخواتي هي التي تصبح خاصة بالضيوف عند قدومهم ... أخواتي يجمعن فراشهن عندما ينهضن في الصباح، بينما إخوتي ينهضون مباشرة ليشكلوا طابورا أمام المرحاض ... ليغسلوا وجوههم ويقضون حاجتهم الصغرى فقط ... أما الحاجة الكبرى فلها استعمال زمان آخر .... كل واحد في بيتنا له الحق أن يقضي حاجته مرتان في الأسبوع... وكل زيادة غير مبررة بإسهال أو مرض يؤدى عنها بالحرمان من وجبة العشاء .
أنتم تعلمون حالة قنوات الصرف التي تستوعب همومنا ... في الحقيقة قنوات صرفنا الصحي تصلح في الصين أو اليابان لأن شعبها لا يأكل سوى الأرز وبالتالي – خفيف ضريف – ... أما بالنسبة لنا كشعب يعشق الخبز والبطاطس صباح مساء فقنوات صرفنا لابد أن تكون بحجم الطريق السيار ... الذي يربط بين لوس أنجلس ولاس فيكاس ... والله أعلم إن كان هناك طريق سيار بينهما .. لأنني لم أصل إلى لوس أنجلس ... - خوكم حدو طنجة - ... .

 

الحلقة الرابعة

السِّي بَهْتِيتْ

هذا اليوم أسوء يوم وأقبح ذكرى ستخلد في طفولتي ...إنه يوم ختاني ... بالعربية غادي يطهرو ليا ... أقبح اسم سمعته في هذا اليوم هو " السي بهتيت " هذا الحجام الذي يكرهه كل أطفال العالم الإسلامي ويكرهون سماع اسمه بعدما يعرفون أنه هو صاحب دعوتهم وهو الكذاب الذي يستغل براءتنا لنرى طائرا في سقف الغرفة ... "السي بهتيت" رجل قصير القامة له شارب أسود غليظ - منذ أن عرفته وهو يرتدي سروالا أسود وجاكيطة لا أدري ما لونها- ... يحب المقص كحب أبي لشاكيرا ... تصيبني فوبيا عندما أذكر اسمه .. أحس بأنني سأختن من جديد ...

استيقظ أبي وأمي وأبي باكرا – قلت أبي مرتان إنها من علامات الخلعة – وأيقضوا كل إخوتي ليشهدوا هذا العيد ، أمي تعد الحناء وأختي الكبرى تعد الشاي للجيران الذين سيدخلون لزيارتي وأبي واقف أمام الباب ينتظر " السي بهتيت " وإخوتي الآخرون يسرقون الحلوى من تحت سرير أمي ويخبرونني بأن "السي بهتيت" غَادِي يحيد ليا شي حاجة ... أنا أبكي وهم يضحكون ويستمتعون بأكل الحلوى المسروقة ...

أمنيتي في هذه اللحظة أن يصاب السي بهتيت بسكتة قلبية قبل أن يسكت قلبي من شدة الخوف ... لأنني أعرف مصيري وقد سبقني في ذلك إخوتي وآتوني بنبأ هذا اليوم ... أمي تبحث عني لتلبسني الجلباب الأبيض الذي سيصبح أحمرا بعد قدوم " السي بهتيت " .
جاءت خالتي الطاهرة ... بدأت تزغرد من الباب وتصلي على النبي .. لابسة تكشيطة !! انت اللي جات معاك أخالتي ... شي غادي يتكشّط وشي لابس تكشيطة ... هذا هو المعنى الحقيقي للتضامن ... جميع خططي لتأجيل الموضوع ستفشل ... لأن أبي ذبح الديك البلدي وأمي خلطت الحناء .. وخالتي الطاهرة جاءت و"السي بهتيت" مضّى المقص وراه جاي حالف فيا ...
مرحبا بالسي بهتيت .... قالها أبي .... ناري جا "السي بهتيت" ... كحالت عليا .. ماذا سأفعل يا ترى ؟؟ ... أحسن طريقة للهجوم في هذا الوقت هو إغماض العين والاستسلام للسي بهتيت ...
أعطاني أبي عشرة دراهم رشوة لأوافق على الموضوع ... ريثما ينهي "السي بهتيت" مهمته ويستردها مني مدعيا أنه سيخبؤها لي ... سأكون رجلا ، وحريق ساعة يفوت ولن أترك المجال لإخوتي ليهزؤوا بي ... رفعت جلبابي وتوجهت إلى السي بهتيت ... أمي وخالتي تزغردان والجيران يباركون لأبي ... وإخوتي يطلون من نافذة الغرفة المجاورة ويضحكون ... ودائما لا زالوا يأكلون الحلوى المسروقة من غرفة أمي ...
دخل أبي ووضعني على سرير أرضي ... وأخرج السي بهتيت مقصه وكعادته يستعين بكذبته الشهيرة ...شوف واحد الفرخ ... قلت له قضي الغرض وخلينا من الكذوب يالفرخ ديال بصاح ... أمسك أبي يداي كي لا أصفع السي بهتيت ...

