تجرد قبل أن تدخل هنا ..
نعم تجرد من أدران النفس .. واخلع أردية الهموم عنك ..
وافتح قلبك وصدرك .. وتأهب .. وتهيب .. وتهيأ ..
سيأخذك دليل من يدك ..سيمسك معصمك .. ويقودك .. ليصف لك .. ويعرفك ..
ويدلك على الذين حبهم دين ..وبغضهم كفر.. وقربهم منجى ومعتصم ..
على الذين تصلي عليهم وتسلم في صلاتك ونسكك..
على الذين مقدم بعد ذكر الله ذكرهم .. في كل بدء ومختوم به الكلم. ..
على الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا..
وقبل أن تدخل عليهم ..
تعرف أولاً على الدليل والمرشد ..
كان الأمير وولي العهد هشام بن عبدالملك يحج ومن حوله حاشيته الذين يحفظون له الهيبة والفخامة .. وذهب ليلمس الحجر الأسود فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً من شدة الزحام حول الحجر ..
فأمر فضرب له عرش على مكان مرتفع قريب ليطل منه على المشهد المهيب ..
فرأى وحاشيته ورجاله ومرافقوه رجلاً في ثياب الإحرام طاف بالكعبة.. ثم سار بتؤدة وهدوء نحو الحجر الأسود ليلمسه فانشقت الجموع من حوله تهيباً وإجلالاً واحتراما لتفتح له الطريق إلى الحجر فاستلم ركنه مطمئناً..
" إنه أحد آل بيت النبي" " إنه علي بن الحسين " رضي الله عنهما ..
أهاج المشهد رفقاء الأمير .. فسأله أحدهم مندهشاً ؟
من هذا الرجل ؟ فأنكره هشام قائلاً لا أعرفه !!
هنا انبرى من سمع السؤال والجواب .. انه الفرزدق الشاعر ..
اندفع قائلاً ..... ولكني أعرفه .. سلوني أجبكم ..
فسألوه .. وهنا نقف .. ونتوقف ..
كان السؤال من وحي المشهد وكان الجواب من وحي اللحظة .. أي بلا ترتيب وبلا سابق تجهيز .. انطلق لسان الفرزدق بالجواب ..
كان جوابه في صورة قصيدة من أروع وأبدع وأجمل ما قيل في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ..
لا تملك وأنت تقرأ أبياتها بيتاً بيتاً إلا تغرق عينيك بحور الدموع ..
ويذوب قلبك في نور الخشوع .. وتتضوع روحك بمسك رياحين آل بيت النبي ..
أطلق الله الوصف الحق من فم الفرزذق .. ما هاب الفرزدق للأمير ولا حاشيته جانباً ..
أجاب على الانكار بأبدع تعريف .. إقرأ معي :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته .. والبيت يعرفه والحل والحرم ..
الله الله الله الله .. الأرض التي يطأها تعرفه .. والبيت المعمور يعرفه .. والكعبة والحجر والجماد يعرفه .. فكيف لا يعرفه البشر !!..
هذا ابن خير عباد الله كلهم .. هذا التقي النقي الطاهر العلم ..
انظر إلى التلاحق .. والتناسق .. والتسابق بين المناقب الشريفة التي تنسدل على الأبدان الطاهرة ..
هذا التقي النقي الطاهر العلم ..الراية والرمز ..
.. ويستطرد الفرزدق ..
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله !! الله الله .. أي صفعة تلك لتفيق المتغافل ! ..
بل أي شرف ذلك حين ينتسب المسئول عنه لفاطمة ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا بن فاطمة وكفى .. وهل بعد هذا اللقب لقب ! وهل بعد هذا الوصف وصف ؟..
ولكن الفرزدق لا يدع إحدأ يغادر .. فيستطرد ..
وليس قولك من هذا بضائره .. العرب تعرف من أنكرت والعجم ..
ياسلام.. يا سلام.. ياسلام .. أي روعة هذه .. وأي قوة .. وأي بلاغة.. وأي دفاع.. بل وأي هجوم هذا وأي رد ؟؟
ثم ينتقل الفرذق ويتنقل بين شيم ومكارم ومحاسن ومناقب وأيادي أبناء النبي وآل بيته الطاهرين بأبيات يعجز قلمي الكسيح عن أن يحيط بدوائر أنوارها .. ولا أن يسبر غور مكنونها .. وكل ما يمكنني فعله هو نقلها بلألائها ووهجها ووميضها وضيائها أما عين القارئ .. ثم خذ عندك هذا البيت في وصف مكارم علي بن الحسين ..
ما قال لا قط إلا في تشهده .. لولا التشهد كانت لاءه نعمُ ..
الله الله ..
أي وصف مبدع يفوق هذا الوصف في الجود والكرم؟ .. لا يرد سائلا ولا يحرم محتاجاً ويسعى في قضاء حوائج الناس .. و" اللا "الوحيدة التي يتحرك بها إصبعه في في حركة التشهد في الصلاة .. أي ابداع هذا في الوصف !! ويكمل الفرزدق ..
يكاد يمسكه عرفان راحته .. ركن الحطيم إذا ما جاء يستلمُ ..
أين أصحاب البلاغة ؟.. أين أصحاب الجمال والإبداع؟ ..
فليأتوا هنا ليشهدوا منافع لهم !!.. يكاد الحجر أن يمسك راحة يد ابن النبي عرفاناً له وبه إذا ما لمسته اليد الشريفة ..
ولمَ يفعل ركن الحطيم هذا ؟ أجاب الفرزدق ..لأنه ..
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر .. وقربهم منجى ومعتصم ..
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ُ.. في كل بدء ومختوم به الكلمُ ...
الله الله الله الله ..
قرأت أن هناك اختلافاً في أشخاص الواقعة.. وعما إذا كان هشام بن مروان بطلها أو غيره .. وعما إذا كان الفرزدق قائلها أو غيره وعما إذا كان علي بن الحسن رضي الله عنهما هو المقولة فيه أو غيره ..
وهذا مما لا يعنينا .. فإن الثابت أنها قيلت في أحد آل بيت النبي ولا نفرق بين أحد منهم ..
والثابت أننا أمام قصيدة صادقة الوصف .. نقية .. رائعة ...
ولو زيدت عليها آلاف القصائد من ذات فصيلتها ما وفت الأطهار الأبرار الأنقياء الأتقياء آل بيت النبي حقهم من حبنا وإجلالنا لهم .. ولم لا ؟؟
فهم معشر حبهم دين وبغضهم كفر .. وقربهم منجى ومعتصم .. مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ُ.. في كل بدء ومختوم به الكلمُ ..
وإليكم القصيدة :
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأتهُ
والبيتُ يعرفه والحـلُّ والحرمُ
هذا بن خيرِ عبادِ اللـه كُلُّهمُ
هذا التقـيُ النقيُ الطاهرُ العلمُ
هذا بن فاطمةٍ انْ كنت جاهله
بجـده انبيـاء اللـه قد ختموا
وليس قولك منْ هـذا بضائـره
العربُ تعرفُ من انكرتَ والعجمُ
كلتا يديه غيـاث عـم نفعهمـا
يستوكفان ولا يعروهمـا عـَـدمُ
سهـل الخليقـة لاتُخشى بوادره
يزينه اثنان حِسـنُ الخلقِ والشيمُ
حـمّال أثقـال أقوام ٍ اذا امتدحوا
حلـو الشمائـل تحـلو عنده نعمُ
ما قـال "لا" قـط ْ إلا فـي تشهده
لولا التشهـّد كانـت لاءه نـعمُ
عـمَّ البريـة بالإحسـان فانقشعتْ
عنها الغياهبُ والامـلاق والعـدمُ
اذا رأتـه قريـش قـال قائلهـا
إلى مكارم هذا ينتهـي الكـرمُ
يُغضي حيـاءً ويغضي من مهابته
فلا يكلـُّـم إلا حيـن يبتسـمُ
بكفـّـه ِ خيـزرانُ ريحهـا عبـق
من كـف أروع في عرنينه شممُ
يكـاد يمسكـه عرفـان راحتـه
ركن الحطيم إذا مـا جاء يستلمُ
اللـه شرّفه قدمــاً وعظـّمــه
جرى بذاك له في لوحـة القلـمُ
أيُّ الخلائق ليست فـي رقابهـمُ
لأوّلـيـّـه هـذا اولـه نِـعـمُ
من يـشكرِ الله يـشكرأوّليــّه ذا
فالدين من بيت هذا نالـه الامـمُ
ينمي إلى ذروة الدين التي قصرت
عنها الأكف وعن إحراكهـا القـدمُ
منِ جده دان فِضل الانبياء لـه
وفضل أمتـه دانـت لـه الامـمُ
مشتقة من رسول اللـه نبعتـه
طابت مغارسه والخيـم والشـيـمُ
ينشق نور الدجى عن نور غرته
كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلمُ
من معشرٍ حبهم ديـنٌ وبغضهـمٌ
كفر ٌوقربهـم منجـى ومعتصــمُ
مقـدّمٌ بعـد ذكـر اللـه ذكرهـمُ
في كِلّ بدءٍ ومختوم بـه الكـلـمُ
إن عـدَّ أهل التقى كانـوا أئمتهم
أو قيل من خيرأهل الارض قيل همُ
لا يستطيع جـوادُ بعـد جودهـم
ولا يدانيهـم قـوم وإن كرمـوا
هم الغيوث اذا ما أزمـة أزمـت
والأسد أسدُ الشرى والبأس محتدم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهـم
سيّان ذلك إن اثروا وإن عدمـوا
يستدفـع الشـرُّ والبلـوى بحبّهـم
ويستربُّ به والإحسـان والنعــمُ
صلى الله عليكم آل بيت النبي وسلم تسليما كثيرا ..
التعليقات (0)