يهود الخزر حقيقة ام خرافة
ردا على الشبهات والأباطيل والأشاعات البالية والمغرضة التي يطلقها صغار العقول الذين يروّجون لبدعة يهود الخزر، وزعمهم ان يهود اليوم من سلالة يهود الخزر
أولا لمحة عن الخزر
في كتابه "تاريخ يهود الخزر"، الذي تُرجم الى العربية وطُبع في دمشق عام 2005 ، يقول الباحث د.م. دنلوب، إن الخزر هم شعوب استوطنت حوض نهر قزوين، واعتنقت اليهودية في القرن التاسع الميلادي، وكلمة خزر مشتقة من جذر الفعل التركي " قز" ويعني التجوال والرحيل والبداوة، وبهذا يكون الخزر هم الأتراك البداة.
كان الخزر جزءا من الإمبراطورية التركية الغربية في آسيا الوسطى في حوالي منتصف القرن السادس الميلادي قبل أن تعتنق الشعوب التركية الإسلام، ولاحقا حصل الخرز على استقلال كامل، وأقاموا دولة خاصة بهم، وكانوا يقومون بهجرات وغارات باتجاه الشرق حتى وصلوا أوروبا الشرقية واستقروا فيها في القرن الحادي عشر الميلادي.
تتفق الدراسات العربية والعبرية على أن ملك الخزر اعتنق الديانة اليهودية في القرن الثامن للميلاد وتبعه بعض حاشيته، لكن الشعب الخزري كانت تنتشر بين فئاته الديانات الاسلامية والمسيحية الى جانب الديانات الوثنية. وكانت المساجد تنتشر في أرجاء مملكة الخزر الى جانب الكنائس المسيحية والمعابد الوثنية، كذلك المحكمة العليا كانت تتشكل من أعضاء من المسلمين والمسيحيين والوثنيين، واما السلطة العليا الممثلة بالملك (خاقان) والحاكم (خاقان بك) فكانت يهودية.
بدأت خلال القرن السابع الميلادي تفاعلات علاقات هذه الشعوب مع العرب المسلمين والتي شملت الحروب والصراعات والتنافس والتعاون والتبادل الثقافي والتجاري والنسب والمصاهرة، حتى تحولت هذه الشعوب مع الزمن إلى الإسلام ديانة واعتقادا أو ثقافة وانتماء وتحالفا مع بقائها على دياناتها الأصلية، وبخاصة اليهود الذين كانوا بعامة في حالة تقارب ديني وعسكري وثقافي مع المسلمين.
وقد وقعت حروب طويلة بين العرب والخزر تخللتها هدنات ومصالحات عدة، وتراوحت النتائج بين النصر والهزيمة للطرفين، ولكن العرب في النهاية دحروا الخزر واستولوا على معظم أقاليمهم وأنهوا دولهم المتعاقبة والمختلفة، وتحول الخزر إلى شعوب تعيش في ظل الدولة الإسلامية الواسعة المترامية الأطراف، وإن كانوا يتمتعون بقدر واسع من الحكم الذاتي والحريات الدينية والثقافية، وتحول معظمهم إلى الإسلام.
الخزر واليهودية
تشير المصادر العربية إلى أن ملك الخزر (الخاقان) اعتنق اليهودية وتبعه كثير من حاشيته في القرن السابع الميلادي، وبعضها يشير إلى ما بعد ذلك في فترة حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكان الخزر كما ذكر الاصطخري تتوزعهم الديانات المسيحية والإسلامية واليهودية وغيرها وإن كان ملكهم (خاقان الخزر) من اليهود، ولم تكن تعقد الخاقانية إلا لمن يعتقد اليهودية. وقد كانت دولة الخزر تديرها طبقة حاكمة من اليهود، وأما شعوبها فأغلبها من المسلمين والمسيحيين والوثنيين.
