مواضيع اليوم

يداً بيد مع "آدم سميث"... هل نترك السوق حراً أم لا؟

سلطان القحطاني

2011-04-09 23:43:27

0

  (1 -2):


 "نادراً ما تحدث اجتماعات بين الأشخاص الذين يعملون في التجارة ذاتها، حتى للتسلية والمرح، لكن المحادثات بينهم تنتهي بمؤامرة ضد الناس، أو بقرار لرفع الأسعار". هذا ما يقوله آدم سميث، في "ثروة الأمم"، كتاب رقم 10، الفصل الثامن ( 1776 ). وكما أوضح سميث في النص المذكور سلفاً، فإن السوق كثيراً ما تتأثر بنمو الاحتكارات والاندماجات والأنشطة من نوعية الاتحادات الاحتكارية للمنتجين التي غالباً ما تستخدم قوتها السوقية لإلحاق الضرر بالمستهلكين.


يمكن من خلال هذه الورقة البحثية، التي أعدّت في إطار حلقة دراسية عن الاقتصاد الدولي، التفتيش عن الحجج المؤيدة لنظام سوق حرة يعنى بتخصيص الموارد، وكيفية حدوث الإخفاق السوقي وطبيعة ردة فعل الحكومات في محاولتها تصحيح هذا الإخفاق. وتأتي هذه الأفكار، المنشورة في هذه الورقة، بعد سباحة سريعة في بحور عدد من علماء الاقتصاد، وخصوصاً ذلك العالم الاسكتلندي العظيم، الذي غادرنا منذ ثلاثة قرون، ولا يزال يشع في سمائنا حتى الآن، كما لو أنه نجح في التسلل عبر العصور: آدم سميث.


في البدء، فإن نظام السوق الحرة المعني بتخصيص الموارد يعتبر سوقاً غير منظم، بلا أي تدخل حكومي من شأنه أن يعرقل التبادل بين عوامل السوق. يستبعد هذا النظام الحكومي تطبيق الضريبة اللازمة، وملكية الممتلكات، والعقود الخاصة. وعلى مدار السنوات، أثيرت نقاشات كبيرة بين عدد من الاقتصاديين وغير الاقتصاديين بشأن ما إن كان يتوجب أن يُترَك النظام السوقي حراً أم لا.


هنالك عدة حجج مؤيدة لنظام سوق حرة يعني بتخصيص الموارد، ترتبط مع بعضها البعض بطرق معينة: أولاً، ترتبط واحدة من الحجج الأساسية والكلاسيكية بـ "تخصيص الموارد الفعال". وتتمثل الفكرة في السماح للسوق بأن تعمل من تلقاء نفسها وأن تعتمد فقط على العرض والطلب من أجل تحقيق التوازن في السوق، وهي الحالة التي تتضح فيها الرؤية بشأن السوق. ثم سيكون التوازن الناتج توازناً فعالاً. وتم تضمين تلك الفكرة في مفهوم اليد الخفية التي اقترحها آدم سميث في كتاب "ثروة الأمم" ( 1776 ).


بالطبع، ستصمد تلك الحجة وتستمر شريطة أن تتمكن السوق من تعديل وتغيير مسارها بسهولة، وهو ما يعني أنه في حالة حدوث زيادة في الطلب على منتج معين، يمكن للمؤن أن تتعامل بسهولة مع تلك الزيادة من خلال زيادة الإنتاج. ومع هذا، فإنه في حقيقة الأمر وعلى الرغم من سهولة فهم تلك الفكرة، إلا أنها ليست فكرة كاملة على الإطلاق.


وفي نظام سوقي بعالم حقيقي أكثر تعقيداً، غالباً ما يواجه الموردون صعوبات عندما يتعلق الأمر بتغيير إمداداتهم للتعامل مع التغييرات المفاجئة في الطلب. وبطريقة مشابهة، قد يحدث توقف مفاجئ في الطلب على سلع معينة بسبب ظروف مناخية معاكسة، الخ. وقد ترتفع الأسعار بدرجة كبيرة، لكن قد لا ينخفض الطلب بالضرورة لتنشيط السوق. ويمكن أن تعزو أوجه القصور هذه، التي تبدو كذلك، إلى تفاوت درجات المرونة الخاصة بالعرض والطلب لمنتجات وخدمات مختلفة.


ثانياً، السوق الحرة تعني كفاءة إعلامية، تسمح بإتاحة المعلومات والمعرفة إلى المجتمع بصورة فعالة، مجاناً أو بسعر منخفض، في مقابل معلومات محدودة ومكلفة، تحت مظلة نظام مصرفي مخطط له بطريقة مركزية. وهذه حجة اقترحها حايك في كتاب "استخدام المعرفة في المجتمع". ويمكن أن تكون المعلومات في تلك الحالة أي شيء ذي صلة بالعرض والطلب.


وبسبب ارتباطه الشديد بالحجة الأولى، فإن تعقيد العالم في حقبة العولمة الراهنة جعل من الصعب أن يتم نقل جميع أنواع المعلومات بكفاءة إلى أطراف تحتاج إليها. وهذا شيء لا يمكن ضمانه حتى عندما يتم تحرير الأسواق كلها بالكامل، في الوقت الذي لا توجد فيه أدلة واضحة تشير إلى أن مثل هذه الأشياء قد سبق لها أن حدثت على الإطلاق على نطاق عالمي.


ثالثاً، بدلاً من الفكرة التي تتحدث عن أن السوق الحرة تعزز تخصيص الموارد الفعال، قال شومبيتر إن السوق الحرة تدعم توليد الأفكار المبتكرة. وتؤدي فكرة الابتكار هذه من جانب رجال الأعمال في ظل الرأسمالية إلى ما أطلق عليه "التدمير الخلاق" – ومع اكتشاف طرق أجدد وأرخص لإنتاج البضائع والخدمات، ستصبح الطرق الأكثر قدماً والأغلى سعراً طرقاً مهملة ومهجورة.


وليس هناك من تنظيم حكومي يحمي الشركات التي لا تستثمر في البحث والتطوير أو تلك الشركات التي لا تريد أن تكون جزءً من الابتكار الجديد. وعليه، يتضح أن السوق الحرة تساعد على ازدهار وإنماء الابتكار، الذي سيساهم في نهاية المطاف في تحديد سوقي أكثر فعالية. ومع هذا، غالباً ما يقتصر نطاق هذا الابتكار على حجم الأموال المتاحة للبحث والتطوير في العالم الحقيقي.


أخيراً، تنص الخطوة الخاصة بتحرير السوق على عدم امتلاك أي من العوامل للقدرة التي تمكنها من السيطرة على بعضها البعض أو تحديد الأسعار للبضائع والخدمات. وفي كتاب ( التحول العظيم – 1944 )، قال بولاني إن السوق الحرة غير المقيدة تساعد على الحد من حرية التصرف والسلطة بسبب مختلف أشكال الحمائية التي تستجيب معها.


وتعمل قوانين الحمائية هذه على منع نخبة الشركات من تجميع السلطة والصلاحيات وتسمح للسوق بأن تكون فاعلة من الناحية الاقتصادية. بمعنى آخر، بدلاً من فكرة السوق الحرة التقليدية بلا أي إشارة للحمائية، تُظهر تلك الحجة في واقع الأمر كيف من الممكن أن تؤدي السوق الحرة إلى أساليب حمائية، من شأنها، بدورها، أن تجعل من تخصيص الموارد عملية أكثر كفاءة.


وعلى الرغم من ذلك، لا يمكننا التأكد من مدى الفاعلية التي يمكن أن تكون عليها عملية تخصيص الموارد، حيث تعتمد جميعها على تدابير الحمائية المستخدمة، والكيفية التي تُفرَض من خلالها بشكل صارم. وقد لا تسفر عن كفاءة سوقية مكتملة حيث تقوم جميع المطالب بتلبية المستلزمات الخاصة بكل منها.


كيف يحدث الإخفاق السوقي؟
يحدث "الإخفاق السوقي"، أو الفشل السوقي، عندما لا يكون تخصيص البضائع والخدمات في سوق حرة، تخصيصاً فعالاً، وهو ما يؤدي إلى خسارة مجتمعية في بعض الحالات. ومن ثم، لم تعد تعكس الأسعار في السوق التكاليف والفوائد الحقيقية. وهو مفهوم غالباً ما يرتبط بالأسواق غير التنافسية (الاحتكار، احتكار القلة، الخ)، والعوامل الخارجية ( من التدخين والتلوث والمخدرات الخ )، والبضائع العامة وتباين المعلومات.
ويشير وجود الإخفاق السوقي إلى الحاجة لتدخل الدولة في السوق، في صورة سياسات عامة عديدة. وعن طريق تصحيح الإخفاقات السوقية، قد لا يتم تخصيص الموارد بفعالية من خلال التدخل الحكومي، الذي يؤدي لما نطلق عليه "الإخفاقات الحكومية".


وبشكل عام، قد يتَّخذ التدخل الحكومي لتغيير النتائج الاقتصادية الأشكال التالية: الضرائب والإعانات؛ إنتاج القطاع العام؛ تشريعات مكافحة الاحتكار؛ والتنظيم. ويمكن توضيح كثير من الأمثلة على ذلك من خلال التالي:
أولاً، من المعروف أن التلوث يعد واحداً من أشهر العوامل الخارجية، حيث يؤثر على المجتمع ككل بصورة سلبية. وفي كثير من البلدان المتقدمة، قامت كثير من الحكومات - إما بشكل مستقل أو جماعي - بوضع خطط تعني بتقديم حوافز اقتصادية لتحقيق تخفيضات في انبعاثات المواد التي تُسَبِّب التلوث. هذا وتدير وكالة حماية البيئة الأميركية سوقاً وطنية للهواء النظيف للحد من الأمطار الحمضية وكذلك أسواق إقليمية مختلفة للحد من انبعاث أكاسيد النيتروجين.


وتتشابه فكرة هذا السوق المعني بالهواء النظيف إلى حد كبير بخطة تجارة الانبعاثات الخاصة بالاتحاد الأوروبي، التي يُسمَح فيها للدول بداخل الاتحاد الأوروبي بالمتاجرة بمبادلة انبعاثاتها، وهو ما يجعل بمقدور الدول التي تنتج أقل من البدل أن تبيع بقايا بدلاتها إلى دول تحتاج إلى حذف أكثر مما يُسمَح لها. وهي الخطة التي تعمل في الأساس بين الدول والمناطق على نحو مماثل في الولايات المتحدة.


ثانياً، ظلت نقائص السوق الميزة الأكثر شيوعاً لإخفاقات السوق. ورغم أن الاحتكار الصرف أمر نادر للغاية هذه الأيام، فإنه لا يزال من غير المستحيل رؤية بعض الشركات تعمل بشكل احتكاري في الولايات المتحدة، مثل محلات السوبر ماركت وشركات الطيران وهلم جرا. وبلهجة أكثر جدية، يمكن حتى لتلك الشركات أن تنشئ اتحادات احتكارية للمنتجين، مثل اتفاقات رسمية بين الشركات المتنافسة للاتفاق على تحديد الأسعار، والتسويق، والإنتاج.


وتسمح المشاركة في اتحاد احتكاري للمنتجين لتلك الشركات بأن تستفد أكثر من محاولة التنافس مع بعضها البعض – وهو ما يعتبر دليلاً على أن هناك إخفاقاً سوقياً. وفي الولايات المتحدة، لطالما تم تنفيذ التدخل الحكومي في صورة تشريعات تعني بمكافحة الاحتكار، أي قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار الذي صدر عام 1890 والذي لا يغطي فحسب الانتهاكات التي ترتكبها الاتحادات الاحتكارية للمنتجين، ولكن أيضاً أي اتفاقات ومؤامرات وتركيبات أخرى، من شأنها أن تمنع عمليات المتاجرة السلسة والفعالة بين الدول والبلدان. وهناك عقوبات لتلك الانتهاكات مثلما هو الحال بالنسبة للجرائم الفيدرالية.


أخيراً وليس آخراً، هناك عدة طرق يمكن أن تتدخل من خلالها الحكومة في شكل رسوم وإعانات داخل الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، صدر في عهد الرئيس أوباما قانون إعادة الترخيص رقم 2998 لبرنامج التأمين الصحي للأطفال، وهو القانون الذي أدى لرفع معدل الضريبة الاتحادية على السجائر إلى 1.01 دولار لكل علبة.


ولم يكن الهدف من ذلك فقط هو تشجيع الناس على التدخين بكثافة أقل والحد من العوامل الخارجية الخاصة بتلوث الهواء بالنسبة للمجتمع، بل كان الهدف من ذلك أيضاً هو تقديم المساعدة للأطفال الفقراء. وبالإضافة إلى ذلك، كما نعرف جميعاً، تعتبر السلع العامة غير قابلة للمنافسة ولا يمكن استبعادها – وتشتمل على سلع مثل الهواء والدفاعات الوطنية والبث التلفزيوني المفتوح وهلم جرا. وتميل مشكلة المتقاعسين المعتمدين إلى الارتباط بالسلع العامة بمعنى أن مساعي تحقيق المكاسب من جانب الأفراد لا تنتج تخصيب موارد فعال لأن المستهلكين سيساهمون فقط في كمية صغيرة جداً. ولتصحيح ذلك، سوف يذهب كثيرون إلى التوفير الحكومي و/ أو الإعانات.


ويمكن الاطلاع على حالة مثيرة جداً في نموذج الإنتاج المشترك، الذي ستقوم فيه الحكومة بدعم إنتاج الصالح العام في القطاع الخاص أو من خلال ربط جوانب السلع الخاصة بالسلع العامة. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومة أن تسمح بخفض ضريبة على بعض السلع الخاصة والتبرع بالإيصالات لإحدى الجماعات الخيرية. نتيجة لذلك، يمكننا أن نرى توازنا بين مصالح العامة، والقطاع الخاص.


• ترجمة الزميل أشرف أبو جلالة
الحلقة الثانية:
أعمدة الدخان فوق العالم... وأميركا تحاول إنقاذ نفسها!

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !