نهاية يهوذا الاسخريوطي
وأخيراً كيف كانت نهاية الخائن يهوذا كما تذكرها مصادر الكنائس من الاناجيل وباقي رسائل العهد الجديد؟
- حينئذ لمّا رأى يهوذا الذي أسلمه انه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة قائلا قد أخطأت إذ سلّمت دماً بريئاً,
فقالوا ماذا علينا, أنت أبصر,
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف, ثم مضى وخنق نفسه,
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحلّ ان نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم, فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاريّ مقبرة للغرباء,
لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم,
حينئذ تمّ ما قيل بإرميا واخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى27/9-10)
في هذا النص يقول متّى ان يهوذا بعد إدانة يسوع ندم ورد الثلاثين من الفضة التي أخذها مقابل تسليمه وقال انه أخطأ إذ سلّم دماً بريئاً.
فما معنى انه ندم بعد إدانة يسوع سواء قال هذا القول قبل الصلب أو بعده, وانه سلّم دماً بريئاً؟
ان كتابة متّى لهذه الأقوال على لسان يهوذا تدل بكل وضوح على ان يسوع لم يكن يُعلن الصفات التي تقولها الكنائس في قوانين إيمانها من ان يسوع احد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد, ولا انه جاء للدنيا فقط ليُصلب كي يرفع خطيئة البشرية, وإلا فما معنى كتابة متّى لهذه الأقوال؟!
ان قول يهوذا انه سلّم دماً بريئاً يدل على انه لا يعرف صفة يسوع باعتباره احد الاقانيم الثلاثة والذين هم واحد, ولا يعرف وظيفته كذلك بأنه ما جاء إلى الدنيا إلا ليُصلب لترتفع خطيئة البشرية, وهنا قد تعترض الكنائس بالقول إن يهوذا كان غير مؤمن وانه كان لصاً.
وهذا الكلام يُرد عليهم بموقف التلاميذ الآخرين من عدم إيمانهم بقيامة يسوع من القبر كما تذكر الأناجيل, فلو كان عند التلاميذ المؤمنون علماً بان يسوع ما جاء إلى الدنيا إلا ليُصلب كي ترتفع الخطيئة ومن ثم سيقوم باعتباره أحد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد لصدقوا من أخبرهم بقيامة يسوع من القبر, مع أن الأناجيل تذكر الكثير من أقوال يسوع لتلاميذه بأنه سيصلب ويقتل ومن ثم يقوم في اليوم الثالث!
ومع هذا لم يصدقوا ولم يؤمنوا!
لا بل إن احدهم لم يؤمن حتى وضع اصابعه ويده في جراح يسوع احد الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد والذي ما جاء الى الدنيا الا ليرفع خطيئة البشرية كما تقول قوانين ايمان الكنائس!
هذا من الناحية الشخصية التي تهمنا في دراسة يهوذا, واما بالنسبة لما يحمله النص من أخطاء فمتّى نسب نص الثلاثين من الفضة الى سِفر إرميا في حين انه مكتوب في سِفر زكريا فلو كان ما استشهد به متّى صحيحاً لكان قد عرف مكان النص المستشهد به.
- فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي والا فامتنعوا,
فوزنوا لي أجرتي ثلاثين من الفضة.(زكريا11/12)
فلو أراد متّى أن نصدقه في قصته هذه لكان يجب عليه أن يكون أكثر دقة في نسبة النصوص إلى مواضعها الصحيحة حتى نقول إن علمه كان كبيراً بحيث استطاع أن يصل إلى نتائج دقيقة في فهم نصوص العهد القديم, بحيث فهم أن هذه القصة, أعني الثلاثين من الفضة, تتحدث عن يسوع, هذا بعيداً عن قول الكنائس أن الروح المقدس كان مشرفاً على كتابة الأناجيل!
لأنه لو تابعنا الكنائس على هذا فهو يضع أسئلة كثيرة عن طبيعة هذا الروح المقدس الذي لا يستطيع أن يفرق بين سِفر إرميا من سِفر زكريا! وعن السبب الذي جعل الروح المقدس ان لا ينبه متّى الى هذا الخطأ البسيط في الواقع, لان أي دارس للعهد القديم والعهد الجديد اذا بحث عن هذا النص فانه سيجد انه مكتوب في سِفر زكريا وليس في سِفر إرميا.
مع كل هذه الأمور التي تحوم حول أصل هذه الشخصية إلا أننا نجد أن متّى كتب ان يهوذا شنق نفسه وأنهى قصة هذا الخائن! فهل اتفق معه كتبة الأناجيل على هذه النهاية ليهوذا؟
إن الأناجيل الأخرى لم تذكر شيئاً عن نهاية يهوذا, ولكن لوقا كاتب الإنجيل كتب في رسالة أعمال الرسل نهاية مختلفة ليهوذا الاسخريوطي, فقال:
- قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين فقال أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح المقدس فقال بفم داؤد عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع,
اذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة,
فان هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم واذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها,
وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم حتى دُعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما, أي حقل دم,
لانه مكتوب في سِفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر.
(أعمال الرسل1/15-20)
كما نقرأ فإن يهوذا أخذ أجرة الظلم وهنا لم يحدد كمية الأجرة ولا نوعها ولكنه يتابع قائلاً إن يهوذا اقتنى بتلك الأجرة حقلاً, وانه سقط على وجهه فانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها!
وللتدليل على صدقه يقول إن جميع سكان أورشليم يعلمون هذه القصة حتى أنهم دعوا ذلك الحقل في لغتهم بحقل دما أي حقل دم!
فمن نصدق الآن متّى ومعه الروح المقدس الذي قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه, أم لوقا ومعه الروح المقدس كذلك, ومعهما سكان أورشليم جميعاً الذي يقول إن يهوذا سقط على وجهه وانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها؟
وان كنت لا أُريد الخوض في دقائق المعلومات التي أوردها لوقا بإشراف الروح المقدس وشهادة جميع سكان أورشليم, إلا أنني أتساءل عن هذه السقطة التي تجعل الإنسان يسقط على وجهه فينشق وسطه وتنسكب أحشاؤه كلها!
ويأتيك جواب الكنائس الذي يقول إن هذه السقطة ليست طبيعية بل هي معجزة فما هي المشكلة في سقطة معجزة تؤدي إلى شق الإنسان من الوسط وانسكاب الأحشاء؟
وهذا الرد يكون مقبولاً لولا أن متّى قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه! ولم يذكر تلك السقطة المعجزة كما انه لم يذكر إن يهوذا اشترى حقلاً بتلك الفضة, بل قال انه طرح الفضة في الهيكل وان من اشترى الحقل هم رؤساء اليهود وليس يهوذا.
كما إن هذا الرد والقصة كلها التي ذكرها لوقا في كتاب أعمال الرسل تكون صحيحة لولا أن لوقا لم يخطئ في الاستشهاد بنصوص العهد القديم كعادة كتبة الأناجيل!
إن لوقا استشهد في نهاية قصته على صدق ما كتب بقوله لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر.
فهل حقاً مكتوب في المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر؟
لنقرأ المزمور الذي استشهد به لوقا على صحة قصة نهاية يهوذا وعلى صحة اختيار التلميذ الذي حلّ مكان يهوذا ليكتمل عدد التلاميذ الاثني عشر:
- لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً,
لتُظلِم عيونهم عن البصر,
وقلقل متونهم دائماً,
صب عليهم سخطك وليدركهم حموّ غضبك,
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن,
اجعل اثماً على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك,
ليمحوا من سِفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا,
أما أنا فمسكين وكئيب, خلاصك يا رب فليرفعني. (مزامير69/22-29)
هذا هو النص الذي استشهد به لوقا لإثبات صحة قصته التي ذكرها عن نهاية يهوذا وعن السبب الذي من أجله اختاروا التلميذ الثاني عشر بدلاً عن يهوذا.
وأنا أسأل الكنائس بكل محبة هل كان استشهاد لوقا بهذا النص صحيحاً بغض النظر عما كتب متّى من قصة مخالفة لما كتب لوقا؟
أين هو الكلام الذي يتحدث عن يهوذا, والكلام كله يتحدث عن مجموعة من الناس وليس عن واحد, ولا أريد أن أقول انه كان يجب ذكر اسم يهوذا في النص؟
ثم لو تجاهلنا كل هذه الأمور فأين وجد لوقا أو قرأ في هذا النص وليأخذ وظيفته آخر؟!!
الآن سأستعرض المزمور كاملاً لنرى صحة ما استشهد به لوقا على نهاية يهوذا واختيارهم للتلميذ البديل له.
- خلّصني يا رب لان المياه قد دخلت الى نفسي,
غرقت في حمأة عميقة وليس مقر,
يبدأ المزمور بهذه الفقرة وفيها نجد أن أحداً يدعو الرب أن يخلصه لأن المياه دخلت إلى نفسه وانه غرق في حمئة عميقة وليس مقر, وهذه الفقرات لو قالها إنسان عادي أو لو قالها داؤد, وهو الذي قالها لان المزمور له كما يقول العهد القديم, لكان أمراً طبيعياً لأنه إنسان وهو بحاجة إلى خلاص الرب ومساعدته على النجاة مما يحدث معه من مشاكل ومعوقات تقف في مواجهته لمنعه من إكمال المهمة التي أوكلها الرب إليه, وسواء كانت هذه المشاكل والمعوقات تأتي من أعدائه الشخصيين كما تخبرنا أسفار العهد القديم أن داؤد أمضى عشرات السنين وهو يقاوم ويحارب مخالفيه وأعداءه, أو تأتي هذه المشاكل والمعوقات من الحالة النفسية التي يمكن أن يعيشها الإنسان حتى لو كان ملكاً أو نبياً.
أما إن جارينا كتبة الأناجيل في قولهم إن هذا المزمور يتحدث عن يسوع فهذا يطرح أسئلة حائرة كثيرة على قوانين إيمان الكنائس التي يسعون لإقناع الناس بها.
إذ لو كان يسوع هو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر, هذا إذا كانت موجودة أصلاً, فكيف يطلب من نفسه أن يخلصه؟!
ومم يخلصه؟
من المياه التي دخلت نفسه!
لأنه غرق في حمئة عميقة, الحمئة تعني المياه الضحلة والساخنة!
وأي حمئة يمكن أن يغرق فيها الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟!
