يقولون ما لا يفعلون.
الهوة بين القول و الفعل في المجتمعات الإسلامية على العموم عميقة إلى حد كبير. وهي مشكلة حقيقية تختزل كثيرا من التردي الذي نعيشه في كل مناحي الحياة. حيث الكلام المعسول و المحاباة و النفاق خصائص تكاد تكون مطبوعة في النفوس. والمفارقة أنك تجد الجميع يتغنى بنفس الموال، ويؤكد على ضرورة تخليق الحياة العامة، و تكريس ثقافة الشفافية في تسيير الشأن العام، و الضرب بيد من حديد على المخالفين للقوانين والأنظمة... لكن التطبيق أمر مختلف تماما. إذ تظل كل الشعارات مجرد كلام في الهواء يطلق على عواهنه من باب الحماسة الخطابية و الظهور بمظهر الورع و التقوى أمام الناس.
هذا التباعد بين القول و الفعل هو ثقافة اجتماعية تشكل جزءا من النسيج التربوي العام. حيث أصبح الأمر مألوفا ومعتادا بين أوساط المجتمع. وقد نسمع الإدانات من هنا وهناك، ولكنها لا تعدو أن تكون تصفية حسابات شخصية على الأرجح. أما الحقيقة فهي عكس ما ينطقه اللسان تماما. وهذا ما يظهر بجلاء على أعلى المستويات في البلاد (العربية). حيث يجتمع القادة و يصدرون القرارات تلو القرارات التي تتراكم قمة بعد أخرى. لكن لا شيء من ذلك يتحول إلى حقيقة واقعية وملموسة. و يعيش المواطنون البسطاء نفس السيناريو فيما يتعلق بأمورهم اليومية في ارتباطهم بالإدارات المحلية وتسيير شؤونهم العامة. و هكذا يأتيهم في مواسم الإنتخابات من يتقن فنون البلاغة و يعلو صوته بالصراخ حاملا كل الوعود بتحويل حياتهم إلى نعيم. وبعد أن يكسب ودهم و يحصل على أصواتهم و يحقق مراده بالوصول إلى مناصب القرار يغيب عنهم، ولا يجدون له أثرا إلى أن تحين جولة انتخابية جديدة. والغريب في الأمر أن اللعبة تنطلي عليهم ثانية وثالثة... و كأنهم فقدوا كل أمل في التغيير و اختارو أن يمكنوا للمفسدين في تقرير مصائرهم في ظل غياب المساءلة و الفصل بين السلط.
إن الذي يشجع هذا النزوع الجماعي نحو تغليب المنطق الخاص ( المصلحة الخاصة) على المنطق العام ( المصلحة العامة) هو الواقع الإجتماعي السائد نفسه، ولا يمكن أن نتحدث عن الحاكمية و الديموقراطية وحقوق الإنسان إلا إذا تحولت هذه المبادئ إلى ممارسة عملية يتلقاها الأفراد عبر أدوات و مراحل التنشئة الإجتماعية و يؤمنون بها في إطار علاقاتهم اليومية. لذلك ليس غريبا أن لا تتحول الأقوال إلى أفعال في ظل مجتمع لا يجد المرء فيه أية مشكلة في إطلاق العنان للسانه أو قلمه ليقول ما يشاء، لكنه أول شخص يخالف تلك الأقوال و لا يعمل بها. و كثير من الناس ينطبق عليهم حقا قول الشاعر:
لا تنه عن خلق و تاتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم..
التعليقات (0)