واااااااااااااا مـــــــي .

 

الحلقة الخامسة

ملي ضربتها بتلفة // 1-2

بعد أن تلاشى عن ذهني كابوس السي بهتيت وأصبحت في كامل قواي العضوية وانمحت الحناء التي لطخت يداي الصغيرتان … ولم يرد لي أبي العشر دراهم التي أعطاني إياها واستردها وصرت أقدر على تكوين جملة مفيدة تتوسطها بعض الكلمات التي لا يفهمها أحد سواي … أخرجتني أمي وأجلستني بعتبة باب البيت لأتركها في حالها ولأتلقن دروسا أولية في التبركيك ومراقبة المارة ... لا تمر فتاة من أمام بيتنا إلا وتقبلني …- في هذا السن لا يمكن أن أفكر بسوء نية – أما الرجال فيكتفون بلمس رأسي أو قرص وجهي ثم تقبيل أصابعهم … قُبلة هِندية …
مرت ساعة وأنا جالس في مكاني .. أمي حذرتني أن لا أثق بمن يطلب مني مرافقته ليشتري لي حلوى … أنا أسمع صوت زغاريد … لا أدري من سيكون ضحية للسي بهتيت هذا اليوم ؟؟ … أناس كثيرون قادمون يدخلون دربنا … يتقدمهم حمار كبير … آه .. إنه خيل وليس حمار ..- بلا ماتضحكوا راني مازال صغير - ... أسمع بعض الجيران يقولون أنهم دّايين الدفوع … لم أفهم معنى الدفوع … إنه مصطلح جديد علي … الحاجة الوحيدة التي علقت بذهني هي أنني كلما أسمع الزغاريد أتذكر السي بهتيت …
فُتحت جميع نوافذ بيوت دربنا وخرجت كل رؤوس نسائه لتتابع هذا المشهد الذي أراه لأول مرة في حياتي … أمي هي الأخرى خرجت ووقفت أمامي باش تفرج فالدفوع … بدأت أسحبها من أسفل البيجامة … ماما شنو هادشي ؟ … هذا السؤال قلته لأزيد من أربعين مرة … بعدها أجابتني أمي .. : مالك انت صدعتيني ؟؟ … بغيت نعرف شنو هادشي ؟؟... قالت لي هاذا دفوع، ثم تذكرت أنها تركت الغداء فوق البوطة ودخلت تجري … أنا عارفو دفوع.. راني سمعتها ولكن شنو هو هاد الدفوع ؟؟ …

نهضت من مكاني لأتبع الدفوع لأعرف ما هو … أمشي خطوتان ثم ألتفت ورائي .. أربع خطوات ثم ألتفت ورائي .. عشر خطوات ثم ألتفت ورائي … مائة خطوة … التَفت ورائي فلم أر بيتنا ولا دربنا … ولم أعد أتذكر من أين جئت … الأمر واضح … ضربتها بتلفة … ماذا سأفعل ؟؟ … لألفت الانتباه إلي … سأبكي … انتظرت قليلا حتى انتهى العازفون من المقطع الأول فقمت أنا بوصلة إشهارية بكائية … انهالت علي بعدها الأسئلة .. ولد من انت ؟؟؟ منين جيتي ؟؟ فين كاتسكن ؟؟ … وأسئلة أخرى في نفس السياق … كون كنت عارف ماغاديش نجي نضيع دموعي هنا، نخليهم باش نبكي على الحليب فالليل … أمسكني رجل من يدي وانحنى ليصير في مستواي وسألني عن اسم أبي …
+ أنا كانعيطلو بابا وخوتي لكبار كايعطولو لواليد ...
- فاش خدام باباك ؟؟ …
+ خدام ... فالخدمة … كايخرج الصباح وكايرجع فلعشية .

عرف الرجل أن ديمقراطية الحوار لن تنفع معي فقرر أن يأخذني إلى الكوميسارية … وهذا أسلوب معمول به في العالم العربي ...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات