قضية فلسطين أصبحت قضية قديمة وعتيقة ، وأصبحت أخبارها تطلع على العالمين بعيون الكاميرات مع طلوع شمس كل نهار ، وبمغيبها ينام العالمين لكن أرض فلسطين لاتنام ، وأهلها أنهكت قواهم صراعاتهم مع الزمن ومع بعضهم البعض كبشر ...
قضية فلسطين قضية أدلى البشر - من مشارق الأرض ومغاربها - بدلائهم ، وأعطوا آراءهم لما يحدث فيها ، وتباينت وُجُهات نظرهم ، ما بين مؤيدٍ للشعب العربي (صاحب الأرض الأصلي) .. و مؤيدٍ للشعب اليهودي (الوافد على الأرض ) ... وما بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك ، يبقى التأييد أو المعارضة - على حد سواء - مبنيان على إعتبارات : تاريخية ، ودينية ، ولوجيستية ، ومنفعية ، وآخرها : إعتبارات إنسانية ...
فاليهود - كجميع البشر - لهم الحق في الإستقرار ، ولن نقول الحياة ، لأن الحياة هم من أحرص البشر على الحفاظ عليها ، وهم لاينتظرون في ذلك شفقة أحد .. أما الإستقرار فهو يكفل التعايش السلمي ، ويضمن للآخر - المضطهد - الحياة ..
ومن منظوري الخاص فإن اليهود دافعهم للإحتلال ، كان سيجعلني أنا وكذا جميع البشر نحتل بُقعا كثيرة من الأرض نرى بأنها مواطننا ، بمعنى آخر : كان اليهود متفرقون في الأرض يعيشون في دول وأوطان كانوا يعتبرونها أوطانهم ، مع أنهم مربوطين روحيا بأرض فلسطين ،على اعتبار أنها تحوي إرثهم العقائدي ، أوما يعتبرونه من المقدسات ، ولاينفي ذلك عنهم تخطيطاتهم للتجمهر والإستقرار بها على خلفية أرضهم الموعودة ، لكنها بقيت مجرد مخططات ، مع إحتمالية تجسدها أو عدمه ، ومع نسب متساوية لنجاحها أو فشلها ، وما كانت لتنجح لولا (الجشع) الغربي ، فبلفور كان وعده مبنيا على أساس المصلحة التي غذاها الطمع في ثروات الشعب اليهودي المستضعف ، والمشتت ، فقدم جملة من المقترحات من بينها فلسطين ، وطبيعي أن يختارها اليهود على أساس ماتقدم ذكره .. لكن هل يمنحهم ذلك حقوق المواطن الفلسطيني ؟
إحتلال اليهود هو ما أسقط عنهم حقوق المواطنة ، مع حفاظهم على حق الإنسانية في الحياة ( بعيدا عن فلسطين ).. كيف ؟
المغتصب هو معتدي ، حتى لو كانت الإعتبارات كلها قدُسية ، فلو تقمصت فكر اليهود -مثلا -وادعيت بأنه من حقي السفر إلى البقاع المقدسة بمكة ، على اعتبار أنها من حقوقي كمسلم ، ونصبت خيمتي وناديت منظمات حقوق الإنسان (لتدعمني) في قضيتي ضد الشعب السعودي ، فأنا مغتصب ومعتدي على الشعب السعودي في مساحة من مملكته أنا لها مستعمر ومهما كانت قداستها ... ومهما كانت مزاعمي إنسانية ...
هذا هو منظوري لقضية اليهود مع الشعب الفلسطيني ، فالحق الذي يُنادي به اليهود بامتلاكهم لشبر من أرض فلسطين هو اغتصاب لحقوق الفلسطينيين في كل أرضهم ، والإعتبار الأول : قاعدة البادي أظلم .. والإعتبار الثاني : أن اليهودية (كديانة) لاتستدعي أرضا محددة تكون وطنا لمعتنقيها قاطبة ، يمتلكون بموجب إعتناقهم لها إزاحة شعب - ومهما كان - من أرضه .. وهذا بدليل أن المسلمين ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها ، ويعرفون مقدسات دينهم ، ويعرفون الأراضي التي تتواجد بها ، لكنهم لايطلبون حقوقا مزعومة للعيش بها هي بعينها ..
فاليهود لو كانوا أذكياء لعاشوا بأوطانهم التي وفدوا منها إلى فلسطين ، ولحافظوا على حقوقهم في المواطنة ، والعيش الكريم ، جميعها مضافة إلى حقوقهم كبشر ، أما وقد أصبحوا محتلين فلا أرى لهم من حقوق .
[تاج الديــن : 11 - 2009]
التعليقات (0)