مواضيع اليوم

يمامات راحلة

عوني عارف ظاهر

2013-03-29 15:00:33

0

 

 

يمامات راحلة
بقلم الاستاذ الصديق: عمر عبد الرحمن نمر

 

 

 

 

 

في الرحلة المطلقة، كان لقاء واحد.. ووداع أخير.. في اللقاء يمامات ترفرف بأجنحتها.. تجتاج حرارة القيظ.. ولقاء ممتد في حنين حلقة صوفية... فيها صفاء وطهر.. ويمتد في طيب ماء زمزم.. وسحابة تنجز الخير.. والغيث، وقبلات الأهل..
في مدينة رسول الله.. ذرفوا الدموع في اللقاء.. دموع تسمو على الدماء.. فيها المحبة والعطاء.. ولقاء محمد صلى الله عليه وسلم.. صلّوا في الدوحة الشريفة.. وتذكروا لوحات فيها أحبتهم.. يسبحون الله.. زاروا البقيع..
آهٍ من موت يتسلل الينا.. قَدَرٌ يحكم قيوده حولنا.. ويهصرنا حيناً... ليعانقنا حيناً آخر.. يخطف أرواحنا.. مهجنا.. ورودنا.. وتصبح الهدايا دموعاً.. في آهات الغور.. وغيثاً في سماء الغور.. وعطراً..
في مكة المكرمة.. فاضت العيون.. تلجلجت الشفاه.. واضطربت القلوب المؤمنة.. مكة صلاة على سيد الأولين والآخرين وعلى آل محمد.. وصلاة على أبينا ابراهيم.. وعلى الذبيح.. في مكة تتجلى قصة الذبيحين.. والتضحية والفداء.. والبشرى.. واليمامات ترفرف بأجنحتها.. وتنتظر الموت في طيات الزمن.. كم هو قاسٍ أن تنظر إلى وردة تسقط أوراقها الواحدة تلو الأخرى.. وترثي نفسها.. قبل سقوط الورقة الأخيرة.. 
قبلوا الحجر الأسود، في تزاحم الأرواح.. طافوا بالبيت العتيق.. ونظراتهم تتلاقى حول موعد الرحلة.. وصور الحافلات تنهب الطرقات... وسعوا بين الصفا والمروة.. والموت يسعى بين ايديهم.. يريدهم في أثوابهم البيضاء المغسولة.. من درن الحياة والخطايا.. وقد خلعوا أوزارهم.. وحملوا هداياهم والحناء.. هل ضمخت تربة الغور بعطر الشهادة؟؟.. وهل احتفى فضاء الغور.. بحرارة الأرواح الملتهبة..أرواح تشع نوراً.. شرقاً.. وغرباً.. 
بين الحد والحد.. كان ناسك يتلو آيات الله.. في صومعة الغور بعطرها الحار.. وكانت لحظات سجوده مبللة.. بدموع الوجد.. والهدايا والحناء.. تستغيث كل عبّاد الله..
بين الموت والموت.. تضاريس يمشيها عشاق الله على الأرض.. جبال قائمة تصلي.. وتلال راكعة تسبح، وسهول لا تسجد الا لله.. وجباه تسجد في السهول لله.. وفكروا في جموع المهنئين.. والشمس قاب قوسين أو أدنى من موت رقيق..
فاطمة.. نبضات قلبها تعد الساعات.. والدقائق.. وتطل من شباك غرفتها.. كلما شعرت بقبلات الحنون تقترب منها.. إنها تسمعه، تسمع وشوشات الحنان الحجازية.. وتتلمس حرارة دموعه.. وحلاوة ابتسامته.. 
فاطمة.. كانت تحلم بأقراط ذهبية.. وحناء.. وأساور حجازية.. وخاتم يلمع في الشمس.. وحنان.. والشمس قاب قوسين أو أدنى من موت رقيق.. والشمس تطبع دفأها على قطع من هدايا متناثرة.. والغور ما زال يحتضن التابوت.. المنبعث من عقاله.. 
ارجعوا للخلف.. قال قائد القافلة.. بسم الله.. أشهد أن لا اله الا الله.. تشهدوا.. والموت يحوم.. ويحوم... لقد فقد البعير سامره.. وأصبح يخب بلا هدى..
في آبار علي.. غسلوا كل الألوان.. والأبيض لا يليق الا بهم.. فهو طوافهم المحلق بين الهدى والتقوى.. وطهرهم في حياتهم... وموتهم..
في مجاز الزمن، استعاروا الخطا.. لِمَ يقتلهم حنينهم لكل التفاصيل ولكل الأسماء؟؟.. اسم واحد.. فقوعة... تزينت بأطياف ايمانية.. وفارسها تزين في أزهى حلله.. حلة من تقوى نسجتها أيادٍ متوضئة في سيلة بني حارث.. وحلة تضاحك المآذن في سهول كفر ذان العتيقة.. وحلة من بياض الثلج.. والمسابح بالمئات مزروعة في مهرون، وأم القصب.. وقطوف التمر.. ترويها زمزم.. في جنة الدنيا جنين..
سعدى.. قصت جديلتها الطويلة.. في مجاز الزمن، ونامت نومة عفوية، هادئة، على سرير خشبي.. باركتها طيور السماء وهي تحلق حول هداياها الحجازية.. وفي ثوب الاحرام.. الناصع يلتقي شيخ جليل صالح جموع المستقبلين.. فرادا.. وزرافات.. رجالاً ونساءً، وعلى كل ضامر.. اتوا مهللين مكبرين، وهو يحمد الله على ما أتاه..
في شهادتها اليانعة.. تقول دموع الصغيرة.. أمي.. ودعت كل الجارات.. وسقت كل أزهار الحديقة.. ونوت الصيام..
وقال طفل يحلم بالسعادة: جدي لم يمت، ذهب بعيداً.. بعيداً.. خلف السياج، ليشتري لي الحلوى والقبلات.. 
وفي لحظة.. أيقنت شجرات البلابل، أنها ستعيش وحدتها.. وستبقى وحيدة.. لأن البلابل ستهجر المكان.. وترتحل مع الموت..
الجهات.. ناحت، من كل جهة ينوح مكان.. الحفلة الكبرى تناثرت فيها مواويل النشيج، وفناجين قهوة باكية.. وحبات تمر حجازية تندب حظها..
ربِ.. أتوك طائعين.. تائبين.. معتمرين.. 
ربِ .. انهم ضيوفك.. فارحمهم.. ربِ.. أنت أرحم الراحمين..

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات