نشهد من وقت لآخر، سيما في الفترة الأخيرة، تغطيات إعلامية، للمتحولين الى الاسلام من ديانات أخرى، وتحديدا من المسيحية؛ وتزايد أعداد المسلمين، ونسبة تعدادهم، بالنسبة لتعداد سكان الدول المضيفة، سيما في الغرب وتحديدا بريطانيا. وتأخذ هذه التغطيات في بعض الأحيان، شكل أعراس وتبريكات وتبادل للتهاني..
لا يفهم من مقدمتي أي عداء لأي دين كان؛ لأن أولوياتي هي الهاجس الحضاري التنويري، واعادة تفعيل العقل العربي، بما هو جزء من نضالنا الوطني.. لكني أنظر الى الموضوع من منظار آخر، ووجهة نظر مختلفة، لم تأت من عبث ولا نتيجة مشاعر عدائية .. فالدين أولا وآخرا، هو شأن خاص بين الانسان والرب الذي يعبده، مهما كانت صفاته.
لم يتساءل أحد، بحدود علمي، عن الأسباب غير المعلنة، لتحوّل الكثيرين للدين الاسلامي. بل أن هدف الدعاة، هو حصد مزيد من الحسنات، تكون زادهم الى الجنة. وان نطق الشهادتين من " كافر" ولو لم تكن عن ايمان، تكفي لنيل تلك الحسنة.
أذكر أني كنت مرة في بلد عربي، وفي زيارة مسجد كبير ومشهور فيها. استوقفني رجل متدين متوسط العمر، وقد شاهد برفقتي بعض الأصدقاء الأجانب، كان يحمل بعض كتب الأدعية، كانت وسيلته لفتح نقاش معي، وللتخلص منه بهدوء، قلت له اننا مؤمنون والحمدلله.. فكان أن تحول الى متسوّل يرجوني أن أدع الصديق الأجنبي الذي كان الى جانبي، أن ينطق بالشهادتين فقط! وكان يلحّ بذات طريقة المتسولين لبعض القروش أو رغيف الخبز.. إن عمليات التغيير، أو تحويل المسار، أو التأثير خاصة في الأمور التي تتعلق بالمعتقدات الغيبية، انما تكون أجدى ، حين تأتي من الداخل.. ومن هنا تأتي عمليات التحول، ان لم تكن لمصلحة، فهي انما تكون لأسباب مستقبلية، لتخدم أهدافا معينة.. وان كان هذا الأمر لا ينطبق على الجميع، لأن التعيميم خطأ صارخ..
ظاهرة تكاثر الحركات السلفية، ذات المعتقدات الغريبة عن ثقافتنا التي سادت منذ وعينا على الأقل، لم تثر إهتمام أحد من الذين نصّبوا أنفسهم حماة للدين، وقاموا بتوزيع صكوك غفران لدخول الجنة، أو صكوك تجريم وتكفير تقود الى جهنم خالدة..
وأكثر تحديدا، هذه بعض الأمثلة.. عرفنا منذ ثمانينات القرن الماضي، بروز فريق سلفي، فرض نفسه بقوة على الساحة، في أكثر من بلد، ولكني أتكلم عن لبنان حيث عشت. مؤسس هذا الفريق غير عربي، وهذا ليس مهما ولا يشكل أي مشكلة، لكنه، كان قد تحوّل الى الاسلام منذ فترة طويلة، قبل انشائه لهذه الحركة.. وهذه بعض فتاويه أو تعليماته المقدسة.. لا يحق للأب أن يجلس على سرير طفلته، فهو قد زنى معها !! ولا يجوز للبنت مثلا أن تضع في قدميها حذاء أبيها، من باب اللعب، لأنها تكون بذلك قد زنت معه.. إذا كان أحد الزوجين ينتمي لهذه الحركة، والآخر لا، فهذا يعني الطلاق شرعا، وأن حياتهما معا هي زنى فاضح.. ويقومون بتطليقهما ! يحق للمرأة ارتداء الملابس التي تفصل الجسم، وأن تخرج بكامل مكياجها، لكن الحجاب ضروري!!
طيلة تلك المرحلة، ورغم تكرار العدوان الاسرائيلي على لبنان و على مخيمات الفلسطينيين، لم يصدر عنهم، أي تصريح يعلن استنكارا أو شجبا، وهو أضعف الأيمان. أما كيف حصلت على الكثير من تلك التعاليم" المباركة"، فقد كان عن طريق بعض تلامذتي الذين ينتمون لتلك الحركة، وقد كانوا يتكلمون بها عن ايمان واقتناع..
ما حدث في مخيم نهر البارد، مثال " طازج" وقد عايشناه، وما زالت آثاره الكارثية، تطحن عشرات الآلاف من الفلسطينيين. معروف عن مخيم نهر البارد، بحبوحته المادية، ونجاته من أي أحداث أمنية، تخلّ بأمنه واستقراره.. فلم يعرف الحصار ولا التدمير، وقد كان مأوى آمنا للمهجرين من المخيمات التي حوصرت ودمرت؛ محافظا على علاقة جيدة بمحيطه اللبناني؛ وكأن المخطط كان يهدف الى تدمير آخر معقل ينعم ببعض البحبوحة للفلسطينيين!
تسللت مجموعة فتح الاسلام، الى المخيم في غفوة من سكانه، وليس من طرف مشبوه، سهّل ذلك التسلل.. والمهم في الأمر أن أحدا منهم لم يكن فلسطينيا! أو لبنانيا أو عربيا من دول الجوار، وربما لم تعرف هوياتهم الأصلية، بمعنى أن ليس لأحد منهم عائلة وأقارب في المخيم يخشون عليهم وعلى ممتلكاتهم. مذا يمكن أن يفسّر هجومهم في كمين، على الجيش اللبناتي وإعمالهم القتل والذبح بالجنود اللبنانيين؟ وكانت النتيجة التدمير الكامل حدّ المسح عن وجه الأرض، للمخيم، وتشريد أهله، ودفعهم الى بؤرة فقر مدقع، وحتى الآن لم تحل مشكلتهم !!
أي تفسير ديني يمكن أن يبرر مثل هذا الانجاز العظيم؟ وتعاليم أي ربّ تبيح مثل هذه الأعمال؟
لا نقول أن تنفيذ مثل هذه الأعمال التخريبية، هي من تنفيذ هؤلاء المتحولين الى الاسلام، لأن دورهم أكبر من ذلك، هم يرسمون خطوط السياسة المطلوبة والأهداف المراد تحقيقها، ويكون التنفيذ من نصيب أولئك المتخلفين، والذين، باعتقادي، أنهم يدركون ما يفعلون!
هذا بالنسبة للشأن العام. أما بالنسبة للمرأة، فلا يغيب عن أحد مبدأ، دفع مبلغ من المال" مقطوع" لكل امرأة ترتدي الحجاب أو النقاب، وربما تختار مبلغا معلوما كل شهر.. ولا يشذ عن هذه القاعدة، تلك الفنانات اللواتي يتحجبن ويعتزلن الفن، مقابل مبلغ من المال، في حال ارتدائهن للحجاب، ومبلغا آخر، اذا ما أقنعن زميلات لهن أن يحذون حذوهن! وقد ارتد بعضهن وخلعن الحجاب، لأن المبلغ المدفوع، لا يكفي لمتطلبات الحياة اللواتي إعتدنها!!
لا نهدف الى تبرئة الحركات الظلامية المشبوهة، وايجاد مشجب لها تعلق عليه خطاياها.. بل هو التناغم في توزيع الأدوار، بين الاسلاميين الجدد، ان صحت لي التسمية، وبين أولئك صائدي الحسنات..
التعليقات (0)