كما إن كتبة الأناجيل لم يكتبوا لنا أن يسوع غرق في حمئة وان المياه دخلت إلى نفسه كما كتبوا لنا إن الجند سقوه خلاً استناداً لهذا المزمور كما سيظهر بعد قليل!
وهذه الفقرات تثير كذلك أسئلة على قول الكنائس إن يسوع هو المخلص ونحن نراه هنا يطلب الخلاص من الرب كما رأيناه في الأناجيل يطلب الخلاص كي لا يصلب فإذا كان يسوع لا يستطيع أن يخلص نفسه فكيف سيخلص غيره؟!
وأخيراً أليس من الأفضل لأتباع الكنائس الطيبين أن يطلبوا الخلاص من الرب الذي يطلب يسوع نفسه الخلاص منه؟
تعبت من صراخي, يبس حلقي,
كلّت عيناي من انتظار الهي,
في هاتين الفقرتين نجد أن المتحدث يقول انه تعب من الصراخ وان حلقه يبس وعيناه كلت من انتظار إلهه, ولنفترض أن المزمور يتحدث عن يسوع كما تقول الكنائس فأقول إن كتبة الأناجيل كتبوا لنا أن يسوع صرخ وهو معلق على الصليب لإلهه فقال إلهي إلهي لماذا تركتني, باعتبار أن هذه الفقرات تتحدث عن هذا الموضوع ولكنهم لم يكتبوا لنا قصة تقول إن حلق يسوع يبس وان عينيه كلّتا من انتظار إلهه.
أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب,
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا بن زبدي في إنجيله وقال إنها تقصد يسوع:
- لو لم اكن قد عملت بينهم اعمالاً لم يعملها احد غيري لم تكن لهم خطيئة, واما الان فقد رأوا وابغضوني انا وأبي, لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم إنهم ابغضوني بلا سبب. (يوحنا15/25)
ومع هذا القول إلا أن يوحنا كتب سبباً لبغض اليهود ليسوع فقال:
- أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف,
فانك وأنت انسان تجعل نفسك الهاً. (يوحنا10/33)!!
حينئذ رددت الذي لم أخطفه,
وأما هذه الفقرة فالأناجيل لم تكتب لنا قصة مشابهة لها بل كتبوا قصة مغايرة لها بقوله إن الذين أعطيتني لم اهلك منه أحداً إلا ابن الهلاك يقصد يهوذا.
يا رب عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف,
وأما هذه الفقرة فلست ادري كيف ستجيب عنها الكنائس!
هل الرب يعرف حماقة يسوع؟
وهل يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر أحمق؟!
وهل حقاً أن ذنوب يسوع لا تخفى على الرب؟
أم هل كان يسوع يرتكب الذنوب وهو على الأرض؟
وما هي الذنوب التي ارتكبها يسوع احد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد؟
وهذه الأسئلة يجيب عليها يسوع وينفيها فيقول:
- من منكم يبكتني على خطية (يوحنا8/46)
فهو بهذا الجواب يقول انه لا يرتكب الذنوب مما يعني أن هذا المزمور لا يتحدث عنه!
لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود,
لا يخجل بي ملتمسوك يا إله اسرائيل,
وهاتان الفقرتان تتحدثان عن إله إسرائيل وانه لا يخز ولا يخجل بالمتحدث ملتمسو رب الجنود وإله إسرائيل.
وأنا كما قلت سأعتبر أن هذا المزمور يتحدث عن يسوع, فنحن نقرأ في الأناجيل أن تلاميذ يسوع هربوا من حوله ليلة إلقاء القبض عليه وأنكروا معرفتهم به وخاصة بطرس الذي لم يكتف بإنكار يسوع بل اتبعه باللعن حتى يثبت لمن سأله عن يسوع انه لا يعرفه فهل أكثر من هذا خزي وخجل!
فواقع حال التلاميذ يخالف ما تتحدث عنه الفقرتان.
لأني من أجلك احتملت العار,
غطّى الخجل وجهي,
هنا قد تقول الكنائس إن هذه الفقرات تتحدث عن وقت الصلب وأنا سأُجاريهم فيما يقولونه ولكنني أود أن اهمس في آذانهم أنهم لا يتحدثون عن إنسان عادي بل هم يقولون إن يسوع هو أحد الأقانيم الثلاثة والذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
فهل يؤمنون أن الأقانيم الثلاثة تحتمل العار والخجل من أجل الرب إله إسرائيل؟
وهنا أُكرر ما قلته سابقاً من أن الأقانيم الثلاثة الحالة في جسد يسوع لا علاقة لها بالرب خالق السموات والأرض سوى ما لباقي المخلوقات من علاقة العبودية والخضوع والترجي وفي هذا النص احتمال العار من أجله سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون.
كما أن الفقرة الأولى تتحدث عن احتمال المتحدث للعار من أجل إله إسرائيل وليس من أجل رفع خطيئة آدم وزوجه التي أورثاها لذريتهما كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
صرت أجنبياً عند اخوتي وغريباً عند بني امي,
هذه الفقرة أظن أن منها اخذ كتبة الأناجيل فكرة وجود إخوة ليسوع!
والأغرب من وجود إخوة ليسوع الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد, أن هؤلاء الإخوة لم يكونوا مؤمنين بأخيهم يسوع الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول الأناجيل!
لأن غيرة بيتك اكلتني,
هذه الفقرة أخذها يوحنا وكتبها في إنجيله خلال قصة دخول يسوع للهيكل وطرده للباعة, وهذا ما يؤكد اعتبار كتبة الأناجيل إن هذا النص يتحدث عن يسوع.
وتعييرات معيريك وقعت عليّ,
وابكيت بصومٍ نفسي فصار ذلك عاراً عليّ,
جعلت لباسي مِسحاً وصرتُ لهم مَثلاً يتكلم فيّ الجالسون في الباب واغانيُّ شرّابي المسكر,
هذه الفقرات تتحدث عن الاستهزاء والعار الذي وقع على المتكلم في هذا المزمور وهو هنا بحسب فهم كتبة الأناجيل والكنائس يسوع, وأنا لا أُريد التعليق على هذه الأمور التاريخية, ولكنني أود الحديث عن الفقرة التي تقول إن المتكلم أبكى نفسه بالصوم, فهذا القول يتناقض مع ما ذكرته الأناجيل من عدم صوم التلاميذ كما ذكر ذلك متّى ومرقس ولوقا:
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون,
فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العريس ان ينوحوا ما دام العريس معه, ولكن ستأتي أيام حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون. (متّى9/14-15) و(مرقس2/18-20) و(لوقا5/33-35)
فيسوع يقول إن بنو العريس لا يستطيعون أن ينوحوا ما دام العريس بينهم ولكن عندما يرتفع العريس فإنهم سيصومون, فإذا كان التلاميذ لا يصومون في زمن يسوع فهل كان العريس يصوم؟!
اما أنا فلك صلاتي يا رب في وقت رضى,
يا رب بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك,
في هذه الفقرات يقول يسوع باعتبار أن المزمور يتحدث عنه كما تقول الأناجيل والكنائس إن صلاته للرب, ويطلب منه بكثرة رحمته وبحق خلاصه أن يستجيب له.
فهل استجاب له والأناجيل كتبت إن يسوع أمضى الليلة الأخيرة وهو يصلي ويطلب أن يُنجى من الصلب والتلاميذ نيام؟!
الجواب كلا, لم يًستجب ليسوع على الرغم من صلاته طوال تلك الليلة حتى اندهش يسوع من عدم الاستجابة له فقال وهو معلق على الصليب ألوي ألوي لما شبقتني والذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب مرقس, وايلي ايلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب متّى!
نجني من الطين فلا أغرق , نجني من مبغضي ومن أعماق المياه,
وهنا أيضاً لم يكتب لنا كتبة الأناجيل التي كتبت بسوق من الروح المقدس قصة تقول إن يسوع غرق في الطين وأنه نجي من الغرق أو لم ينجو, كما أنهم لم يكتبوا لنا أي قصة تتحدث عن نجاته من أعماق المياه!
استجب لي يا رب لأن رحمتك صالحة,
ككثرة مراحمك التفت اليّ,
ولا تحجب وجهك عن عبدك,
لأن لي ضيقاً, استجب لي سريعاً,
بخصوص هذه الفقرات نجد أن الأناجيل تؤكد أن إله يسوع وربه لم يستجب له لا سريعاً ولا بطيئاً!
فإذا كان رب وإله يسوع لم يستجب لطلبه في نجاة نفسه فكيف يستطيع يسوع أن يُنجّي الناس الطيبين من أتباع الكنائس المختلفة؟
كما نلاحظ فقرة لا يفرح بها كتبة الأناجيل ولا تفرح بها الكنائس كذلك وهي قوله لا تحجب وجهك عن عبدك, فهذه الفقرة تدمر قوانين إيمان الكنائس القائلة بالأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
كما أنها تثير ظلال الشك على ما كتبه كتبة الأناجيل من أقوال على لسان بعض الأشخاص وبعض الشياطين وقالوا فيها إن يسوع ابن الإله, فالمتكلم هنا عبد الرب وليس ابن الرب!
فهل ستستجيب الكنائس وتقول إن يسوع هو عبد الرب كما في هذا المزمور الذي تقول انه يتحدث عن يسوع؟ آمين!
أم تصرّ على أن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر وبالتالي عليهم أن يعترفوا إن هذا المزمور لا يتكلم عن يسوع, وهذا سيرتب عليهم القول إن كل ما أخذ من هذا المزمور ونُسِب إلى يسوع كان خطأً, وان هذه الأخطاء كتبت تحت سمع وبصر الروح المقدس الذي تقول الكنائس عنه انه كان يسوقهم عند كتابة الأناجيل وكذلك سِفر أعمال الرسل الذي استشهد ببعض الفقرات من هذا المزمور وأضاف عليه فقرة ليست موجودة فيه وهي وليأخذ وظيفته آخر!
اقترب الى نفسي فكّها,
بسبب اعدائي افدني,
انت عرفت عاري وخزيي وخجلي,
قدّامك جميع مضايقيّ العار قد كسر قلبي فمرضت,
انتظرت رقّة فلم تكن ومعزين فلم اجد,
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم بالكلام, وهو كما تقول الكنائس انه يسوع, مخاطباً ربه إله إسرائيل بعد أن طلب منه أن لا يحجب وجهه عن عبده فيقول اقترب إلى نفسي وفُكّها, إن لم يكن بأي سبب فبسبب أعدائي فُكّها وافدني, لأنك عرفت عاري! وخزي! وخجلي!
