ويكيليكس يفشي السر... وماذا بعد؟. ألقت الوثائق السرية التي كشف عنها الموقع الإلكتروني " ويكيليكس " بظلالها على المشهد الإعلامي الدولي، وذلك بالنظر إلى الكم الهائل من الوقائع التي تتضمنها تلك الوثائق، والتي تمثل صك اتهام حقيقي للإدارة الأمريكية و الحكومة العراقية أيضا.
فظائع الحرب في العراق لا تحتاج إلى وثائق رسمية من أجل تأكيدها. غير أن ما نشره المشرفون على هذا الموقع الإلكتروني الذي يعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان له وزن خاص. و ذلك لسببين اثنين: أولهما أن الوثائق أمريكية. وهذا يعني أنها على جانب كبير من الدقة و الصدقية، وثانيهما أنها سرية، أو أريد لها أن تكون كذلك. و الأسرار عندما تتحول إلى حقائق معلنة لابد أن تعقبها تبعات و نتائج. أما الحقائق التي تنطق بها تلك الوثائق فهي تصدم الوعي الأخلاقي، وتؤكد لمن يحتاج إلى تأكيد أن مايحدث في العراق هو حرب قذرة بكل المقاييس، رغم أن القذارة مرادف ينبغي أن يكون لازما لكل الحروب...
لا يهم توقيت نشر الوثائق و لا تهم النوايا الحقيقية لناشريها، المهم هو ماذا بعد ذلك كله؟. بالنسبة للإنطباعات الأولية تبدو الإجابة واضحة تماما. فالأمريكيون ومعهم البريطانيون يعتبرون نشر أسرار الحرب سلوكا غير قانوني لأنه يعرض جنود الحلفاء للخطر. طبعا فأرواح هؤلاء مقدسة. أما دماء الآلاف من المدنيين ( 150 ألف) الذين كشفت الوثائق السرية عن مقتلهم فلا قيمة لها. وهي في أحسن الأحوال ستغسل ببيان مقتضب فيه قليل من عبارات الأسف و الأسى. و ينسى كل شيء. وهكذا سيكون بمقدور " الكلينكس" مسح آثار " الويكيليكس". بهذه البساطة إذن يراد للعراقيين أن ينسوا قتلاهم... وبدون أن يرف للمسؤولين الحكوميين في العراق جفن، تعلن وزارة "حقوق الإنسان " ( وهذه واحدة من بدع السياسات العربية) أن ما جاء في الوثائق المذكورة لا يحمل أي جديد. هذا التصريح يؤكد أحد أمرين: إما أن هذه الحقائق لا قيمة لها في نظر الحكومة أو أن ما خفي كان أعظم. وهذا هو المرجح طبعا. لذلك يفرض سؤال المسؤولية الجنائية للدولة العراقية نفسه بقوة في هذا الصدد خصوصا و أن الوثائق كشفت عن الكثير من التجاوزات ( فرق الإعتقالات – التعذيب في السجون...)
إن المطلوب اليوم ليس هو قياس مدى الحرج الذي ستسببه هذه الوثائق المنشورة للحكومتين العراقية و الأمريكية، ولا درجة تأثيرها على مشاورات تشكيل الحكومة في بغداد، بل هو تفعيل الآليات القانونية الدولية لمحاكمة المسؤولين الماديين و المعنويين عن هذه الفظائع التي تنطق بها تلك التقارير و الوثائق. إذ لا يمكن أن يختلف اثنان في تصنيف تلك الأحداث في خانة جرائم الحرب التي يجرمها القانون الدولي. لذلك ينبغي تفعيل المساطر و الإجراءات الكفيلة بالنظر في هذه الجرائم. و على الإدارة الأمريكية التي أرسلت عددا من الإشارات الإيجابية بخصوص تجاوز أخطاء حقبة جورج بوش الإبن أن تكون في الموعد. و بغير فتح تحقيق داخلي مستقل بشأن التجاوزات التي سجلتها الوثائق السرية، لن يكون ل " التغيير" الذي رفعه أوباما شعارا لحملته الإنتخابية التي حملته إلى البيت الأبيض أي صدى واقعي. محمد مغوتي.24/10/2010.
التعليقات (0)