...... وافقت على العمل مع توفيق وقلت له سأبدأ معك في الغد لو تريد، وفعلا قال لي نحن في حاجة إلى مونافري بخمسين درهما فالنهار، فأحسست بعد ذلك أنني رجل بمعنى الكلمة،وفهمت جيدا بأن الرجلة هي تعتمد على راسك ماشي على اختك سعيدة اللي خدامة مانعرف فين .
توقيت العمل، كل يوم من السابعة صباحا إلى الخامسة مساء مع استراحة مدتها نصف ساعة لتناول وجبة الغذاء، أما الأجرة فنقبض عليها كل يوم سبت أما يوم الأحد فهو يوم عطلة نخسر فيه ما جمعنا طيلة الأسبوع، مع الإبقاء على خمسة دراهم ثمن كوميرة ونص يطرو ديال الحليب لغذاء يوم الإثنين .
اتفقت مع توفيق وطلبت منه أن يأتي ليوقظني من النوم في صباح اليوم الموالي لأرافقه إلى الوظيفة الجديدة .. مونافري أد الدنيا ... دخلت إلى بيتنا وجلست أمام الوالدة وقبلت يدها اليسرى وقلت لها :
ــــــ الوالدة ... أنا لقيت واحد الخدمة ...
التفتت إلى في اندهاش :
ـــــ وشكون غادي يقبل عليك وانت ماعندك حتى الباك ؟؟.
ــــ غادي نخدم فالبني أالوالدة .
الله يسمح لينا من الوالدين، أحسستُ بأن أمي لم تُرِد لي هذه الوظيفة الجديدة ، لكن المسكينة لا تقدر أن تمنعني من عمل كهذا باش مانضصرش ... حقيقة ..ونعم التربية يا أمي ...قامت المسكينة وخرجت لا أعرف أين، ثم عادت بسرعة لا أعرف كيف ، عادت وهي تحمل حليبا في يدها.
- هاهو الحليب ..فاش تنوض الصبح فطر بيه .
أول مرة في حياتي سأفطر بنصف لتر من الحليب لوحدي ، نمت باكرا لأستيقظ باكرا ... في الفراش بدأت أفكر في هذه الوظيفة الجديدة أحسب الأيام وأنني في ظرف شهر يمكنني أن أجمع ألف وخمسمائة درهم ستجعلني غنيا ، سأشتري بها أي فون ... لا بلاش ... سأعطيها لأبي كي يجمعها لي في حسابه البنكي باش نشري كاط كاط ... لا ... سأعطيها لأمي، هي التي يمكن أن تجمعها لي، أما والدي فيمكن أن يجمع لي معها ... أنا لا أشك في والدي -أستغفر الله - ... لكن الدنيا والزمان... نمت الليلة ورأيت في المنام -قولو خير وسلام- أنني واقف أمام حديقة كبيرة بها الكثير من الربيع وأنا أنظر إلى الربيع وأحسست في تلك اللحظة أن لي رغبة في أكله فاستيقظت على صوت توفيق ينادي ويطرق باب المنزل، وأنتم تعلمون يا أعزائي أن الليل الذي يتبعه عمل، ينتهي في رمشة عين .
قمت مسرعا باتجاه المطبخ مباشرة إلى الحليب الذي نسيت أمي وضعه في الثلاجة، فتحته وأفرغته في معدتي وتوكلت على الله ... خرجت فوجدت توفيق ينتظر وهو ينظر إلى ساعته، توفيق شخص كما نقول بالفرنسية بونكتييل، قبل أن أسلم على توفيق سألته فين غادي نخدمو هاد النهار، في أي حي ؟ هل هو حي راق أم حي شعبي ؟ لأننا إن عملنا في حي شعبي سنضمن الغذاء مجانا من كرم أهل البيت، أما في الأحياء الراقية فأقل شيء يمكن أن يعطيه لك صاحب البيت، هو رقم هاتفه ايلا حتاجيتي شي حاجة مستقبلا، هذا الرقم الذي يخرجك مباشرة فشي كوميسارية أو في مستشفى للأمراض العقلية... أخبرني توفيق أننا سنعمل في حي ما راق ما شعبي، عند الطبقة المتوسطة.
الحي بعيد عن بيتنا... طلبت من توفيق أن نستقل سيارة أجرة، فضحك وأخبرني أن ثمن الركوب في سيارة الأجرة هو قيمة الأجرة ، استسلمت لصبر توفيق وشديتها معاه "حَفْتًا" على الأقدام .
في الطريق يحكي لي توفيق عن مغامراته في البناء ليحمسني لهذه المهنة الشريفة، طبعا أستمع إليه بالأذن اليمنى وأخرج ما سمعت بالأذن اليسرى، أفكر فقط في هذا اليوم كيفاش غادي يدوز ؟... نسيت أن أخبركم أن الحليب الذي شربته على " الخوا " بدأت بكتيرياته تعمل في أمعائي أثناء مشيي وبدأت أحس بمغص في بطني ينذر بقدوم فيضان، نظرت إلى توفيق الذي لم أعد أرى سوى ملامح وجهه تتحرك ،لأنني في هذه اللحظة لم أعد أسمع سوى الأصوات الصادرة من بطني ... توقفت فجأة وقلت لتوفيق، لا بد أن أجد مكانا أختلي فيه بنفسي لأن الحليب الذي شربته يريد أن يغادر جسمي، دخل من الفم ويريد أن يخرج من مكان آخر، توفيق لم يتعاطف معي لأنه يفكر فقط في الوصول باكرا إلى العمل – وجه تمارة – طالبا مني فقط أن أصبر وأن الصبر مفتاح الفرج ، بالله عليكم هل ينفع الصبر مع الإسهال ؟ وخا تبغي تصبر ماعندك كيف دير. حاولت أن " أزير السمطة" ثم بدأت أسرع في مشيي تارة وأتوقف تارة أخرى حسب الظروف البطنية والإسهالية، سألت توفيق :
- بنيتو الطواليط فهاد الدار اللي غادي نخدمو فيها ولا مازال ؟ .
ابتسم، وأجابني بثقة في النفس، بأن المهندس المعماري مازال ماعطاهمش البلان ديال الطواليط.
يا أخي وهل ستحتاج ثقبة لها خدمات جليلة على المجتمع المغربي كاملا- خاصة الذين يفطرون بالحليب على الخوا - إلى بلان من طرف المهندس المعماري ، لا بد لها من مهندس مـِخْوائي ماشي معماري.
أكملت طريقي وأنا ألعن اليوم الذي فكرت فيه في الإفطار بالحليب، واليوم الذي قررت فيه أن أصبح رجلا وأعمل في البناء مع توفيق الذي ترك بناء الطواليط إلى نهاية المشروع ...
اعذروني أعزائي، فقد نسيت أن أقول لكم حاشاكم في الفقرة السابقة، لكن أقسم لكم بأنني مزير ومعصب غير سمحولي .
أووووف ... وأخيرا ... وصلنا إلى البيت، مباشرة دخلت أتجول فيه باحثا عن مكان أرتاح فيه، بحثت في كل الطوابق، في المطبخ ، في الغرف التي ستصبح غرف نوم أو جلوس مستقبلا، فلم أجد مكانا أحسن من خنشة ديال السيمة خاوية .
التعليقات (0)