وأعدائي ليسوا بعيداً عنك فهم قدامك!
العار قد كسر قلبي فمرضت, وانتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد.
ولم تخبرنا الأناجيل أي قصة عن مرض يسوع, وكيف تخبرنا وقوانين إيمان الكنائس تقول انه الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
وأما قوله انه انتظر المعزين ولم يجد فهذه من الفقرات الدالة على أن المزمور لا يتحدث عن يسوع, كما إن هذه الفقرات تلقي بظلال الشك على النصوص التي تتحدث عن إرسال يسوع للمعزي روح الحق الروح المقدس, لأنه إذا كان يسوع لم يجد معزياً لنفسه فكيف سيرسل المعزي لأتباع الكنائس الذي وعدهم به؟!
ويجعلون في طعامي علقماً,
وفي عطشي يسقونني خلاً,
الفقرة الثانية اقتبسها يوحنا في إنجيله بقوله: بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان,
وكان إناء موضوعاً مملوءً خلا فملئوا اسفنجة من الخل ووضعوها على زوفا وقدموها إلى فمه, فلما أخذ يسوع الخل قال قد أُكمل, ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا19/28-30)
ولكن يوحنا وغيره من كتبة الأناجيل لم يكتبوا لنا قصة تتحدث عن العلقم الذي جعلوه في طعام يسوع كي تكمل الكتب أم إن الطعام الذي فيه علقم لا تكمل به الكتب؟
أم إن يوحنا كان عنده علماً بالطعام الذي جعل فيه العلقم ولكنه لم يذكره وأخفاه من ضمن الأشياء الكثيرة التي أخفاها عن يسوع كما قال في آخر إنجيله:
- وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا21/25)
وقد انتبه كتبة الأناجيل الآخرين لوجود ذكر العلقم في هذه الفقرات ولكنهم لم يستطيعوا أن يكتبوا قصة تتحدث عن إطعام يسوع طعاماً فيه علقماً وهو معلق على الصليب فكتبوا أنهم سقوه خلاً ممزوجاً بمرارة قبل الصلب كما قال متّى:
- ولما أتوا إلى موضع يقال له جلجثة أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يُرد أن يشرب, ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها. (متّى27/33-35)
وأما مرقس فذكر أنهم أعطوا يسوع خمراً ممزوجاً بمرارة قبل الصلب. (مرقس15/22-23)
وأما لوقا فلم يكتب أي شيء عن العلقم أو المرّ الممزوج سواء بالخل أو الخمر, وأظن لأنه لم يقتنع أن الخمر أو الخل الممزوج بمرّ يمكن أن يكون طعاماً فأعرض عن ذكر القصة!
لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً,
لتُظلِم عيونهم عن البصر,
وقلقل متونهم دائماً,
صب عليهم سخطك وليدركهم حموّ غضبك,
هذه الفقرات وما فيها من دعوات شديدة على أعداء المتكلم كان يجب أن تكون من أهم الدلائل للكنائس وكتبة الأناجيل على أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع لان يسوع كما ذكر لوقا في إنجيله وهو معلق على الصليب قال يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا23/34)
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن,
هذه هي الفقرة التي استشهد بها لوقا على لسان بطرس في النص الذي يتحدث عن نهاية يهوذا.
كما نلاحظ أنها لا تتحدث عن إنسان واحد بل هذه الفقرة وفقرات المزمور كلها تتحدث عن جماعة من الناس!
فأين يهوذا في هذه الفقرات؟
كما انه لا يوجد ذكر لفقرة وليأخذ وظيفته آخر, فمن أين أتى بها لوقا؟
اجعل اثماً على اثمهم ولا يدخلون في بِرّك,
ليمحوا من سِفر الاحياء ومع الصديقين لا يكتبوا,
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم بالدعاء على أعدائه وهي دعوات واضحة وشديدة ولم يكتب أحد في الأناجيل إن يسوع دعا بها على أعدائه أو حتى دعا بها على يهوذا الذي تقول الكنائس انه قام بتسليم يسوع.
اما انا فمسكين وكئيب , خلاصك يا رب فليرفعني,
وهذه الفقرة تتحدث عن المتكلم فتقول انه مسكين وكئيب, وأظن أن ما كتب متّى ومرقس عن اكتئاب يسوع في الصلاة الأخيرة اقتبس من هذه الفقرة, ولا أريد مناقشة كيف يكون أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كئيباً أو حزيناً!
ولكن أرغب بالإشارة إلى أن هذا المتكلم يطلب الخلاص لنفسه من الرب, فإذا كان المخلص هو الرب فكيف تطلب الكنائس الخلاص من يسوع الذي يطلب من الرب الخلاص ولا يستطيع أن يُخلص نفسه؟!
أُسبح اسم الرب بتسبيح وأُعظمه بحمد,
فيستطاب عند الرب اكثر من ثور بقر ذي قرون واظلاف,
وفي هذه الفقرة يسبح المتكلم الرب ويعظمه ويحمده وأنا أجد نفسي مندفعة مع المتكلم فأسبح الرب وأعظمه واحمده وحده لا شريك له, الذي لا يخلص ولا ينجو أحد إلا بإذنه وحده سبحانه وتعالى عما يصفون ويشركون.
