قبل أيام أحسبها قليلة انتشرت بيننا شائعة غريبة انتشار الهم والحسرة في قلب مساهم وبدأت تتعرج وتتلوى كالأفعى في مجتمعنا وسرت كإخطبوط حتى وصلت في سيرها اللهثوي إلى هيئة إعلامية عالمية كالـ ( بي بي سي ) فأخذت تناقشها وكأنها قضية الساعة ألا وهي شائعة غلاء سعر ماكينات الخياطة ( سنجر ) وما صاحبها من هرج ومرج طبعاً كثير منا صدق الخبر ودافع عنه وكأنه معتقد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والبعض الآخر لم يتعجل التصديق حتى يقرن ذلك بمبرراته ودوافعه وعندما قيل له أن هناك زئبقاً أحمر داخل الماكينة وأنه السبب الرئيس في هذا الغلاء الفاحش صدق وسكت وانثبر ولم يسأل نفسه وإن كان بها زئبق أحمر فما مبرر غلائها .. المهم وكما يعرف الكثير بدأت الاتصالات ورسائل الجوال والإيميلات تنتشر بين الناس والكل يوصي الكل بألا يفرط في ماكينة جدته أو أمه فهي فرصة لا تُعوض ولعل الزمن لا يجود بغيرها ، أحدهم اتصل بي وسألني هل لدى الوالدة ماكينة خياطة قديمة قلت له خير ؟؟ فقال هي فرصة للحصول على ثروة طائلة لا تقل عن خمسين أو ستين ألف ريال قلت له كلام جميل كلام معقول ما أقدرش أقول حاجة عنه .. فهل تشتريها أنت بعشرة آلاف وتبيعها إن شاء الله بنصف مليون فسكت عن الكلام المباح والمستحب وكأنه فهم الرسالة .. ولكني أردفت .. يا صاحبي كبّر عقلك فبرأيي القاصر أن باستطاعة أي شخص اختبار عقولنا بمثل هذه الأشياء ولو فعلها فسيفشل معنا فشلا ذريعاً وسنسقط في هذا الامتحان حتماً وهذا ما حدث بالضبط .
استغربُ كثيرا ما الذي يدفع أناساً ذوي عقول لا بأس بها وليس في رأسهم حب ما طحن أن ينساقوا وراء أي خبر أو شائعة دون عرضها على ما كرمهم الله به من عقل على سائر مخلوقاته ، هنا تذكرتُ حدثاً محزناً فُجعتْ به قريتي الصغيرة قبل أسبوع بالضبط عندما بلغها خبر حادث مروري مؤسف على طريق الدمام الأحساء ذهب ضحيته شخص عزيز عليّ ومقربٌ مني يرحمه الله تعالى .. الأهم في الموضوع أن هذا العزيز كان ثاني اثنين لا ثالث لهما في سيارتهما عندما اصطدمت بسيارة أخرى في الطريق المقابل تقل شخصاً وزوجته وامرأةً وتوفوا جميعا .. فجاءني أحدهم بسيناريو كامل مفاده إن صديقك الراحل هو سائق السيارة وكان يقودها بسرعة كبيرة وقد حدثت له نوبة سكر كانت السبب في انحراف السيارة وانفلاتها للجهة المقابلة لتصطدم بالسيارة الأخرى وتحدث هذه المأساة الكبرى .. قلتُ هذا كلام جميل ولا اعتراض لي عليه ولكن ما أدراك بكل هذه التفاصيل وكل شهود الحادث توفوا إلى رحمة الله تعالى .. وفي جلسة جمعتنا ببعض الأخوة زاد أحدهم على كل ما تقدم أن شاحنةً تحمل زيتاً انقلبت فانسكب ما فيها من زيت على الأرض وأدت لحوادث كثيرة ضمنها حادث صديقنا المتقدم فمات ما يربو على خمسين شخصاً قلتُ له وهذه أعظم من تلك فتصور يا قرة العين أن محافظة كالأحساء توفي فيها خمسون شخصا في ساعة واحدة ماذا سيحل بها حتما ستنقلب رأساً على عقب وظهراً على بطن وستتناول وسائل الإعلام الحدث على أنه مجزرة مرورية وكل ذلك لم يحدث فأين عقلك .
لكن نعود إلى ما كنا فيه لنعتقد أن للزئبق الأحمر الراقد في ماكينات ( سنجر ) منذ قرن من الزمان سحراً لا يمكن مقاومته وأن مارده انطلق من قمقمه بعد أمةٍ ليملأ جيوبنا الخالية أموالاً ، وبالتالي سنترحم على مخترع هذا الماكينة المغفور له السيد سنجر على ما أغدقه على البشرية من عطاء لا ينفد وأن نعتبر الأسبوع الأول من أبريل عيداً قومياً نسميه عيد ( سنجر ) - كما اقترحت إحدى الأخوات في جريدة الوطن - وأن نصنع له طقوسا خاصة أولها أن نتذكر فيه جداتنا المنسيات وأمهاتنا الغاليات فهن أكثر فئة تحتكر هذه الماكينة السحرية - ولعل الله أراد بنا خيرا بانتشار هذه الشائعة حتى نبرّهن ونحسن إليهن فنحن بحاجة ماسة لهن وكيف لا وفي أيديهن ثروة لا تقاوم - فنُقبل أيديهن في هذا العيد ثُم نعرج زرافاتٍ وبعارين ووحداناً لنقرأ الفاتحة على روح المغفور له السيد سنجر ونرش على قبره قطرات من الزئبق الأحمر .. وبعد عودتنا من الجبّانة نهنئ بعضنا على ما مدّ الله في أعمارنا لنشهد هذا العيد وفي ختام اليوم نصطف طوابير القصير قدام والطويل الهبيلة ورا ونُنشد ( هابي بيرث داي سنجر .. ) وكل سنجر وأنتم بخير
التعليقات (0)