تعمّدتُ التريث قبل الكتابة عن موضوع تتويج قطر بشرف تنظيم مونديال 2022 حتى أطلع على كل ردود الفعل العربية والدولية،
سواء كانت رسمية أو شعبية أو إعلامية،
وحتى يزول وقع الصدمة عن الكثير من الحاقدين والجاحدين والحاسدين والمخطئين من الذين يقدّرون القوة بالأرقام
وعدد السكان والمساحة الجغرافية والرصيد من المال.
كما تعمّدت كتابة عنوان مخالف لكل العناوين التي قرأتها والآراء التي سمعتها
وكل التعاليق التي سارع أصحابها إلى تقديم التهاني والتبريكات وإلى التودد واستعراض العضلات،
والتعبير عن الاعتزاز والافتخار بما فعلته قطر،
ومحاولة الاستحواذ على مكسبها الذي تحقق بفضل أبنائها دون غيرهم،
وليس بفضل العرب الذين راح بعضهم يصنف الحدث في خانة الإنجازات العربية الكبيرة..
القطريون بتواضعهم نسبوا الإنجاز إلى العرب في كل تصريحاتهم،
والعرب بطمعهم ومن شدة ضعفهم
وكثرة انتكاساتهم المحلية والقومية،
وجدوا في الإنجاز القطري متنفسا لهم ينسبونه إليهم.
الكل خرج إلينا مسرورا مهللا ومهنئا،
ولكن لم يتوقف أحد بعقله يتحسر على وضعه ويتساءل:
كيف فازت قطر ولماذا؟
وما الدروس التي يمكن استخلاصها من إنجاز بهذا الحجم؛؟
تحقق بفضل مجموعة من الشباب القطري وقفت خلفهم دولة تعرف من أين جاءت وإلى أين تتجه،
وخططت لنموذج ومشروع ووضعت كل الإمكانات للظفر بصفقة العمر وبمشاركة الأمير والغفير؟ ولم يتساءل أحد:
ماذا سيقول لقومه وللجيل القادم سنة 2022
عندما تكون قطر غير قطر اليوم بمرافقها ومطاراتها وملاعبها واقتصادها وسياحتها ومكانتها بين الأمم، وعندما تكون قصة النجاح القطري مادة علمية للتلاميذ والطلاب في المدارس!؟
لن أعبّر في هذا المقام عن فرحتي وسعادتي حتى لا أزايد مثلما فعل البعض،
بل أعبّر عن حزني وأسفي على باقي البلاد العربية التي لا تزال تعيش على الأوهام،
وتضحك على شعوبها بالحضارة والأصالة والثقافة والثورة والعروبة والتاريخ والعزة والكرامة،
وأخرى تكذب علينا بقدراتنا المادية والاقتصادية والبشرية وبمستقبل زاهر ينتظرنا لو التزمنا الصمت وتركناهم يفعلون بأبنائنا وثرواتنا ما يشاؤون.
بعضنا يعتقد بأن قطر فازت بتنظيم كأس العالم بغازها وبترولها ومالها،
ولكنْ كثيرة هي البلدان العربية التي تملك الأموال والثروات ولم تحسن توظيفها،
في حين استغلتها قطر بعبقرية أبنائها وإخلاصهم وصبرهم وتفانيهم رغم أن عددهم لا يتجاوز400 ألف نسمة..
بل إن أمريكا وهي أكبر وأقوى وأغنى من قطر..
خسرت أمامها!
بلدان عربية أخرى كثيرة تملك الكفاءات وملايين البشر،
ومساحتها تفوق مساحة قطر بمئات المرات،
وإمكاناتها الطبيعية والمناخية التي وهبها الله إياها أفضل بكثير مما عند قطر، غير أنها مع ذلك لا تملك مشروعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا واحدا،
ولا تثق في شبابها التائه المسكين،
ولا يهم القائمين عليها سوى أنفسهم والمقربين منهم،
أما البلد والوطن والدولة والشعب والمستقبل و..
فإلى الجحيم.
يعتقد البعض أن قطر وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل تأثير قناة الجزيرة، ونسي هؤلاء أنهم يملكون عشرات القنوات ولكنها تافهة،
وأن آخرين يملكون الموارد والقدرات والكفاءات لبعث عشرات القنوات الإخبارية والمتخصصة،
ولكنهم استهانوا بالأمر وانشغلوا بالسفاسف،
وتركوا شعوبهم تلهث وراء لقمة عيش ووظيفة ومسكن،
و"استخسروا"
فيهم مجانية الطب والتعليم،
بل وحتى الهواء الذي يستنشقونه.
أما الجاحدون والحاسدون ممن يقللون من شأن الإنجاز ويعتقدون بأن قطر لن تجني شيئا من تنظيم المونديال، فإنهم لا يعلمون أن التنظيم وسيلة لا غاية في حد ذاتها،
لأنه يمثل نقلة حضارية واقتصادية واجتماعية للبلد ستحدث في السنوات العشر المقبلة بفضل استثمار ملايير الدولارات في تطوير البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد،
إضافة إلى الخمسين مليارا المستثمرة حاليا.
كما أن الأمر لا يتعلق فقط بالفوز باستضافة المونديال،
وإنما هو انتصار على الفشل وروح الانهزام،
وانتصار لجيل جديد لا يشعر بالعقدة
ولا بمركّب النقص تجاه التفوق والنجاح..
لذلك يجب أن نحزن على كل البلدان العربية التي لن تواكب التحولات التي ستشهدها قطر بفضل المونديال،
وستتأخر بعشرات السنين عن قطر وعن الركب العالمي في مجالات التنمية والعصرنة والتكنولوجيا،
وفي مجالات الرياضة والسياحة والسياسة،
بل وفي كل الاستثمارات المادية والمعنوية التي ستخوضها قطر.
بقلم حفيظ درّاجي
التعليقات (0)