- كان يسري فودة صحفيا استقصائيا لامعا في "الجزيرة".. هبط عليها قادما من فضائية الـ "بي بي سي" .. أسس فودة مع آخرين مكتبا في لندن، ثم برزت شهرته كصحفي حقق خبطات في برنامجه الشهير "سري للغاية"، خارج الاستديو كان أبرزها حلقاته عن الأسرى المصريين في السجون الإسرائيلية وقتلهم، ثم حلقاته عن القاعدة وبالتحديد لقاؤه مع رمزي بن الشيبة الذي قُبض عليه بعدها واقتيد إلى جوانتانامو، وأثيرت حول فودة شبهات حول دوره في تسليم الرجل للمخابرات الأمريكية، وإن نفت القاعدة بعد ذلك صلته بالأمر.
طوال فترة عمله في "الجزيرة"، كان يسرى مثله مثل بقية الطاقم، ممنوع عليه الاقتراب من الخطوط الحمراء القَطرية، فلا يتجرأ على مناقشة تورط النظام القَطري في استضافة قوات أمريكية تهاجم العراق من قاعدتين عسكريتين على أراضيها، ولا يتسامح أبدا مع عقله في فكرة الشرود حول مصير أمير قطر السابق الذي خلعه ابنه، وأطاح به، ولا عن محاولات النظام القطري شق الصف العربي وإقامة علاقات مع إسرائيل، وزيارات أميرها ووزير خارجيتها إلى الدولة العبرية والبقاء أيامًا على شواطئها.
بذل فودة مجهودا كبيرا، وفُتحت أمام برنامجه ميزانية مفتوحة بإشراف الأمير، تتوتر العلاقات مع النظام المصري فينتِج فيلما وثائقيا عن الأسرى المصريين، وكيف قتلوا في السجون العبرية، ليزيد الضغط الشعبي على النظام المصري، من أجل ثأر لا تتيحه الظروف الدولية ولا ميزان القوى الحالي..
يزور العراق لينتج فيلما وثائقيا آخر عن ضحايا الحصار، وبعدها بسنوات ليتقصى أثر قوافل الإرهاب من على الحدود إلى الداخل العراقي، يغسل سمعة قطر المشارِكة في العدوان، بسلسلة أعمال درامية تهز الوجدان، ومع الإعجاب بجرأة "الجزيرة" ومهنيتها؛ يتناسى الجميع دور نظامها السياسي.
ظل الوضع هكذا لسنوات، ثم تجمد فوده في قناته، وقد حكى جزءا من تفاصيل خلافاته في القناة قبيل إعلان قرار الاستقالة، حكاه في سلسلة مقالات مطولة في مطبوعة "اليوم السابع" وموقعها الإليكتروني، كانت مقالات مسلسلة تليق بحدث أعظم كحدث استقالته! ولفت فيها كيف تدخّل الأمير لحل المشاكل التي لم تحل!
بعد العودة من "التكية القطرية"، أراد فودة أن يشق لنفسه طريقا آخر، قدم برنامجا أسبوعيا على فضائية "أون تي في" لم ينجح عبره في الوصول إلى نجوم الصف الثالث في الإعلام المصري، وقد كان نجما أولَ في الإعلام الدولي.
ومثلما التزم طوال سنوات بعلاقة دافئة مع النظام القطري، غازل نظيره المصري لينعم بالدفء نفسه.. انقلب فجأة على القطريين بعد تغيير طبيعة خطوطه الحمراء.. فكتب مقالا صريحا بتاريخ 10-1-2010 في "المصري اليوم"، تذكر فيه أن قطر دولة صغيرة.. ومن العيب أن يقدِم رئيس دولة بحجم مصر ليهاتف أميرها من أجل السماح ببث مباريات كأس الأمم للمصريين بسعر مناسب.
قال فودة في مقاله المعنون بـ "مكالمة الأمير"، ما معناه أنها اللحظة المناسبة التي يتوكأ فيها أمير قطر على مقعده ليتشرّط على المصريين، ملمّحا أن صالح كامل باع حقوق البث بمبلغ خرافي وهو 5 مليارات ونصف المليار ريال، وأن القطريين وضعوا شروطا تعجيزية من أجل ألا تشتري مصر حقوق البث لمباريات يختارها القطريون بأنفسهم، ثم نقل عن أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري قوله إن السفير القطري بعث برسالة له تشير إلى إمكانية عرض الأمر على الأمير.. وهو المنطق الذي رفضه فودة مؤكدا أن "الهاكرز المصريون سيتكفلون بالأمر".
من بين ما قال في مقاله:" ورغم أننا من أكثر المتحمسين دائماً لتوطيد العلاقات العربية- العربية، خاصة فى هذا الزمن الحزين، فإن احتمال اضطرار زعيم عربى لدولة بحجم مصر إلى الوقوف على باب زعيم آخر لدولة بحجم قطر، مع احترامنا لأهلها وحبنا لهم، يثير فى النفس كثيراً من الشجون ويدعونا إلى مواجهة الواقع".
نعود فنقول لفودة: لماذا لم تظهر تلك الجرأة على القطريين، إلا بعد العودة الى القاهرة؟! سؤال من المفترض أن يجيب عليه يسري فوده
التعليقات (0)