مدخل:
أنا السبب
في كل ما جرى لكم
يا أيها العرب
سلبتُكم أنهارَكم
والتينَ والزيتونَ والعنبْ .
أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم
وعِرضَكم ، وكلَّ غالٍ عندكم
أنا الذي طردتُكم
من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ .
والقدسُ ، في ضياعها ، كنتُ أنا السبب
نعم أنا .. أنا السبب .
أنا الذي لمَّا أتيتُ : المسجدُ الأقصى ذهبْ .
أنا الذي أمرتُ جيشي ، في الحروب كلها
بالانسحاب فانسحبْ .
أنا الذي هزمتُكم
أنا الذي شردتُكم
وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ .
أنا الذي كنتُ أقول للذي
يفتح منكم فمَهُ :
" شَتْ ابْ " !
نعم أنا .. أنا السبب
في كل ما جرى لكم يا أيها العرب
وكلُّ من قال لكم ، غير الذي أقولهُ ،
فقد كَذَبْ .
فمن لأرضكم سلبْ .؟!
ومن لمالكم نَهبْ .؟!
ومن سوايَ مثلما اغتصبتكم قد اغتَصبْ .؟!
أقولها صريحةً ،
بكل ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ ،
وقلةٍ في الذوق والأدبْ .
أنا الذي أخذتُ منكم كل ما هبَّ ودبْ .
ولا أخاف أحداً ، ألستُ رغم أنفكم
أنا الزعيمُ المنتخَبْ .!؟
لم ينتخبني أحدٌ لكنني
إذا طلبتُ منكمو
في ذات يوم ، طلباً
هل يستطيعٌ واحدٌ
أن يرفض الطلبْ .؟!
أشنقهُ ، أقتلهُ ،
أجعلهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ .
احمد مطر
إن التاريخ لا يعيد نفسه بشكل كربوني ربما تتغير الوسائل لتحقيق هدف استراتيجي قديم كأطماع الدول الاستعمارية في القرنين الماضيين في خيرات دول العالم الثالث (المياه ـ النفط ـ الموارد البشرية) فقد كانت الوسيلة آنذاك دخول القوات الغازية للدول المعنية وتأمين مصالحها فيها ولكن في ظل الوعي الوطني والالتزام الحدودي والتعلق الإرثي بالأرض وحب ترابها جعل إمكانية الغزو المباشر غير مأمونة العواقب في ظل الوضع الدولي الراهن ودونكم (غزو العراق) فلم تحقق الولايات المتحدة ما كانت تصبو إليه بل تبحث عن طريقة للخروج من المأزق العراقي. لقد اصبح التدخل الأجنبي من أبواب أخرى أكثر تأثيراً وفاعلية وتحقيقاً لمصالح الغرب كالتدخل الاقتصادي (العولمة الاقتصادية) والتدخل السياسي والإنساني (الشرعية الدولية) والتدخل الثقافي (ثورة الاتصالات والإنترنت والمواصلات) والتدخل العسكري والحرب بالوكالة فتم الترحيب بكل هذه التدخلات بشكل رسمي وشعبي فانتشرت ثقافة الجنس والأغاني الراقصة الفاضحة عبر القنوات الفضائية التي تدار بالريموت في أقصى بقاع الأرض وكذلك رسائل الموبايلات وتهريب وغسيل الأموال وتفاقم مشكلة الفقر والعطالة والتلوث البيئى وتفشي العمالة الأجنبية والاستثمار الخارجي على حساب المستثمرين المحليين وظهور الإرهاب والتطرف ..انتشرت كل هذه المصائب في ظل غياب الدولة الديمقراطية ذات المشاركة السياسية وفي ظل غياب التكتل العربي والوحدة العربية الذي يحمي المواطن من المخاطر الخارجية ،وهذا لا يعني أن ليس هناك ايجابيات لهذا الانفتاح. هذه ليست دعوة للانغلاق والتقوقع ولكنها دعوة للانفتاح الراشد المحافظ على الذات الحضارية والمستوعب للعصر والتطور وفق منهج ورؤية عقلانية تميّز بين الاستلابي والانكفائي وتحدّد المصلحة في ذلك. ولكن الملاحظ أن الدول العربية انفتحت لدرجة الثمالة فصارت لا تقبل إلا ما هو أجنبي لدرجة أن في المملكة العربية السعودية والخليج يوظفون المهندس الأمريكي بضعف أجرالمهندس العربي بذات الكفاءة والخبرة مما جعل كثيراً من العرب يلجؤون للتجنس (استخراج الجنسية الأمريكية) لكي يعاملوا معاملة الأمريكان.
