أخيراً و يعد طول إنتظار يطل يوليوس مرسي من شرفة قصره المنيف .. بزيه المنمق و عطره الآخاذ متوجاً بأكاليل الغار متلفحاً بزهور الياسمين .. و من أن تراه العيون حتي تطلق الحناجر و الأفواه هديراً صوتياً إبتهاجاً و ترحيباً بقيصره الجديد .. و بإشاره من يده اليمني تغرق الحشود في صمتٍ رهيب تتعلق عيونها بشفتي مخلصها و حامي حمي ثورتها المشئومة .. و هاهو قيصر وادى النيل يبدء حديثه مرحباً بشعب مصر العظيم .. ويستطرد في حديثه واعداً و متوعداً .. واعداً أنصاره و محبيه بمستقبل زاهر مديد .. متوعداً معارضيه بالويل و الثبور و عظائم الأمور .. مبرراً قراراته اللولبية للتحكم في رقاب الرعية .. و بين هنيةٍ و أخرى يخرج من صندوقه الذهبي أحد معارضيه ليلقيه في فناء قصره لتلتهمه أسوده الجائعة .. و سط فرحة غامرة وهتافات مدوية أبتهاجاً بتصرفات قيصرها الحبيب .. و ما أن ينتهي قيصر وادى النيل من كلماته العنترية و أفعاله السحرية .. حتي ينصرف وسط بركان من الفرحة الغامرة برؤية طلته البهية .. العجيب أنك لن تجد من بين هذه الحشود من يتذكر ماذا قال قيصره و ماذا قصد مما قال ؟ .. هكذا رأيت خطاب السيد مرسي من شرفة قصر الإتحادية .. و هو يخاطب بضعة ألاف ممن تكبدوا عناء الإنتظار لساعات طويلة .. فلم يظهر السيد مرسي اليوم كرئيس دولة .. بل ظهر كأحد قياصرة الرومان القديمة.. ممن سلم زمام أمره لبطانة حمقاء جاهلة متجاهلة .. فتغرر به و تورطه في فرض المزيد من القيود علي بني جلدته ليضمن بقاء كرسي العرش تحت فخذيه .. و ما أن يشعر هذا القيصر بإستهجان العبيد لمثل هذه القيود .. و تبدء ثقته بنفسه في الإهتزاز .. حتي تبدء بطانته في حشد الحشود ليستأنس بها القيصر لتعكس له زيف الصورة و التصور و يحتمي بها ضد أعداءه .. أعداء الوطن .. و لإضفاء المتعة و الإثارة علي لقاء القيصر المحبوب تطلق الإسود الجائعة في حديقة القصر .. ليلقي لها القيصر العملاء و الخونة ممن يتجرأون علي نقد تصرفاته الساذجة و قراراته الكارثية .. و بين ضجيج الهتاف و نشوة اللقاء تطير كلمات القيصر كالغبار تعمي العقول عما تحتضنه من خدع و أكاذيب .. خدعة أن تحصين قرارات الرئيس ضد أى إعتراض لا يكرس للديكتاتورية .. وقد صدق .. فهذا التحصين لا يكرس لديكتاتورية شخص بعينه بقدر ما يكرس لإستعباد شعب بأكمله .. شعب من العبيد لجيل كامل من القياصرة الجدد .. يحكمون و يتحكمون بدعوى العدالة الناجزة و الحكم الثورى المخلص .. و أكذوبة أن الرب يحب هذه الثورة .. و ينسي أو يتناسي قيصرنا الأول أن الله بعث الأنبياء مبشرين و منذرين و لم يبعثهم ثواراً محاربين .. و ينسي أيضاً أن الله جعل الدين دعوة و أمرٌ بالمعروف و نهياً عن المنكر و إحياء لقيم العدل و مكارم الأخلاق .. و لن تجد في دين الله تشجيعاً علي أخذ الناس بالشبهة أو ترحيباً بهمز و لمز هذا أو ذاك .. فلا تتجرأ و تكذب علي الله .. و أكررها للرئيس مرسي مرة أخرى لا تغتر بمن استسرع إلى بيعتك كطير الدباء، وتهافَت علي مجلسك تَهَافُت الفراش .. فاعلم أنهم ناقضوها سفهاً و طمعاً .. و أعلم أنني كنت و ما زلت أعتقد أنك لا تصلح رئيساً لمصر و لكنها إرادة الله .. و حتي ذلك الحين الذى يظهر فيه الله صحه ما أرى أو فساده .. فلك مني السمع و الطاعة و النصيحة بما لا يخالف شرع الله ... ثم بما لا يضر صالح البلاد و العباد .. و أتمني من الله إن يجنبك شر نفسك و شر بطانة السوء .. و أن يوفقك لما فيه الخير و الصلاح .. وحسبنا الله ونعم الوكيل
التعليقات (0)