الآن ، أدركت ما غـُيِّبَ عني طويلا ، وتيقنت مما أثار دهشتي في ذلك الوقت ، بأن وراء الأكمة ما وراءها .. وأشعرني أني كنت ساذجا إلى حد الغفلة ..
فقد أدهشني أن تنشر دراسة " النقد والإيديولوجيا " هكذا " ببساطة " ، في " الملحق الثقافي لجريدة الثورة " وتمر من بين يدي رئيس تحريره آنذاك الشاعر المرحوم " محمد عمران " ..
ولم يخطر ببالي أن تكون عملية النشر بحد ذاتها " اصطفافا سياسيا وشخصيا " ، " ومنصة لمحاكمة سياسية " لصالح فريق الهجوم السياسي الآخر ..
الآن ، وبعد قراءتي جزأيْ مقال " النقد والإيديولوجيا " معًا ، رثيت لحالي وغفلتي ..
حقا ، لقد قرأتُ أنا الجزءَ الأول قبل نشره في حينه في الملحق الثقافي ، لكني لم أقرأ الجزء الثاني مطلقا ، لا قبل نشره ولا بعد النشر ، وقد أخطِرْتُ بانتهاء الصياغة وإرساله للنشر ، ولم أره إلا بعد نشره بفترة لا بأس بها ، ونسيتُ الظرف الذي منعني من قراءته ..
حتى فوجئت بما ورد فيه ، وأنا أنسخه مؤخرا لإعادة نشره ههنا ..
ومع ذلك نشرته كما هو امتثالا لدواعي الأمانة ، وللتاريخ ..
ولم أشِرْ في ثنايا النشر الجديد ، إلى ما أفصِحُ عنه الآن ، رغبة مني في عدم التأثير المسبق على القارئ الكريم ..
وعَمَدْتُ إلى أصل الدراسة تلك ـ التي كتبتها ونشرت عام 1977 في جريدة الدستور الأردنية ـ فنشرتها من جديد هنا ، كي يتمكن السادة القراء من الوقوف على التباين الكبير بين الدراستين والمنهجين ، وأن المسألة ليست تباينا في منهج التناول النقدي فحسب ..
وإن كان القسم الأول من الدراسة " المطوَّرَة " قد كـُرِّسَ للتقويم والنقد الإيديولوجيين ، إلا أن القسم الثاني هو دعوة صريحة لتبني فكر سياسي وعقائدي معين ليس له علاقة بالأدب ولا بالنقد .. وبمقدار ما طفح القسم الأول تجريحا وتشهيرا ، جاء القسم الثاني معاكسا له تماما ، فكال المديح والثناء ، وأعطى براءات الذمة والأوسمة البراقة لفرسانه ، ومع سبق الإصرار والترصد ..
وكل ما قيل في هذا القسم غير ذاك المديح والثناء ، هو رتوش مكياجية تجميلية للصورة المرسومة سلفا لهؤلاء الفرسان ، ضمن إطار " الشللية " ، و " الشللية المضادة " ..
وفهمت " ضمنا " مغزى نشر القسم الثاني حينها ، على أنه دعاية تسويقية ليس إلا ، لكن فرحتي بمجرد النشر في " ملحق الثورة الثقافي " قطع لساني إذ ذاك .. حيث كان مجرد ورود الاسم فيه ، حلما راود الكثيرين .. فكيف أن ينشر لك مقال بحجم صفحة كاملة ، وعلى قسمين ؟؟!!
وحينها ، كنت موقنا إلى حد كبير ، أنه لا يُنشر في الملحق الثقافي إلا ما يستحق النشر فعلا ، لأن هيئة التحرير ورئيسها ، حريصون على المحافظة على المستوى الرفيع لمنشوراتهم واختياراتهم .. وقد التزموا بذلك غالبا ، إلا أنه لم يخل الأمر من تجاوزات لها طبيعة " الاصطفافات السياسية والإيديولوجية والشخصية " ..
ولم أكن أثق بهذا المبدأ حيال وسائل النشر الأخرى ، نظرا لوجود الغث والسمين بين طياتها ..
وقبل أن أعيد ـ مؤخرا ـ قراءة القسم الثاني من النقد والإيديولوجيا ، لم أكن أدرك " بالظبط " معنى مصطلح " الهرطقة " ..
لكني ـ والحمد لله ـ وُفقتُ في معرفته وفهمه جيدا بعد القراءة .. كما اكتشفت أسرارا من تلك " الشلليات والاصطفافات والمكيدات والجكارات والتدليسات " ، واتضحت لي " المبادئ العامة التي حكمت تلك الشلليات بمبادئ شعبية شائعة كـَ : " حكـّلي لأحكـّلك ، وكل شي بتمنو ، وما حدا بيسألك : كيفو أبوك ؟ " ..
أنا لا أقتصُّ الآن من ذاك الماضي .. لكني أشعر بالألم المُمِض ..
فيا لسذاجتي !!
الأربعاء ـ 05/10/2011
التعليقات (0)