أما على المستوى السياسي فقد صار الاستنجاد والركون للأجنبي سمة للحكومات العربية وما أكثر الصفقات الأمريكية في المنطقة! وأكاد أجزم أن ليس هناك قرار سياسي عربي واحد لم يمر عبر البيت الأبيض قبل صدوره بل إن هنالك بعض الدول تتباهى بذلك والشاهد أن أي مفاضات أو لجان وساطة سوى كانت في السودان أو العراق أو لبنان أوفلسطين والصومال تحت رعاية الولايات المتحدة أو حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي باختصار فإن الأنظمة العربية قد ضيعت السيادة الوطنية. فمن الذي سمح للأجنبي بالتدخل في بلداننا؟ الإجابة :الحكام ومن الذي جاء بهؤلاء الحكام؟ الأجنبي فالعلاقة تبادلية منفعية ولصدقية هذه الإجابات فمن من هؤلاء الحكام انتخب من قبل شعبه؟ إذاً هنالك تحالف استراتيجي بين الدول الاستعمارية والحكام في المنطقة هذا التحالف مبني على مصلحة الدول الغربية ومصالح ذاتية ضيقة للأسر الحاكمة في المنطقة وليس لأوطانهم. هذا التحالف يغذي بعضه البعض، فقد أدركت الدول الاستعمارية أن الأنظمة الدكتاتورية تحقق لها ما تريد لعدم مساءلتها ولانعدام الشرعية والتفويض من شعوبها وقهرها لشعبها وهذه (الأنظمة الدكتاتورية) تعتمد على الدول الاستعمارية في اكتساب الشرعية البديلة للاعتراف بها وحمايتها من معارضييها وقد انكوت الشعوب بنيران هذا التحالف البغيض وانعكس ذلك في انتشار الفقر والفاقة والعطالة وغياب المحاسبة والضمير وتفشي الفساد وكبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وغياب القانون وسيادة قوانين الغاب وبيع مشاريع الرعاية الاجتماعية بدعاوى الخصخصة وانتشار الأمراض الخطيرة.
هذا الواقع المرير في ظل أنظمة فاقدة للإرادة السياسية والشرعية وقامعة للشعب وتحت عرش ما يعرف بالجامعة العربية التي لم تفلح في تنفيذ (10%) من أهدافها فما زالت الإشكالات العربية العصية ماثلة لم تبارح مكانها في لبنان والعراق وسوريا واليمن والسودان وفلسطين والصومال والقائمة تطول.فأصبحت جامعة الدول العربية تمثل حكومات الدول العربية بعيداً عن الشعوب ومنظمات المجتمع المدني مما أفقدها دورها المنوط بها، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في ميثاقها ونظامها الأساسي وسياساتها. حتى تكون جامعة للدول العربية حقيقة تمثل مثلث الدولة وتعبر عن الشعوب ويتم الانتخاب لها وتعمل وفق أجندة مشتركة وتغيير الشكل الباهت لمؤسساتها.
إن الأنظمة العربية الحالية قد آلت على نفسها دفع مستحقات الغزو الخارجي (الوكالة) وقدمت كل أوجه التعاون عياناً بياناً. مع وجود بعض من الأشكال الديكورية كالتبجح بالسيادة والمشاكسة والرفض للقرارات الدولية والعداء الظاهري والاحتجاج العلني وبالمقابل ترديد كلمة (سمعاً وطاعة) سرأً والركوع والخضوع لكل الأجندة الأجنبية.
فقد أدرك المواطن العربي أن من وراء كل رفض قبولاً ولو بعد حين. ونحن نحاكم هذه الأنظمة المستبدة والسياسات الاستعمارية على المنطقة نستلهم ما يتعرض له الشعوب من ويلات العذاب وندرك أن المجتمعات الغربية على النقيض من حكوماتها ولديها وسائل لتغييرها وقد نجحت في أكثر من دولة، لذا يجب المناشدة والتنسيق مع هذه المجتمعات عبر منظماتها المدنية للضغط على حكوماتها للكف عن دعم الحكومات الشمولية في المنطقة . التحرك الشعبي للتخلص من كابوس الطغيان الداخلي الذي انتظم في تونس ومصر واثمر ثورة ضد الظلم والضيم فأصبحت موجة الرفض ويقظة الشعوب معلماً بارز للمستقبل المنطقة القادم . ولقد خلق تحالف ضمني وشعبي عريض عبر المنظمات الشبابية والاحزاب السياسية في المنطقة لوضع إطار سميك يؤثر في حركة التاريخ ويتجاوب مع الصالح ويلفظ الطالح ويؤمّن مصالح المجتمع من الغزاة والطغاة. نرى في الأفق ملامح ذلك الموج الهادر والسيل الجارف والتغيير القادم.
التعليقات (0)