بكل حنين اتفكر في السؤال الذي طرحه علي معلمي الشديد القوي وكأنه طرح علي لتوه..أي من الحشرتين النحلة أم الجرادة نافعة للإنسان.. ارتبك في داخلي التفكير ، و سقطت في فكري صورة الجرادة الجميلة التي أذهب للبحث عنها كل يوم في مطار مدينتي الذي عاد مهجورا..فأجول باحثا إلى ان أجدني في كثير من الأحيان بعيدا كيلومترات عن المدينة ! قارنت الصورة مع صورة النحلة التي لصقتني يوما بعد تناول فطوري ،و كأنها تثأر لصديقتها الجرادة التي نفذت فيها حكم المؤبد بوضعها في سجن من علبة سردين صدئة تحت التراب !
قفز إلى رأسي الجواب منطقيا ، الجرادة التي لم تسئ إلي حشرة نافعة ، و لنحلة التي لسعتني بشدة عل كف يدي ضارة بالأكيد.. !!
لأول مرة أنتبه إلى أن النحلة التي تلسع ،أو تعض ، لها أنصار كثر ومتعاطفين شديدين اقوياء مثل معلمي..لأنه قبل أن يجعلني محط سخرية و يتجول بي عبر أقسام المدرسة بعبارة "هذا كسول" ، وجه إلي لكمة تلاها وابل من الضربات التي أسقطتني أرضا بشكل جعلني أتمنى لو أن النحلة عضتني بدل هذا التعذيب..
لو ترك لي معلمي الفرصة لشرحت له بهدوء أن الجرادة لم تعضني يوما ، أنا الذي سجنت الكثير منها في معتقلات سرية أنسى مكانها. ! و أن النحلة التي يدافع عنها بشراسة تريد دوما الاستيلاء على ابريق الشاي الذي تركته لي جدتي كي أفطر منه بعد عودتي من المدرسة..سأقول له أنها مع كل محاولة مني لأسترجاع الشاي و طردها بعيدا عني إلا و تلسعني تاركة إياي بدون شاي و بلا رغبة في الأكل متمرغا في حر اللسعة و دموعي.. !
لم أفهم سنة دراسية كاملة ماتعرضت له من معلمي ، و الأنكى أني لم أفهم إلا في السنة الموالية سبب كون النحلة نافعة و الجرادة ضارة ، حين شرحت لنا معلمتنا الجديدة التي أغرمت بها في دواخلي ذلك.. قالت ببساطة إن النحلة تعطينا العسل الذي فيه منافع للناس يداوي و يعافي و يمنحنا لذة المذاق..
بقية الدرس فهمته من الواقع، فالجراد شن هجوما كاسحا على الأخضر و اليابس و لم يترك سوى بقايا نبات..حينها فقط فهمت أن الجرادة ضارة و تستحق أحكام المؤبد التي نفذتها فيها.. أما النحل فلا زلت أذكره بخير أول ملعقة عسل غير مزور تذوقته ، كان حلو المذاق لاسعا للحلق مداويا لانتفاخات اللوزتين التي كانت تسقطني أياما طريحا للفراش.
النحل تغير كما تغير عسله ، لم يعد يزورنا في فناء المنزل كلما أعددنا شاي الصباح أو المساء ، لا أدري سبب ذلك، وعسله الحلو اللاسع للحلق أصبح مزيجا من السكر الذي مر عبر أمعائه حين تحول إلى غذاء معد له في صناديق خلاياه ! أما باعة العسل فقد جعلوه شبيها بمربى رديء لا يستحق حتى عناء التذوق...
رحم الله معلمي الشديد الذي (ربما) كان يحب العسل إلى درجة الشروع في قتل تلميذ..و ذكر الله بخيرمعلمتي التي أغرمت بها في زمان الوصل بالنحل و العسل..
التعليقات (0)