عندما قصف أطفال قانا بالقنابل العنقودية، خرج أحد الشيوخ يحرّم مجرد الدعاء بالنصر لسماحة السيد نصر الله. والحجة الظاهرة في هذه الفتوى أن نصر الله من أتباع مذهب آل البيت، والحجة المبطنة للفتوى هي أن نصر الله يرد عدوان الصهاينة.. وشيخنا الجليل لا يطيق ضرب الصهاينة. و قد لقيت هذه الفتوى رواجا كبيرا في أسواق تل أبيب والبيت الأبيض، لكنها سحبت من الأسواق الإسلامية لأنها سلعة فاسدة. ولحسن الحظ تدخل فضيلة الشيخ القرضاوي فأمر صاحبها بسحبها ففعل صاغرا.
ومن جهة أخرى، لما تفاقمت الأحداث الدامية في العراق أتى جورج بوش وشكل باليا راقصا في السعودية مع ولي العهد، فرقص بالسيف العربي، واستاءت الشعوب الإسلامية لهذا الأمر فأتى أحد الشيوخ يفتي بجواز تعليم أصول الرقص الحجازي مع بوش. والغريب أنه دافع عن فتواه من منطلق السنة ورقصة الحبشة المشهورة. لم تلق هذه الفتوى أيضا رواجا لأن رقصة الحبشة أُقحمت إقحاما مخزيا من أجل تبرير فعلة ولي العهد الأسمر وولي أمرهم الأشقر.
وعندما قُصفت غزة بالفسفور الأبيض خرجت الشعوب في كل دول العالم تتظاهر ضد العدوان، فخرج علينا أحد الشيوخ المعلبين ـ كما وصفه المفكر الكويتي عبد الله النفيسي ـ بفتوى تحرم التظاهر ضد العدوان، والحجة الظاهرة فيها أنها تلهي عن ذكر الله، والحجة المستبطنة فيها أنها تحرم مجرد الصراخ في وجه الصهاينة وتلهي عن عبادة الشقراء ليفني.
في هذه الأيام فُجعنا بانتهاك مقدساتنا الإسلامية، فخرج علينا مسيلمة الكذاب يفتي بهدم المسجد الحرام، وحجته المعلنة في ذلك هو العمل على منع الاختلاط بين الجنسين، وحجته المستبطنة أنه يريد أن يساعد الصهاينة في القضاء على المقدسات الإسلامية بأقصر وقت ممكن.
ولكن لنسلم جدلا بأن هذا الشيخ الدجال يريد هدم المسجد الحرام بحجة محاربة الإختلاط، فهذا يقودنا لطرح سؤال مؤداه: لماذا يحارب أمثاله من المتزمتين نظرية فرويد حول اللبيدو، وهم أكثر تطرفا من فرويد في هذا الشأن؟
تحامل البعض على فرويد بسبب نظريته التي يشير فيها إلى أن سلوكات الإنسان في جميع الأحوال يمكن ردها إلى الرغبة الجنسية المكبوتة، لكن نجد هؤلاء يؤمنون بأن الغريزة الجنسية هي المصدر الوحيد لسلوكات الإنسان وحتى العبادة! فحتى أقدس الأماكن بالنسبة للمسلمين ليست سوى فضاء لإشباع الشهوات الجنسية حسب هؤلاء. وأدى هذا الإعتقاد إلى إفراز فتاوي غريبة مخجلة، كفتوى هدم المسجد الحرام بحجة محاربة الإختلاط، لنسلم بأن صاحب الفتوى محق وأنه لابد من منع الإختلاط بين الجنسين في المسجد الحرام وكذا الجامعات وأماكن العمل وإلا يجب هدمها، بما فيها حتى الكعبة إن شاء مسيلمة.. لأن الطواف يجمع بين النساء والرجال، فهل معناه أن المشكلة الأخلاقية المتعلقة بالجنس سوف تحل؟ هل إذا جعلنا الجامعات والشركات وكل الفضاءات كما المراحيض - أكرمكم الله - نكتب عليها ”للرجال فقط، للنساء فقط”، نكون قد استأصلنا شأفة الأزمة الجنسية؟
عندما نقرأ بعض فترات التاريخ، نجد أن أكثر الفضاءات المغلقة هي التي يكثر فيها الشذوذ الجنسي. فالجنسية المثلية وجدت انتعاشا لها في الحمامات وفي الثكنات وفي السجون، لأنها أماكن يفصل فيها بين الجنسين.. وكذلك شاعت عادة استعمال الخصيان في بلاط الخلفاء في العهد الأموي والعهد العباسي والعهد العثماني، وهذا ماقام به يزيد بن معاوية والأمين بن هارون الرشيد، إذ يتم اختيار أجمل الأطفال ويتم إخصاؤهم.. فيصبح هؤلاء الخصيان مجندون لمراقبة الحريم ولأغراض أخرى، وللباحثة المغربية فاطمة المريسي كتاب في هذا الشأن بعنوان ”الحريم السياسي”.
إن السكوت عن الشذوذ الجنسي جعل البعض يتوهم، جهلا أو عمدا، بأنها ليس موجودا، وأن المشكلة قائمة فقط في اختلاط الجنسين. إضافة إلى المثلية الجنسية نجد تفشي زنا المحارم وكذلك الزنا بالأطفال، وهو اعتداء كثيرا ما يصل الأمر بالمعتدي فيه إلى قتل الضحية.
لو استعمل مسيلمة الكذاب هذا عقله قليلا لوجد بأن المشكلة ليست قائمة فقط في الإختلاط، وأنه إساءة بالغة للمسلمين حين يُصوَرون كقردة البونوبو لا همّ لهم سوى ممارسة الجنس. وحتى ولو سلمنا جدلا بأن اعتقاده صحيح وبأن المسلمين في البقاع المقدسة وفي كل مكان لا همّ لهم سوى إشباع غرائزهم، فهذا يعني أن الإسلام لم يغير في المسلمين سوى المظهر وفشل في تهذيب أخلاقهم، وهذا غير صحيح، لأن الإنسان في النهاية عندما تكون فطرته سليمة - سواء كان مسلما أو مسيحيا أو غير ذلك - فإنه يحتكم إلى الأخلاق لا إلى الشهوات الجنسية، أما من تكون فطرته سقيمة فحدث ولا حرج.
لذا نقول لك يا مسيلمة الكذاب، يا صاحب الفطرة السقيمة.. فتواك هذه اخترت لها توقيتا دقيقا لتعلنها، وهو التوقيت الذي تصاعد فيه عدوان الصهاينة على المقدسات الإسلامية. وما يدهشني أنك وأمثالك تدعو إلى نسف الآثار الإسلامية بحجة محاربة الشرك ولكنكم تخصصون ميزانية كبيرة لترميم آثار اليهود في الحجاز كحصن خيبر.. وهذا ما يدفعني لأقولها بصرحة بأن كل من خرج علينا بمثل هذه الفتاوي التي اختاروا لها التوقيت الدقيق هم ببساطة مساعدو الصهاينة في تعجيل تنفيذ مخطط هرتزل.
وبقي لي أن أقول إن صاحب هذه الفتوى، إما أنه من متعاطي الأفيون، إما أنه من بقايا يهود خيبر في الجزيرة العربية - وما أكثرهم وهم يتخفون في الزي العربي- إما أنه يحمل مخه في أعضائه التناسلية فأصابه الهوس الجنسي بفعل اختلاط المادة الرمادية بالتستيسترون!
ولكن قد تكون هذه الفتوى، ومثلها من الأفكار، عبارة عن إفرازات لفهم خاطئ لبعض لأحاديث أو عبارة عن أحاديث موضوعة تصور شخص النبي عليه السلام مجرد مهووس بالجنس.. فهناك حديث مثلا يشير إلى أن النبي كان جالسا مع صحابته مرت به امرأة نظر إليها واشتهاها وقام يفرغ شهوته في نسائه، وها هي رواية أخرى تروي بأن النبي يباشر نساءه وهن في مرحلة الحيض؟! فإذا كان النبي في بعض الروايات يُصوَر هكذا.. فماذا عن بقية الناس؟
على أية حال، تريث قليلا مسيلمة فمعاول اليهود مشغولة بهدم مقدساتنا في فلسطين، وحين ينتهون سيقدمون لك معاولهم لتهدم المسجد الحرام والكعبة، لأن معاول الصهاينة وحدها المخولة لفعل ذلك. على كل حال هذه غازات سامة أخطأت مسارها فخرجت من فمك وقد لوثت كل أقطار العالم الإسلامي!
التعليقات (0)