وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ
حسن آل حمادة
اقرأ، الكلمة الأولى في آخر كتاب سماوي، وهي فعل أمر يفيد الوجوب -كما يرى بعض الأصوليين-؛ كونها خطاب من العالي/الله -سبحانه وتعالى- إلى الداني/الإنسان، وهي الكلمة التي حررّت المسلمين من طوفان الجهل إلى نور العلم، فالمسلمون عندما تمسّكوا بكتاب ربهم، وعملوا بهُداه؛ تنزلّت عليهم الخيرات والبركات، من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وبمجرد أن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنًا قليلاً، وإذا بهم يعيشون في ظلمات الجهل؛ التي بعضها فوق بعض، لدرجة أن الواحد منهم، إذا أخرج يده لم يكد يرها! وأنَّى له ذلك، وقد زاغ بصره!!
بالفعل إنه واقع مرير نعيشه، فكلنا نحفظ عن ظهر قلب الآيات الخمس من سورة العلق، ونقرأ فيها، الأمر الإلهي {اقرأ}، مرتين، ولكننا نمر عليها مرور الكرام، ولا نتأمل فيها، وربما لم نفكر، ولو للحظة واحدة بالعمل بها؛ لنُّغيِّر أنفسنا، ومن ثمّ نُغيِّر واقعنا.. نعلم أننا بحاجة لمعرفة تسبق أي حركة نخطوها، غير أنّا لا نرعوي.
نرفع أيدينا بالدعاء؛ لنردد قول الحق -سبحانه وتعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، ولكننا نتجاهل آلية: {خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:12]! هنا المشكلة والمأساة معًا. فكيف نقرأ القرآن ونرتل آياته، بل نجودّها، ثم لا نعمل بها؟ فأي علم هذا الذي نطلبه بالدعاء فقط؟ أوليس العلم بحاجة لعمل وكدح، أم أن العلم يأتي بمجرد الدعاء والتمني؟!
العلم يناله من يتمسّك بالكتاب، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}[الأعراف: 170]. فالقرآن يشيد بمن يُمسِّكون به، ولفظ (يُمسِّكون) من التكرير والتكثير، كما يشير المفسرون، أي العاملين وفق تعاليمه وأحكامه. وهؤلاء بطبيعة الحال، هم الذين يقيمون الصلاة، وهي -الصلاة- عنوان جامع لكل الفضائل والأعمال الصالحة؛ من تأسيس لمشاريع إنسانية، أو علمية، أو ثقافية...إلخ، ومن يسير في هذا الخط، فهو من الصالحين المصلحين، الذين لا تضيع جهودهم عند الله -سبحانه وتعالى-.
فهل نتمسك بالكتاب لنكون من الصالحين، أم نركن إلى الأرض، وننغمس في مستنقع الجهل، لنكون من الجاهلين؟
الخيار بأيدينا، ونحن نعلم أن الله -عزّ وجل- أودع في كتابه ما فيه صلاح دنيانا وآخرتنا، فهل اقتبسنا من القرآن منهجًا نستضيء به؛ لنرى إن كنّا نسير على الجادة، أم أننا في عداد من خلطوا عملاً سيئًا، وآخر صالحًا؟
المسألة جدُ خطيرة، ومن يتأمل واقع الأمة الإسلامية بعمق، ويلحظ مقدار الجهل والفتن التي تعيشها، قد يردد قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:30].
التعليقات (0)