يرى ذاك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الرب,
لان الرب سامع للمساكين ولا يحتقر أسراه,
وفي هذه الفقرات يقول المتكلم إن تسبيح الرب وحده وتعظيمه وحمده هي حياة لقلوب الساعين لعبادة الرب فيفرحوا وتفرح قلوبهم لان الرب يسمع للمساكين ولا يحتقر عبيده.
ولكن الأناجيل تخبرنا أن الرب لم يستمع ليسوع وهو معلق على الصليب حتى صرخ على إلهه إلهي إلهي لماذا تركتني.
لماذا ترك الرب يسوع ولم يستجب له مع أن الرب يسمع للمساكين؟
تسبحه السموات والارض والبحار وكل ما يدبّ فيها,
في هذه الفقرة دليل على أن السموات والأرض وكل ما يدب فيها تسبح الرب, ولا يسعنا هنا إلا أن نقول سبحان خالق السموات والأرض الذي يسمع للمساكين ولا يترك عبيده يحتقرون ويجلدون ويعلقون على الصليب.
والفقرات الأخيرة في المزمور تتحدث عن بني إسرائيل وكيف أن الرب يخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك, ولم تخبرنا الأناجيل أن يسوع باعتباره أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد قد قام بتخليص صهيون أو انه بنى مدن يهوذا وأسكن اليهود فيها!
وحتى لو فكر أحدهم أن هذا قد يحدث عند عودة يسوع.
فأقول له انه لو عاد يسوع فلن يجد أحدا في الكنائس من اليهود بل هم جميعاً من غير اليهود.
فهل سيغير يسوع قوله انه لم يرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة؟
أم نقول إن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع؟
لان الرب يخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك ويرثونها,
ونسل عبيده يملكونها ومحبوا اسمه يسكنون فيها. (مزامير69/1-36)
كما هو ظاهر فان فقرة وليأخذ وظيفته آخر ليست موجودة ضمن هذا المزمور, فمن أين أخذ لوقا أو بطرس أو الروح المقدس هذه الفقرة؟
لنقرأ هذا النص:
- ووظيفته ليأخذها آخر. (مزامير109/8)
هذه هي الفقرة التي استشهد بها بطرس كما كتب لوقا في أعمال الرسل مساقاً بالروح المقدس عن نهاية يهوذا واختيار تلميذاً بديلاً عنه وأشهد عليها سكان أُورشليم!
ولكن كما هو ملاحظ أن هذه الفقرة في مزمور آخر غير ما أوحاه من أن الفقرتين في مزمور واحد, والآن لنتجاوز هذه المسألة ونقرأ المزمور الجديد لنرى إن كان ينطبق على يهوذا أم لا, فيما حاول لوقا أن يقول إن اختيار التلميذ البديل جاء بناء على هذه الفقرة.
- يا اله تسبيحي لا تسكت,
لأنه قد انفتح عليّ فم الشرير وفم الغشّ,
تكلموا معي بلسان كذب, بكلام بُغض,
يبدأ المتحدث في المزمور كما هو واضح بدعوة إلهه الذي يسبحه إلى عدم السكوت, وهذا يتعارض مع قوانين الإيمان للكنائس كلها إذ أنها تقول إن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد, وهذا المتكلم يدعو إلهه! ولو وافقنا قوانين الكنائس على ما تقول من أن يسوع تجسد في هيئة بشرية فهي لن تستطيع التخلص من تناقض هذا النص مع قوانينها التي تقول إنهم, أي الأقانيم الثلاثة, متساوون في المكانة والقدرة, فهنا المتكلم يدعو إلهه أن لا يسكت مما يدل على أن قدرة المدعو أكبر من قدرة الداعي فهما على أقل تقدير غير متساويان وهذا ليس بالأمر البسيط حتى تتجاهله قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب,
بدل محبتي يُخاصمونني,
أمّا أنا فصلاةٌ, وضعوا عليّ شرّاً بدل خير وبُغضاً بدل حبي,
في هذه الفقرات يقول المتحدث في المزمور إن الناس أحاطوا به وقاتلوه بلا سبب, ولم تذكر لنا الأناجيل أن اليهود قاتلوا يسوع, وان كتب يوحنا أن اليهود احتاطوا بيسوع وأظن انه أخذ الفكرة من هذه الفقرة كما كتب:
- فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق أنفسنا,
ان كنت انت المسيح فقل لنا جهراً. (يوحنا10/22-24)
والفرق كبير بين ما كتب يوحنا وما هو مكتوب في المزمور فيوحنا كتب أنهم احتاطوا بيسوع ليسألوه إن كان هو المسيح أم لا, والمزمور يتحدث عن إحاطة للمقاتلة.
كما إن الأناجيل لم تكتب لنا أن اليهود قاتلوا يسوع بلا سبب بل الأناجيل ذكرت السبب الذي من أجله قبضوا على يسوع وهو قوله عن نفسه أنه ابن الإله!
- أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله. (يوحنا19/7)
فأقم أنت عليه شريراً وليقف شيطان عن يمينه,
اذا حوكم فليخرج مذنباً, وصلاته فلتكن خطية,
لتكن أيامه قليلة, ووظيفته ليأخذها آخر,
نأتي الآن إلى الفقرة التي دمجها لوقا أو بطرس في الفقرة الموجودة في المزمور الآخر ليجد مبرراً لاختيار تلميذاً بدلاً من يهوذا وأشهد على ذلك كل سكان أُورشليم!
كما نلاحظ أن هذه الفقرات لا تنطبق على يهوذا بأي شكل من الأشكال, ولا أُريد القول أنها تنطبق على يسوع نفسه أكثر من يهوذا!
فيسوع حوكم وخرج مذنباً وصلاته لم تقبل لا في الليلة التي سبقت الصلب عندما كان تلاميذه يغطون في نوم عميق, ولا وهو ينادي ويصرخ إلى إلهه فيقول الوي الوي لما شبقتني أو ايلي ايلي لما تركتني, والتي تعني إلهي إلهي لماذا تركتني, وكانت أيام يسوع قليلة ولم يكمل رسالته وأمّا وظيفته فقد أوكلها للمعزي!
ومع كل هذا التشابه بين هذه الفقرات ويسوع إلا أنني لا أقول أنها تنطبق عليه, ولكنها بالتأكيد لا تنطبق على يهوذا وخاصة أننا نقرأ الاختلاف بين ما كتب لوقا على لسان بطرس وما كتبه متّى عن نهاية يهوذا.
وأظن أن لوقا لو كتب لنا قصة عن محاكمة تمت ليهوذا وأنه خرج مذنباً وقتل نتيجة للمحاكمة وأشهد على ذلك سكان أُورشليم لكان أقرب للتصديق بدلاً من أن يكتب لنا عن سقطة يهوذا التي سقطها على وجهه فانشق وسطه وانسكبت أحشاؤه كلها, وقام بدمج فقرتين من مزمورين مختلفين والقول إنهما من مزمور واحد وأشهد على ذلك سكان أُورشليم مع أن ما كتبه يتناقض مع ما كتبه متّى الذي كتب ما كتب وهو مسوق بالروح المقدس أيضاً كما تقول الكنائس.
ليكن بنوه أيتاماً وامرأته أرملة,
لِيَتُه بنوه تيهاناً ويستعطوا ويلتمسوا خبزاً من خِرَبهم,
ليصطد المرابي كل ماله ولينهب الغرباء تعبه,
لا يكن له باسط رحمة ولا يكن مُترأف على يتاماه,
لتنقرض ذريته, في الجيل القادم ليُمح اسمهم,
ليُذكر اثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أُمه,
لتكن أمام الرب دائماً وليقرض من الأرض ذكرهم,
وأما هذه الفقرات فهي على غرابتها إلا أن الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لم تذكر لنا أي قصة عنها وخاصة أخذ أموال يهوذا من قبل المرابي, أو نهب الغرباء تعبه!
وأما الفقرات الكثيرة والمليئة بالدعوات على ذلك الشخص فهي تتناقض مع ما كتبته الأناجيل عن يسوع وأنه غفر لليهود قائلاً:
- يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا23/34)
من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد انساناً مسكيناً وفقيراً والمنسحق القلب ليميته,
في هذه الفقرة يتحدث الرجل المتكلم في المزمور أن ذلك الرجل الشرير الذي دعا عليه, بأن تلك الدعوات قالها لأنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب!
لماذا دعا الرجل المتكلم على ذلك الإنسان؟
هل ليسلمه لليهود مقابل ثلاثين من الفضة؟
الجواب واضح كلا, لم يلعن الرجل المتكلم ذلك الشرير من أجل الفضة بل لأنه طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب.
فأين هذا مما تقوله الكنائس عن يهوذا أنه قام بالإبلاغ عن مكان يسوع وتسهيل عملية إلقاء القبض عليه؟
إن الكنائس من كثرة ما تقول من أن المزامير تتحدث عن يسوع تنسى, وفي أحيان كثيرة تنسينا نحن أيضاً, أن هذه المزامير هي في أكثرها لداؤد ونحن نعلم والكنائس تعلم أن شاول الملك, وهو أول من سُمي المسيح, قام بطرد داؤد وحاول قتله, فهذه الفقرات تنطبق على داؤد وشاول أكثر من يسوع لهذا السبب, وكذلك فهي تنطبق على داؤد لما في هذا المزمور من صفات تتناقض مع قوانين الإيمان التي كتبتها الكنائس كلها, فلا أظن أن الكنائس تقول إن من صفات الأقانيم الثلاثة الساكنة في جسد يسوع هي الفقر والذل وانسحاق القلب!
وأحب اللعنة فأتته ولم يُسرّ بالبركة فتباعدت عنه,
ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه في حشاه, وكزيت في عظامه,
لتكن له كثوب يتعطف به وكمنطقة يتمنطق بها دائماً,
في هذه الفقرات يعود المتكلم إلى لعن ذلك الشرير وهو ما لم تكتبه الأناجيل عن يسوع, لا بل إن يسوع عندما سأله يهوذا إن كان هو من يسلمه قال له أنت قلت!
هذه أُجرة مُبغضيّ من عند الرب وأُجرة المتكلمين شرّاً على نفسي,
أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك,
لأن رحمتك طيبة نجني,
في هذه الفقرات يبدأ المتكلم بالحديث عن نفسه فنجده يقول إن رحمة ربه طيبة ويطلب منه أن يُنجيه, والأناجيل تكتب أن يسوع ظل طوال الليل يدعو ولم يستجب له حتى انه صرخ وهو مُعلق على الخشبة الهي الهي لماذا تركتني.
