يأجوج و مأجوج
-----------
ولما كانت الليلة الثانية عشرة بعد الألف الأولى ، جلست شهرزاد ، فى حب ووداد ، أمام شهريار ، مليكها المغوار ، لتقص عليه حكايتها ، لعله يستلهم عبرتها ، وقالت :
بلغنى أيها الملك المظفر ، ذو الثوب المعطر ، أنه فى آخر الزمان ، ستظهر جماعتان ، يلبسون ملابس الزهاد ، ويتحدثون بالنصح والإرشاد ، لكن عقولهم كالحديد ، وكلامهم يضر ولا يفيد ، وهم لبيوتهم يخربون ، ويفرقون ولا يجمعون ، لجوا فى العنت أيما لجوج ، فصاروا فى الفساد كيأجوج ومأجوج .
قال الملك شهريار : لا تختصرى الحديث اختصار المخل ، واحكى الحكاية بالتفصيل الممل ، وقولى كيف تدور الأمور ، عندما يظهران هذا الظهور .
قالت شهرزاد : يحكى يامولاى العظيم ، ذو الرأى الحكيم ، أن بلدة كانت تعيش فى سلام ، ويربط أهلها الحب والوئام ، أفسد فيها مليكها ، وفرق شيعا أهلها ، ونشر بينهم البلاء ، فصاروا بعد عزتهم أذلاء ، وعانى أهلها الفقر والمجاعة ، فانتظروا هلاكه كل ساعة ، ولما طال الانتظار ولم يهلك ، سلكوا للخلاص منه كل مسلك ، فثاروا علي هذا الملك البئيس ، حتى تخلى عن منصب الرئيس ، وعمت الفرحة البلاد ، وتنادى بالسرور كل العباد ، لكن حدث مالم يكن فى الحسبان ، وما لا يعقله أنس ولا جان ، فمقاليد الحكم لم تنقل إلى الثوار ، وتسلم القط مفتاح الكرار ، وطمعت فى هذه الثورة الفلول ، وهبوا لسرقتها بالعرض والطول .
قال الملك شهريار : يالهؤلاء الأشرار ، ألم يكن لهم فى ما سبق اعتبار ...
قالت شهرزاد : لا فض فوك يا حكيم الزمان ، يا آثر العقول والاذهان ، ولكن الأمر لم يقتصر على الفلول ، ولكن ظهر التتار والمغول ...
اعتدل شهريار الملك ، وقال الويل كل الويل لك ، يأجوج ومأجوج أم المغول و التتار ، وأين ذهب كبير الثوار .
قالت شهرزاد فى عجب : حقا أنت مليك من ذهب ، كيف أدركت يامولاى هذه الحقيقة ، وهى ملاحظة ولا ريب دقيقة .
قال شهريار فى ارتياح ، نحن أرباب السياسة والسلاح ، نعلم أن لكل نار من يشعلها ، ولكل ثورة من ينقلها ، ولابد لكل فكرة من ألمعى ، ولكل ناد من دعى .
قالت شهرزاد : صدقت يامولاى الجليل ، ذو الرأى الأصيل ، لقد تجمعت هاتان الجماعتان ، وخدعوا الناس بعذب البيان ، وراحوا يفرقون بين المرء وأخيه ، ويكفرون الأب وبنيه ، يخدعون الناس باسم العلم والكتاب ، وليس لهم من العلم إلا التراب ، فتفرق الشعب عن الثوار ، وساروا وراءهم طمعا فى الجنة وخوفا من النار ، لكن جنتهم كانت كلاما ، ونارهم أضغاثا وأوهاما ، ونسى الناس أول من نطق بالثورة ، وكافح فى عبورها كل عثرة .
قال شهريار : وكيف ينسى الشعب ثواره وأبطاله ، وتسرق ثورته باسم النور والعدالة .
قالت شهرزاد : ليس فى ذاك يامولاى تثريب ، فعجيب الزمان غير عجيب ، فعندما يكون الجهل عنوان الشعوب ، ويغلب الفقر على مافى القلوب ، عندها يامولاى تعمى العيون ولا تبصر ، ويسكت العقل ولا يفكر ، فاذا اجتمع الجهل والفقر فى مكان ، فلا أمل فى نهضة ولا عمران ، وخرجت الأمة من الحضارة شر خروج ، وذاك أسوأ من فعل يأجوج ومأجوج .
قال شهريار : صدقت والله يا شهرزاد ، ياخير راوية لخير بلاد ، ولكن أليس لهذا الأمر من مرتجع ، ولذاك الليل من منقشع .
قالت شهرزاد : نعم يا مولاى السعيد ، ذو الرأى الرشيد ، فقد قامت .....
وهنا أدرك شهرزاد الصباح
فسكتت عن الكلام المبـــاح
بقلم :
أنور محمد أنور
التعليقات (0)