وقع الخزر تحت تأثير ثقافة الإسلام ومده الواسع فتحولوا عبر الزمن إلى الإسلام، وصارت بلاد الخزر أقاليم إسلامية، وكان مصير الخزر مثل مصير المغول والتتار الذين ظهروا فجأة قوة عسكرية اجتاحت العالم الإسلامي وأنشؤوا دولا قوية منيعة، ثم تهاوت بسرعة دون مواجهة وحروب عسكرية، وتحولت إلى جزء من دول العالم الإسلامي.
كان القرن العاشر الميلادي يمثل ذروة ازدهار وعنفوان الخزر، ومع مجيء القرن الثاني عشر الميلادي كان الخزر جزءا من الماضي والتاريخ.
يتضح مما سبق ان يهود الخزر شكلوا مجموعة قليلة من النخب الحاكمة في دولة الخزر، اختفوا عن مسرح التاريخ بعد زوال دولتهم، بينما الغالبية العظمى من شعب الخزر كان يدين بديانات أخرى غير اليهودية، ما يدحض المزاعم القائلة إن يهود اليوم هم أحفاد يهود الخزر.
لكن ثمة قطاعات من الباحثين العرب والأجانب ظلت تروج لفكرة اليهود الخزر وكونهم أسلاف يهود اليوم لحاجة في نفس يعقوب...
من هم المروجون
شهد القرن العاشر الميلادي تعصبا دينيا مذهبيا في العالم الاسلامي ووقعت ضغائن ومشاحنات، واتهم الكثير من علماء السنة والشيعة انهم من يهود الخزر المتسترين بالاسلام، وعلى سبيل المثال صدر منذ مدة كتاب أسماه مؤلفه: (لله ثم للتاريخ) لكاتبه الذي أسمى نفسه: السيد حسين الموسوي، يقول الكاتب: (إن منطقة طبرستان والمناطق المجاورة لها مليئة بيهود الخزر، وهؤلاء الطبرسيون هم من يهود الخزر المتسترين بالإسلام). وردّ عليه العالم علي آل محسن في كتابه: (لله وللحقيقة)، يقول: (وهنا نسأل الكاتب: هل محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير وغيره من أهل السنة من أهل طبرستان هم أيضاً من يهود الخزر الذين تستَّروا بالإسلام واندسوا بين المسلمين؟! نفهم من هذا المثال وأمثلة أخرى كثيرة انه شاع بين المسلمين مغالطات مفادها ان شعب الخزر وطبرستان كان ينتشر بينهم يهود متسترون بالاسلام، لكن الثابت تاريخيا، وهذا ما أيّده علماء المسلمين الذين قاموا بتقصي هذه الحقائق، ان غالبية شعب الخزر كان من المسلمين والمسيحيين والوثنيين، فيما اقتصرت اليهودية على النخب الحاكمة.
في منتصف القرن الثامن الميلادي تظاهر خاقان الخزر وكبار قياداته باعتناق اليهودية لأسباب اعتبرت تكتيكية أكثر منها دينية ليكونوا بمنأى عن الصراع الدائر بين القوتين العظمتين ـ الإسلامية والبيزنطية ـ آنذاك ، حيث إستطاع الخزر تكوين شبه امبراطورية تخصهم في منطقة القفقاز. ومع زوال دولة الخزر عاد أحفاد هؤلاء الى ديانتهم الأصلية واختفى غالبية ما يسمى بيهود الخزر.
من الغريب ان المروجين لاسطورة اليهود الخزر يستشهدون بأقوال المفكر اليهودي الهنغاري الأصل أرتور كستلر، الذي ألّف كتابا بعنوان "السبط الثالث عشر" ذكر فيه إن اليهود الأشكناز يعود أصلهم الى يهود الخزر. فقد كان كتاب كستلر موجها الى المثقفين الاوروبيين وكان يحاول من خلاله ان يخفف من حدة عداوة الغرب لليهود، قائلا لهم إن يهود اوروبا ليسوا من أحفاد بني اسرائيل الذين يتهمهم العالم المسيحي بقتل المسيح بل هم اوروبيون اعتنقوا الديانة اليهودية، لكن السحر انقلب على الساحر، فقد تُرجم كتابه الى لغات العالم واستخدمه المعادون للصهيونية لترويج مزاعمهم بأن يهود اليوم ليسوا من نسل العبرانيين القدامى وعليه يسقط حقهم في ارض اسرائيل. لكن الأبحاث الوراثية اليوم تثبت بشكل لا يدع مجالا للشك ان اليهود على جميع طوائفهم ينتمون الى سلالة واحدة ولا يمتون بصلة قرابة الى الخزر الا في حالات نادرة نتجت بفعل المصاهرة. وقد اعترف كستلر بخطأه الفادح بعد ما شاهد من استخدام كتابه للتشكيك بأحقية اليهود في أرض اسرائيل، علما ان كستلر كان من دعاة الصهيونية والعودة الى ارض اسرائيل، كما شغل منصب مساعد لزئيف جبوتنسكي أحد زعماء الحركة الصهيونية.
يستغل العديد من الكتاب العرب أسطورة يهود الخزر لأسباب سياسية هدفها الطعن في اسرائيل، فهذا الدكتور السوري نضال الصالح ـ دكتوراة في علم الصيدلة- دكتوراة في علم الأدوية
صدر له كتابان عن القضية الفلسطينية و الصراع العربي الصهيوني. والطريف ان الصالح الخبير في علم الأدوية تحول بين ليلة وضحاها الى عالم في التاريخ والأنساب والسلالات؟! فنراه يحاول جاهدا بشتى أساليب التلفيق والافتراءات والأكاذيب ان يثبت ان بني اسرائيل هم شعب وهمي، وان يهود اليوم هم في غالبيتهم من نسل يهود الخزر، ضاربا بعرض الحائط الآيات القرآنية وما أكثرها التي تتحدث عن بني اسرائيل. لقد انبرى المدعو الصالح وأمثاله لخدمة مواقفهم السياسية مسخرين كل طاقاتهم ومستغلين السذج وصغار العقول للترويج لأباطيلهم وتخاريفهم.
المعهد العربي الامريكي أجرى بحثا عام 1996 ووصل الى نتيجة مفادها ان غالبية يهود شرق اوروبا هم أحفاد يهود الخزر! وما الغرابة في ذلك اذا كان المعهد يُدار من قبل عرب وأمريكيين معروفين بعداوتهم لاسرائيل؟!
دراسات تدحض اسطورة يهود الخزر
نشر الباحث يعقوب رايزين خلال العام 1913 كتابا بعنوان "المذاهب اليهودية الفقهية في روسيا" يقول إن يهود روسيا الأوائل هم من أصول سامية، وقد ازداد عددهم بعد تصاهرهم مع بعض يهود الخزر ابان القرن الثامن الميلادي. ويضيف انه خلال القرن الحادي عشر حصلت هجرات يهودية من غرب اوروبا باتجاه مملكة الخزر والتحموا بالمجتمع اليهودي الذي تشكّل في فترات سابقة.
الباحث المعروف برنارد لويس دحض في كتابه "الساميون واللاساميون" ما يشاع حول الأصول الخزرية ليهود بولندا.
الباحث مئير فينبرغ أجرى دراسة شاملة حول يهود شرق اوروبا ونشر كتابا في هذا الصدد عام 1986 ، وقد خلص الى نتيجة مفادها ان يهود شرق اوروبا تعود جذورهم الى مهجرين يهود من ارض اسرائيل وصلوا الى اوروبا بعد لجوئهم الى بيزنطة المسيحية وبابل الاسلامية، وانضم اليهم مهجرون يهود فروا من محاكم التفتيش في الأندلس، وتصاهروا مع يهود اشكناز يتحدثون لغة الايديش ويهود من الخزر. كما حصل تصاهر بين يهود من أصول سامية مع يهود من الخزر مشكلين معا الجالية اليهودية في هنغاريا.
الباحث ألان بروك أصدر كتابا عام 1999 بعنوان "يهود الخزر" هو ثمرة بحث علمي اعتمد فيه على وثائق وحفريات أجريت مؤخرا في بلاد الخزر، وخلص الى نتيجة مفادها ان نسبة يهود الخزر بين يهود شرق اوروبا ضئيلة بالمقارنة مع نسبة اليهود الساميين.
نيكولاس دي لانغ الباحث في جغرافيا العالم اليهودي، أصدر خريطة عام 1986 يصف فيها مملكة الخزر، مؤكدا ان انتشار الديانة اليهودية في مملكة الخزر اقتصر على النخب الحاكمة، بينما السواد الأعظم من الشعب الخزري كان من المسلمين والمسيحيين والوثنيين. ويستشهد لانغ على أقواله قائلا إن المركز الديني اليهودي في بابل (العراق) لم يعر أهمية لامبراطورية الخزر لعلمه ان الديانة اليهودية هناك لا تتعدى النخب الحاكمة التي اعتنقت اليهودية لأسباب سياسية بحته ولم تحسن يهوديتها.
الأبحاث الجينية الحديثة التي أجراها مركز الأبحاث العالمي للشيفرة الوراثية بيّنت ان عدد اليهود الاشكناز الذين يحملون جينات خزرية هم قلة قليلة فيما الغالبية وصلوا الى شرق اوروبا من ايطاليا واسبانيا والبرتغال وغرب اوروبا التي كانت تسكنها مجموعات يهودية من أصول سامية.
هذا وأجرى علماء اللغات والأسماء أبحاثا مماثلة واستنتجوا ان أسماء يهودية عديدة، على سبيل المثال "كوهين" الذي يدل على الانتماء لعائلة كهنة يهود، تنتشر بين اليهود السفاراديم والأشكناز على حد سواء.
علماء يهود وغربيون في علم اللسان وجدوا ان المفردات الخزرية تكاد تكون مفقودة من لغة الايديش واللهجات العبرية الاوروبية الأخرى.
حتى الأمراض الوراثية التي كانت تنتشر بين يهود اوروبا تشير الى المصدر الآسيوي لهذه الأمراض.
تشير الأحصائيات الى ان عدد اليهود الذين طُردوا من انكلترا عام 1290 بلغ 000 16 ، بينما عدد اليهود المهجرين من فرنسا عام 1306 بلغ 000 100 يهودي، واما عدد اليهود المهجرين من اسبانيا عام 1492 بلغ 000 250 يهودي. واستقر معظم هؤلاء في شرق اوروبا، علما ان يهود انكلترا وفرنسا والأندلس هم يهود ساميون ينحدرون من أصول شرق أوسطية، هاجر معظمهم خلال القرون الاولى للميلاد من ارض اسرائيل ابان الحكم الروماني. معلوم ايضا ان الهجرات اليهودية من غرب اوروبا الى شرق اوروبا بدأت خلال القرن العاشر الميلادي بفعل التضييقات والقيود التي فرضت على اليهود في دول غرب اوروبا. فقد تم تهجير يهود ألمانيا ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر، وهُجر يهود النمسا عام 1421 ، ويهود سويسرا عام 1490 ، ويهود ايطاليا عام 1293 وعام 1510 ، ويهود البرتغال عام 1497 ، وفر الكثير من اليهود الى شرق اوروبا ابان الحملات الصليبية، وتم استيعاب اليهود في دول شرق اوروبا التي كانت تحتاجهم لخبرتهم التجارية.
كما دلت بعض الأبحاث الجينية أن أصل اليهود القدامى ينحدر من مناطق شمال غرب العراق، حيث نزحوا الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط في عصور ما قبل التاريخ.
التعليقات (0)