فالكنائس هنا أمام ثلاث خيارات, أولها أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع وبالتالي عليهم القول أن لوقا أخطاً بالاستشهاد بهذه الفقرة والقول إنها تتحدث عن يهوذا.
والثاني أن تقول إن رحمة رب يسوع ليست طيبة ولهذا لم يُنجيه من الصلب.
وأخيراً أن يقولوا إن رحمة رب يسوع طيبة ولكن يسوع لا يستحقها لهذا فهو لم يُنجيه!
فاني فقير ومسكين أنا وقلبي مجروح في داخلي,
كظل عند ميله ذهبتُ,
انتفضت كجرادة,
وهذه الفقرات أتركها دون تعليق حتى يتأملها أتباع الكنائس الطيبين ويُقارنوها بما كتبت قوانين الإيمان عن يسوع, وخاصة وصف نفسه هنا أنه جرادة!
رُكبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن,
وأنا صرت عاراً عندهم, ينظرون اليّ وينغضون رؤوسهم,
أعني يا رب الهي,
وهذه الفقرات كسابقاتها ولكن هنا لا بد من طرح سؤال وهو لماذا لم يُعن إله يسوع وهو يصرخ ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني؟
هذا إذا كان يسوع إنسان فكيف إذا كان هو الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول الكنائس المختلفة!!
خلصني حسب رحمتك,
وليعلموا أن هذه هي يدك,
أنت يا رب فعلت هذا,
أما هم فيلعنون,
وأما أنت فتبارك,
قاموا وخرّوا,
أما عبدك فيفرح,
وهنا لا أُريد التوقف سوى عند الفقرة الأخيرة فهي تظهر بشكل واضح أن المتكلم هو عبد للرب وليس كما تقول الكنائس أنه يسوع وأنه الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
فإذا كان المتكلم عبد فكيف يستشهد لوقا على لسان بطرس أن هذا المزمور يُقصد به يسوع ويهوذا حتى أنه أشهد سكان أُورشليم على قصته مع أن متّى كتب قصة تخالف قصته؟!
ونهاية المزمور تنتهي بالصراخ بأعلى صوت أنها لا تتكلم عن يسوع لأن المتكلم يقول إن ربه يخلصه من محاولة القاضين عليه في حين أن الأناجيل تقول إن إله يسوع تركه على الصليب كي يصبح لعنة كما قال بولس, وكما تقول كل قوانين إيمان الكنائس!
ليلبس خُصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء,
أحمد الرب جداً بفمي وفي وسط كثيرين أُسبّحه, لأنه يقوم عن يمين المسكين ليُخلصه من القاضين على نفسه. (مزامير109/1-31)
من هذا الشرح للمزمورين نجد أنهما لا يتحدثان عن يسوع ولا عن يهوذا الاسخريوطي, بل نجد إن كتبة الأناجيل كانوا يأخذون نصوصاً من أسفار العهد القديم ويضعونها في قصص ليقولوا إن العهد القديم ذكر يسوع حتى لو اضطرهم الأمر أن يزيدوا فقرات أو يدمجوها من مزامير مختلفة حتى تتوافق مع القصص التي يكتبونها على الرغم من أن هذه النصوص تتعارض مع ما كتبه الآخرون, وهو ما أوقعهم في جميع التناقضات التي نقرأها في الأناجيل.
بعد هذا البحث المفصل عن شخصية يهوذا الاسخريوطي نجد أن الكثير من ظلال الشك تحوم حول حقيقة هذه الشخصية التي لم يستطع كتبة الأناجيل بنائها بشكل متناسق وصحيح, فضلاً عن إظهار صفات يسوع التي تصفه بها قوانين إيمان الكنائس المختلفة, أستطيع القول أن هذه الشخصية بحاجة الى إعادة البحث عن حقيقتها وخاصة أنه اكتشف إنجيل كتبه يهوذا الاسخريوطي واعتبر نفسه فيه أنه من أحب تلاميذ يسوع له.
فهل يعقل ان يفكر شخص بالقيام بتسليم احد الاقانيم الثلاثة ليصلب, وبحسب قانون ايمان الكنيسة الأرثوذكسية تسليم الاقانيم الثلاثة ليصلبوا وهو من تعمد بالروح المقدس وأُعطي معرفة أسرار مملكة السماء وبعد ذلك أُعطي المملكة نفسها, وهو شاهد كل تلك المعجزات التي عملها يسوع ومنها احياء الموتى وسمع كل اقوال يسوع, ثم يُسلم يسوع بثلاثين من الفضة بحسب رواية متّى وبفضة دون عدد بحسب الأناجيل الاخرى, وعندما يذكروا نهاية هذا الخائن يختلفوا هذا الاختلاف الشديد ويجمع بطرس او لوقا وبإشراف من الروح المقدس جملتين من مزمورين مختلفين كي يستطيع ان يختار تلميذاً بديلاً ليهوذا؟
وللاطلاع على المزيد من مواضيع الاناجيل ارجو التكرم بزيارة روابط المدونة
نادر عيسى
التعليقات (0)