مواضيع اليوم

يوسف أبو رية صاحب الضحى العالي...يغيّبه الموت بعد تجاهل علاجه

حواء

2009-01-19 13:25:58

0

 

 

القاهرة - محمد الصادق / خلف علي حسن

صدمت وفاة الأديب يوسف أبو رية الوسط الأدبي وأثارت مرارة المثقفين والأدباء، فقبل وفاته بأيام دعا أدباء ومثقفون لعلاجه في الخارج والإفراج عن المبلغ المالي الذي خصّصه حاكم الشارقة لـ "اتحاد الكتاب" لعلاج أبو رية. لم يتحرك أحد وظل الأديب يعاني من ألم المرض حتى غيّبه الموت عن عمر ناهز الـ55 بعد فشل جراحة نقل كبد له.

أبو رية أحد أبرز رموز جيل السبعينات الأدبي. أصدر مؤلفات عدة، من بينها سبعة كتب للأطفال ونصوص قصصية روائية تُرجم عدد منها إلى الإنكليزية والألمانية. كذلك حصل على جائزة نجيب محفوظ للرواية من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2005.

أبو رية من مواليد محافظة الشرقية عام 1955. حصل على شهادته الجامعية في الإعلام من جامعة القاهرة وعمل في “مركز البحوث”، وكان أميناً عاماً لصندوق “رابطة القلم المصرية” طوال الأعوام الـ 13 الأخيرة من حياته، وساهم في تشكيل “رابطة المثقفين المستقلين” التي جمعت المبدعين في مطلع الألفية الثالثة في مواجهة الهجمة ضد رواية “وليمة لأعشاب البحر” للروائي السوري حيدر حيدر.

شتاء عارٍ

من مجموعاته القصصية: “الضحى العالي” (1985)، “عكس الريح” (1987)، “وش الفجر” (1993)، “ترنيمة للدار” (1995)، “طلل النار” (1997)، “شتاء العري” (2003). ومن رواياته: “عطش الصبار” (1998)، “تل الهوى” (1999)، “الجزيرة البيضاء” (2000)، “ليلة عرس” (2002)، “عاشق الحي” (2005)، “صمت الطواحين” (2007).

وصف الشاعر شعبان يوسف الراحل أبو رية بأنه أحد أدباء السبعينات المخلصين والجادين في الكتابة، وبدأ كتابة القصة منذ أن كان طالباً في الجامعة، حينما أشرف على الصفحة الثقافية في جريدة الجامعة، وبدأ يهتم بالكتابة عن القرية خلفاً لعبد الكريم قاسم ويوسف القعيد.

أضاف يوسف: “أعتقد أنه الوحيد في جيلنا الذي استطاع نقل أجواء هذه الضاحية التي تقف بين القرية والمدينة، وكان في ذلك الوقت يعمل في مجال الصحافة، ثم طلّق الأخيرة للتفرّغ للأدب، فأنتج أعمالاً كثيرة ستحافظ عل مكانتها في الأدب العربي}.

رجل أعمال

بدوره، صرّح الأديب فؤاد قنديل: “على مدى العشرين عاماً، قدّم أبو رية عدداً من المجموعات القصصية والروايات اللافتة، التي أكدت موهبة حقيقية راسخة، فبدأت الحركة الثقافية تترقّب جديده دائماً، إذ كان يخطو في كل عمل خطوة جديدة، شكلاً ومضموناً، وكان يقترب في هذه الأعمال من ذلك الإنسان الذي يعيش في مدينة صغيرة، ورأى أن المدن كافة تمثّل الإنسان المصري وكل إنسان”.

بحسب قنديل، “لقد فرحنا عندما علمنا أن رجل أعمال تبرع بالمبلغ المطلوب كي يخضع أبو رية للعملية الجراحية المطلوبة، لكنه رحل. ونحن في غاية الأسف على رحيله ونشعر بموته جسدياً فحسب لأن أعماله ستبقى فينا لأنها تستحق البقاء، تعازينا لزوجته الدكتورة وأفراد عائلته كلهم”.

بدوره ذكر الناقد د. يسري عبد الله: “ينتمي أبو رية إلى جيل السبعينات المصري في كتابة الرواية، هذا الجيل الذي تمثّل كتاباته منعطفاً مهماً في سيرة السرد العربي”. تابع عبد الله: “يرتكز مشروع أبو رية الروائي على الوعي الحاد بالمكان واستنطاق تفاصيله الدقيقة، ورصد حركة الناس فيه، ففي روايته “الجزيرة البيضاء” مثلاً، جعل المكان الروائي عالماً قائماً بذاته يُبنى عليه النص، كذلك عبرت روايته “العرس” الفائزة بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية في القاهرة عن أزمة الإنسان الفرد حين تسحقه الظروف ويتواطأ ضده المجموع، فنجد أن الجميع تآمر على شخصية “حودة” بدءاً من الشيخ المنافق، مروراً بالمعلم الانتهازي، وصولاً إلى أبناء البلدة. أما في “صمت الطواحين” فيطرح أبو رية علاقته بالمكان والمجتمع. وله مجموعة من القصص كان أبرزها “الضحى العالي” و{وعكس الريح”، وقد تميزت لغته بالتكثيف والاختزال، جامعة بين ميزات العالمين الروائي والقصصي”.

كذلك أكّد الكاتب إبراهيم أصلان أن يوسف أبو رية لم يكن مجرد كاتب جيد، “بل صديقاً عزيزاً، عرفناه منذ جاء إلى القاهرة أوائل السبعينات، وكان دائم الجلوس مع يحيى الطاهر عبد الله، وذات مرة كنت ذاهباً إلى مقهى “ريش” فسمعته يناديني ليسألني مندهشاً عن الضجة التي أحدثتها مجموعتي الأولى “بحيرة المساء”، ويبدو أنه تصوّر أنني من أحدثها، فأجبته بأن عليه سؤال من يتكلمون ودردشنا قليلاً، ومنذ ذلك الحين صرنا صديقين من منطقة الوراق التي كنت أسكنها أنا ومحمود الورداني ومحمد كشيك وسيد البحراوي، وكان أبو رية الوحيد بيننا غير المتزوج فكان معظم سهراتنا عنده، ولا أعتقد أن الاتصال بيننا انقطع طوال السنوات الماضية”.

أضاف أصلان: “مسألة مرض أبو رية شابها كثير من الإهمال، صحيح أنه ساهم في تدهورها عندما منعه كبرياؤه من الإعلان عن حالته لستة أشهر، لكن يبدو أننا نعيش في بلد يتلذذ مسؤولوه بالتعجيز المادي حيال أمراض تتطلب مصاريف لا يقدر عليها المرضى، وسيظل وضع يد الحكومة على العشرين مليون جنيه التي تبرع بها حاكم الشارقة لعلاج الأدباء لغزاً غير مفهوم، ويعامل حتى هذه اللحظة بتراخٍ عجيب، سواء من “اتحاد الكتاب” الذي جاءت الأموال باسمه أو من جموع الكتاب التي لم ترفض هذا الأمر وتبذل كل جهد للإفراج عن الأموال”.

في سياق متّصل، قال الكاتب فتحي إمبابي: “قبل وفاة أبو رية بأيام، عقدنا جلسة في إدارة “اتحاد الكتاب” لمناقشة سبل الحصول على مبلغ حاكم الشارقة، لكن كان وزير المالية د. يوسف بطرس غالي يصرّح يومياً بحجة جديدة. لست أدري كيف يشعر سيادة الوزير الذي يرى كتاب مصر يتساقطون الواحد تلو الآخر ولا يتحرك مطبِّقاً المثل “لا يرحم ولا يخلي رحمة ربنا تنزل”، ولو كنت مكانه لقدمت استقالتي وتواريت في منزلي خجلاً”.

وعقّب الشاعر سيد حجاب: “كان أبو رية أحد ألمع كتاب جيل السبعينات وأبرزهم، وقد أستطاع صياغة أسطورته الخاصة عبر غوصه في التراث المصري واستعماله في زمانه الحاضر، لأن الكتابة لديه لا تكتسب هويتها إلا عبر اشتباكها مع الواقع، ولعل ذلك بدا واضحاً في روايته الأخيرة التي طُبعت مرتين “صمت الطواحين”“.

كذلك اعتبر د. محمد إبراهيم طه أبو رية أحد أبرز كتّاب جيل السبعينات في القصة القصيرة ، قائلاً: “مثّل أبو رية اتجاه يوسف إدريس، خصوصاً في “عكس الريح} و{الضحى العالي”، وتناول شخصيات الريف والإنسان ببناء محكم وعذوبة شديدة متناهية بشرت بميلاد كاتب متميز له مشروع إبداعي قوي”.

أضاف طه: “موت أبو رية يعيد إلى الأذهان موت كثير من مثقفينا وتخاذل الدولة في مدّ العون لهم، إذ نفقد كاتباً تلو آخر بسب الأمراض، فيما تتجاهل الدولة علاجهم على نفقتها. فقبل أيام فقدنا محمد الحسيني. أعتقد أن موت الأدباء أصبح ظاهرة بسبب تجاهل المؤسسة الثقافية علاجهم. أتمنى أن يشكّل هذا الموت درساً كبيراً للدولة وأن يلقى الكتاب معاملة أكثر احتراماً وتقديراً”.

اتخذ أبو رية من سيرته الذاتية منطلقاً يعرّج من خلاله على الأسئلة المعلّقة في تاريخ مصر، وعمد على إثارتها في ضوء جديد. كذلك ألحّ على مناقشة ما يرد الى قريته المصرية من تحوّلات أدت إلى ترييف المدينة وتمدين القرية، راصداً من خلالها عدداً من السمات الدالة التي تتيح له معرفة ذلك، ومستخدماً لغة محايدة تسعى إلى بلورة مضمونها من خلال فهمها لماهية شخصياتها.

 

 

جريدة الجريدة الكويتية  العدد 510 - 14/01/2009




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !