حوار لابد منه في هذه المرحلة المفصلية من حياة الشعوب، مصارحة حتمية غير قابلة للتاجيل بين كافة المكونات السورية لبلوغ الوحدة الوطنية الحقيقية في سورية من خلال واقعية الطرح ومنطقية الحوار بعيدا عن التكلف واخفاء الحقائق والمجاملة الثقافية والبروتوكولات السياسية، لان هذه المرحلة الزمنية من حياة الشعوب هي مرحلة تحرر الشعوب من الطغاة بعد تحررها من كافة الحسابات الدولية والاقليمية والتنظيرات الاستراتيجية التي تحدد ملائمة الظروف او عدم ملائمتها، وكسرها القيود التي يلتزم بها مثقفيها واحزابها، وتجاوزها لكافة الايديولوجيات التي تنطق باسمها وتدعي تمثيل الشعب.
لذا واجبنا يحتم علينا الالتزام فقط بارادة شعبنا الكوردي، وطرح ما يريده بصراحة مطلقة، ومناقشته من خلال حوار منطقي مدني راقي.
باعتقادي ان هذا الحوار يتوق اليه ايضا كافة الاحرار من باقي المكونات السورية الداعين الى وحدة وطنية حقيقية دائمة، لامصلحية مؤقتة، وزيادة علمهم بالقضية الكوردية في سورية بعيدا عن الكذب والنفاق والمجاملة كنتيجة حتمية لادراكهم بان تأجيل هذا الحوار لايؤدي الى وحدة وطنية دائمة، وان انتج ثورة مؤقتة فانه لن يلغي المطالب الكوردية المشروعة كما يحلم من يتاجر بشعار الوحدة الوطنية من اصحاب العقول الشمولية الراغبة في ابادة هذا الشعب عن بكرة ابيه.
فما عجزت اعتى الحكومات الشهيرة ببطشها واضطهادها واستبدادها كالسلطة الصدامية والاسدية والخمينية والاتاتوركية عن فعله في ابادة الشعب الكوردي عن الوجود، لن تتمكن مجموعة مقالات واراء من فعله من خلال المطالبة بالتأجيل لعدم ملائمة المرحلة، والتهميش الثقافي للقضية الكوردية من خلال تجاهل او تحاشي البحث في شرعية مطالب الشعب الكوردي في اطار دولة المواطنة التي هي حلم الشعب الكوردي قبل العربي.
ومن دافع الحرص على بلوغ الوحدة الوطنية الثقافية والاجتماعية قبل السياسية لابد من توضيح بعض النقاط:
اولا - مطلب الوحدة الوطنية الحديث النشوء لدى باقي المكونات السورية، هو مطلب كوردي منذ عقود في سورية، في زمن كان المثقفين فيه يسدون اذانهم لتحاشي الاستماع الى حقيقة وجود شعب اخر في سورية مختلف عن الشعب العربي ومتمايز عنه قوميا، ولازالو لحد هذه اللحظة يتحاشون لفظ كلمة شعب كوردي في خطاباتهم للوحدة الوطنية الموجهة للكورد، يتحايلون على اللفظ بالعديد من العباراة التجميلية بحجج مثالية في وقت لا محل فيه للمثاليات بل الى تطبيق عملي على الاقل الاعتراف من قبل المثقفين والمعارضين بالحقوق القومية للشعب الكوردي في محافل الحوار المتنوعة.
ثانيا: بعيدا عن المزاودات والغايات المستورة بترويج عدم الثقة بالشعب الكوردي لدى ابناء الشعب العربي فان الحفاظ على الحدود الوطنية السورية من التقسيم هو مطلب كوردي وكل ابناء الشعب الكوردي مستعدين لتقديم التضحيات في سبيل هذا المطلب، هذه الحقيقة هي تجسيد لإرادة الشعب الكوردي وممارسة فعلية لحقه بتقرير مصيره، وسيبقى هذا الاختيار نابعا من ارادة الكورد طالما تتوافر مقومات الدولة الوطنية الديمقراطية القائمة على التشارك السياسي والتوافق الاقتصادي والسياسي والثقافي بين كافة الشعوب المكونة لهذه الدولة، اما اذا انعدمت هذه المقومات التي لابد منها لتكوين دولة المواطنة الحقيقية عندها يختار الكورد الحياة الحرة مع الحفاظ على الدولة الوطنية من خلال قوانين دستورية حضارية تنظم العلاقة بين الشعب الكوردي والسلطة المركزية، وليس الانفصال كما يزعم من يتاجر بشعار الوحدة الوطنية.
ثالثا: اذا كان الاخوة العرب يوافقون على التسجيل في هواياتهم الشخصية بان جنسيتهم كوردية سورية ولايعتبرونه اضطهادا او ابادة قومية فنحن نوافق على هوياتنا السورية المسجل عليها عربي سوري، هذا المثال مدخل الى ضرورة تغير اسم الجمهورية العربية السورية الى الجمهورية السورية للتعبير عن ان سورية هي دولة مواطنة لا دولة شمولية تلغي وجود الاخر المتمايز قوميا، هذا الطرح يتعارض مع اطروحات بعض المثقفين المنافقين بلسان الوحدة الوطنية من اصحاب العقليات الشمولية الحالمة بابادة الشعب الكوردي تحت ستار المفاهيم الحضارية(الوحدة الوطنية،المجتمع المدني،احترام حقوق الانسان،الديمقراطية) بحجة لافرق بين عربي وكوردي في ظل هذه المفاهيم بشرط تنازل الكورد عن كامل ثوابتهم القومية، والقبول بالحياة تحت اسم عروبة سوريا.
رابعا : لفظ كوردستان الذي يطلق على الاراضي التاريخية التي يقطنها الشعب الكوردي، والتي يشكل جزئها الغربي الحدود الشمالية، والشمالية الشرقية للدولة السورية الحديثة، واكتسب الشعب الكوردي فيه حقوق المواطنة السورية كما كل المكونات السورية الاخرى عند تشكل الدولة الحديثة، فقد ترتب على الشعب الكوردي ايضا واجب الحفاظ على الوطن السوري وحماية الحدود الوطنية.
ومهما حاول السياسين والمثقفين الكورد تحاشي تسمية المناطق الكوردية السورية بلفظ كوردستان سورية حرصا على عدم استغلال ذلك من قبل الانتهازين الراغبين في التفريق بين الشعبين وتوسيع الهوة بينهم لنجاح استثمارهم في تسويق الفكر الشمولي الشوفيني، فان الشعب الكوردي السوري الذي يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة يطلق على مناطقه اسم كوردستان سورية.
خامسا : الشعار الكوردي المؤلف من الالوان الثلاث (الاخضر، الاحمر، الاصفر) هو ليس علم دولة بل علم يعبر عن القومية الكوردية، ويحمله كل الشعب الكوردي في كافة مناطق تواجدهم سواء في الاجزاء الكوردستانية او في العالم وذلك بشكل مباشر او غير مباشر من خلال اللباس الفلكلوري الكوردي او اي شي يدل على الالوان الثلاثة في اليد او على الموبايل...او...او..الخ
ألوان العلم الكوردي الأساسية هي ثلاثة ألوان تأتي بشكل أفقي من الأعلى إلى الأسفل و كل لون له مدلول محدد، اللون الأحمر يرمز إلى دم الشهداء الكورد في سبيل الحرية، اللون الأبيض يرمز إلى النقاء و السلام و المساواة، اللون الأخضر يرمز إلى طبيعة و جمال كوردستان، أما قرص الشمس الذهبي الأصفر الموجود فوق اللون الأبيض فهو يرمز إلى الشعب الكوردي و تاريخه الثقافي الذي يمتد إلى أقدم العصور، القرص له ( 21 ) شعاعاً ويمثل ربيع نوروز أي بداية السنة الكوردية الجديدة في 21 اذار من كل عام.
من وجهة نظر منطقية وحفاظا على السيادة السورية لايجوز رفع علم دولة اخرى على الاراضي السورية غير العلم السوري، والشعب الكوردي لايرضى بهذا الامر، لكن العلم الكوردي ليس علم دولة اخرى بل شعار يعبر عن القومية الكوردية، فهل من المعقول ان يكون لكل حزب سياسي او لنادي رياضي علم خاص به، ولا يحق للشعب الكوردي ذلك، كما ان الوان اشارات المرور الضوئية في بلدان العالم واحدة وهي الاخضر والاحمر والاصفر، اي ان العلم الكوردي مرفوع في كل شوارع سورية والعالم باستثناء تركيا التي غيرت اللون الاخضر الى ازرق لكي يكون منافيا للعلم الكوردي.
والحملة التي تم اطلاقها مؤخرا لرفع مليون علم سوري في نوروز العيد القومي الكوردي بمناسبة راس السنة الكوردية، فهي اهانة للشعب الكوردي، وكأن لسان حال منظمي هذه الحملة يقول ان الشعب الكوردي يرفض رفع العلم السوري، وهو شعب مجرم في قفص الاتهام وبحاجة الى رد اعتبار، وحقيقة الامر لمن لايعلم.. العلم السوري ترفعه الفرق الفلكلورية الكوردية منذ عقود في عيد نوروز، وبشكل غير مباشر تلبس الملايين من النساء الكورديات اللباس الفلكلوري الكوردي الزاهي بالوان العلم الكوردي، وكذلك الاطفال ويحمله الشباب على شكل احزمة في اليد او اي اشارة ترمز الى الالوان الثلاث....لذا فان هذه الحملة تعطي صورة خاطئة للعيد القومي الكوردي، كان الاجدر بمنظمي هذه الحملة المطالبة بجعل نوروز عيدا وطنيا الى جانب كونه عيدا قوميا لمكون من مكونات الشعب السوري، وضرورة رفع العلم الكوردي الى جانب العلم السوري في نوروز، لان العلم الكوردي هو الذي لايرفع بشكل مباشر في نوروز وليس العلم السوري، كما لا يحق لاي شخص او حزب كوردي الفصل بين الجانب القومي والجانب الوطني لدى الشعب الكوردي السوري او تغليب احدهما على الاخر.
هذا واقع الشارع الكوردي السوري، وهذه ارادة الجماهير الكوردية خارج البروتوكولات السياسية، والادلجة المطلبية، لذا فان الوحدة الوطنية، المجتمع المدني، حقوق الانسان ليست مجرد شعارات نتباها بها، بل يجب ان تتحول الى قناعات لنتمكن من تطبيقها على ارض الواقع، لان ما قام به البعث الشوفيني الشمولي على مدى عقود من نشر الحقد والكراهية بين مكونات الشعب السوري من خلال الاعلام والثقافة والتعليم بالاضافة الى الاساليب الامنية العنصرية ضد كل من هو غير عربي في سورية، وكيل الاتهامات لهم بالعمالة للخارج والانفصال، كل هذه السياسات ادت الى الاحتقان الشديد لدى الشعوب السورية تجاه بعضها البعض، والمطلوب من كل سوري واعي مدرك لحقيقة الامر، الحكمة والحذر والشجاعة في التعامل مع متطلبات المرحلة الراهنة، وضرورة الاعتراف بوجود قضية شعب كوردي سوري بحاجة الى حل، والاعتراف بكافة اجراءات الجينوسايد التي استهدفت وجوده القومي، ونشر ثقافة الحل بين المكونات السورية من خلال تضامن باقي المكونات لازالة الاثار التي نتجت عنها، وتعويض المتضررين منها، كاحصاء عام 1962، ومشروع الحزام العربي 1973 ويشمل التعويض بالاضافة للمتضررين الكورد نتيجة سلبهم اراضيهم وممتلكاتهم تعويض العرب الذين تم جلبهم الى المناطق الكوردية لتنفيذ مشروع الحزام بعد استعادة الاراضي الكوردية من حوزتهم واعادتها لاصحابها الاصليين.
على كافة الاطراف اتخاذ مواقف شجاعة وتجاوز العقبات والسعي المخلص وبنوايا حسنة وصادقة التقرب الى الطاولة المستديرة للتفاهم على مستوى المعارضة على الاقل من خلال المناقشة على الدستور ثقافيا في هذه المرحلة، لتكون كل الاراء من كافة الاتجاهات موجودة بين يدي اللجنة القانونية التي سوف تصيغ الدستور السوري الجديد في يوم من الايام، لان الدستور هو الضامن الوحيد لحل كافة المشاكل العالقة، والضامن لعدم تكرار سيناريوهات الابادة المنظمة والتهجير والتهميش بحق الشعب الكوردي.
هذا الحوار الدستوري هو الحوار الجاد على طريق الوحدة الوطنية في سبيل التغير والخلاص من الديكتاتور بشار الاسد، بدلا من تضيع الوقت في كيل الاتهامات لبعضنا البعض، الشعب العربي يشكك بنزعة الكرد الانفصالية، والكرد يتخوفون من خلق اكثر من ديكتاتور بعد الخلاص من واحد.
dostocan2@gmail.com
التعليقات (0)